ريتشارد ك. بيتس

حان وقت التفكير بالسيناريوات المستبعدة في أوكرانيا

8 تموز 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

آثار القصف الروسي على مدينة جيتومير | أوكرانيا، أيار 2022
في ظل احتدام الحرب في أوكرانيا، عمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى التهديد باستعمال الأسلحة النووية، فحذر في شهر شباط الماضي من احتمال شن ضربة نووية قائلاً: "على كل من يحاول إعاقة مسارنا أو تهديد بلدنا وشعبه أن يعرف أن الرد الروسي سيكون فورياً ويؤدي إلى عواقب غير مسبوقة في التاريخ". اعتبر معظم المراقبين الغربيين هذا الموقف مجرّد استعراض متعجرف لأن الطرف الذي يطلق أول ضربة نووية يقوم برهان محفوف بالمخاطر حين يتوقع أن الخصم لن يردّ بالأسلوب المدمّر نفسه. لهذا السبب، من المستبعد أن يقوم القادة العقلانيون بتبادل الضربات بما يضمن تدمير بلد كل واحد منهم. لكنّ تراجع هذا الاحتمال ليس كافياً في عالم الأسلحة النووية.

من الضروري إذاً أن يستعد الغرب لاحتمال أن تستخدم روسيا ترسانتها النووية. ستتصاعد المخاطر لأقصى الدرجات إذا بدأت الحرب تصبّ في مصلحة أوكرانيا. إنه الوضع الوحيد الذي يدفع روسيا إلى أخذ هذه المجازفة الهائلة لمحاولة منع هزيمتها وزعزعة أوكرانيا وداعميها في حلف الناتو ودفعهم إلى التراجع. قد يتخذ الروس هذه الخطوة عبر تشغيل سلاح نووي تكتيكي أو عدد صغير من هذه الأسلحة ضد القوات الأوكرانية، أو عبر إحداث تفجير رمزي في منطقة فارغة.

يستطيع صانعو السياسة الأميركية أن يردوا على أي هجوم نووي روسي ضد أوكرانيا بثلاث طرق. قد تقرر الولايات المتحدة استنكار التفجير النووي شفهياً وتمتنع عن التحرك عسكرياً، أو ربما تستخدم أسلحتها النووية الخاصة، أو تمتنع عن إطلاق رد نووي مضاد لكنها تخوض الحرب مباشرةً عبر شن ضربات جوية تقليدية واسعة وتعبئة القوات البرية. هذه الخيارات البديلة كلها سيئة نظراً إلى غياب المقاربات التي تخلو من المخاطر إذا لم يعد استخدام الأسلحة النووية من المحرمات. سيكون الرد عن طريق الحرب التقليدية الخيار الأقل سوءاً من بين الاقتراحات الثلاثة لأنه يتجنب المخاطر الهائلة التي ترافق أقوى الخيارات وأضعفها.

مع ظهور احتمال أن تستخدم روسيا الأسلحة النووية، يجب أن يجيب الناتو على السؤال التالي: هل يُعتبر هذا الاحتمال خطاً أحمر بالنسبة إلى الغرب؟ بعبارة أخرى، هل سيكون الهجوم النووي الروسي كفيلاً بتغيير نهج الناتو، فينتقل من تزويد أوكرانيا بالإمدادات إلى المشاركة في القتال مباشرةً؟ تهدف أي نزعة روسية إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية إلى إخافة الناتو ومنعه من تجاوز ذلك الخط الأحمر ودفع أوكرانيا إلى الاستسلام. إذا لم تتحرك الولايات المتحدة للمشاركة في القتال مباشرةً رغم استعمال بعض الأسلحة النووية الروسية، ستحصل موسكو حينها على الضوء الأخضر لاستخدام تلك الأسلحة وسحق أوكرانيا سريعاً.

وإذا أصبح الخطر الذي لا يزال نظرياً اليوم واقعاً ملموساً، يسهل أن تتحول المشاركة في حرب نووية إلى تجربة لا يريد الأميركيون خوضها. لهذا السبب، قد يضطر صانعو السياسة للجوء إلى أضعف خيار محتمل، أي انتقاد التحركات الروسية الهمجية والمشينة وفرض العقوبات الاقتصادية التي لم تُستعمَل بعد لكن من دون التحرك عسكرياً. تثبت هذه المقاربة أن موسكو تملك كامل الحرية لإطلاق التحركات العسكرية التي تريدها، بما في ذلك تكثيف استخدام الأسلحة النووية لتدمير الدفاعات الأوكرانية، ما يعني الاعتراف بانتصار روسيا. قد يبدو الاستسلام بهذا الشكل معيباً بنظر مؤيدي استعمال القوة، لكن من المتوقع أن يفضّل الأميركيون هذا الخيار على أرض الواقع لأنه يحميهم من مخاطر الانتحار الوطني.

يجب أن يتأثر أي قرار فوري بالمخاطر المطروحة على المدى الطويل. إذا لم يقرر الغرب الانسحاب أو إذا أراد منع بوتين من إطلاق رهانه النووي منذ البداية، فيجب أن تعلن الحكومات بكل وضوح أن استخدام الأسلحة النووية الروسية لن يخيف الناتو بل يستفزه.

إذا قرر حلف الناتو أن يطلق ضربة مضادة نيابةً عن أوكرانيا، لا مفر من ظهور أسئلة محورية أخرى: هل يحتّم الوضع استعمال الأسلحة النووية؟ وكيف يمكن استخدامها في هذه الحالة؟ يقضي خيار منطقي بإطلاق هجوم نووي مضاد لتدمير الأهداف الروسية بما يشبه المواقع التي استهدفها الهجوم الروسي. قد يبدو هذا الخيار بديهياً للوهلة الأولى، لكنه غير جاذب لأنه يترافق مع تبادلات بطيئة حيث يرفض كل طرف الاستسلام ويدمّر نفسه في نهاية المطاف.

على صعيد آخر، قد تقرر واشنطن الرد عبر شن ضربات نووية على نطاق أوسع من الضربة الروسية الأولى، فتُهدد موسكو بخسائر متفاوتة إذا حاولت إطلاق اعتداءات نووية محدودة أخرى. لكن تتعدد المشاكل التي يطرحها هذا الخيار. في المقام الأول، قد تُسبب الأسلحة النووية الأميركية أضراراً جانبية في أماكن محسوبة على واشنطن إذا استعملت تلك الأسلحة ضد القوات الروسية داخل أوكرانيا. هذه المشكلة ليست جديدة. خلال الحرب الباردة، انتقد الخبراء الاستراتيجيون اللجوء إلى الأسلحة النووية التكتيكية للتصدي للقوات السوفياتية الغازية، فقالوا: "في ألمانيا، تبعد البلدات عن بعضها بمسافة 2 كيلوطن فقط". لكنّ استخدام الأسلحة النووية ضد أهداف محددة داخل روسيا قد يزيد مخاطر إطلاق حرب غير محدودة.

تطرح الضربات النووية التكتيكية المتبادلة مشكلة ثانية لأنها تضمن تفوّق روسيا كونها تملك أسلحة نووية تكتيكية أكثر من الولايات المتحدة. يفرض غياب التكافؤ هذا على صانعي السياسة الأميركية اللجوء إلى المعدات الاستراتيجية في مرحلة أبكر (الصواريخ أو القاذفات العابرة للقارات) للحفاظ على تفوّقهم. لكن تجازف هذه الخطوة بإحداث دمار شامل ومتبادل في أراضي الدول الكبرى. باختصار، تطرح الردود المتساوية وغير المتكافئة مخاطر مخيفة.

يقضي خيار أقل خطورة بالرد على الهجوم النووي عبر إطلاق حملة جوية بالذخائر التقليدية ضد المواقع العسكرية الروسية وتعبئة القوات البرية تمهيداً لنشرها في ساحة المعركة في أوكرانيا. يجب أن تترافق هذه التحركات مع مواقف علنية قوية، أبرزها دحض الآراء التي تعتبر هذا الخيار المحدود ضعيفاً. عند استخدام التقنيات الدقيقة المعاصرة، يجب أن يشدد صانعو السياسة في الناتو على اعتبار الأسلحة النووية التكتيكية غير ضرورية لضرب الأهداف التي كانت تُعتبر ضعيفة أمام أسلحة الدمار الشامل فقط.

سيدرك الجميع في هذه الحالة أن لجوء روسيا إلى الضربات النووية هو دليل آخر على همجيتها وتخلّفها العسكري. لن يكون خوض الحرب بطريقة مباشرة وتقليدية كافياً لإخماد الهلع السائد في الغرب، لكنه يعني أن تواجه روسيا احتمال محاربة الناتو الذي يتفوق في معداته غير النووية، ويتكل على قدرات نووية مضادة، ومن المستبعد أن يقف على الهامش إذا وجّهت روسيا ضرباتها النووية ضد الولايات المتحدة بدل القوات الأوكرانية. أما الرسالة المهمة الثانية، فيجب أن تؤكد على إطلاق رد نووي أميركي إذا استعملت روسيا الأسلحة النووية.

لكن يبقى هذا الخيار التقليدي غير مقنع لأن أي حرب مباشرة بين القوى العظمى قد تتحول إلى دمار شامل، بغض النظر عن المستوى الذي تبدأ فيه. ستكون هذه الاستراتيجية أضعف من الرد الانتقامي وقد تزيد يأس الروس من احتمال الخسارة بدل تهدئتهم، ما يعني أن يتمسكوا بدوافعهم الأصلية لتصعيد الوضع ويصروا على استعمال المزيد من الأسلحة النووية. هذه الظروف تُحتّم على الناتو أن يجمع بين الرد العسكري وعرض شروط للتسوية، على أن تشمل أكبر عدد ممكن من التنازلات الظاهرية لمنح روسيا شكلاً من السلام والحفاظ على كرامتها. من الناحية الإيجابية، لن يكون الخيار التقليدي محفوفاً بالمخاطر بقدر الامتناع عن التحرك أو اللجوء إلى أقوى الخيارات النووية.

إذا وقع تفجير نووي روسي فعلاً، سيواجه الناتو هدفَين متضاربَين. من جهة، سيرغب الحلف في نسف أي منافع استراتيجية قد تكسبها موسكو من ذلك التفجير. ومن جهة أخرى، سيحاول تجنب تصعيد الوضع. لحل هذه المعضلة، يجب ألا يسمح الغرب لموسكو باللجوء إلى الأسلحة النووية منذ البداية.

لتحقيق هذه الغاية، يجب ألا يكتفي الناتو بإطلاق تهديدات واقعية بالرد على أي هجوم، بل يُفترض أن يكسب الدعم أيضاً من أطراف ثالثة يريد بوتين منعها من الانضمام إلى المعارضة الغربية. حتى الآن، استفادت موسكو من رفض الصين والهند ودول أخرى الانضمام بالكامل إلى حملة العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب. لكن من مصلحة هذه البلدان الحيادية أن تمنع الصراع النووي. قد تقتنع إذاً بربط تعاونها الاقتصادي المستمر مع روسيا بامتناع موسكو عن استخدام الأسلحة النووية. وبما أن هذا الموقف لا يزال مرتبطاً بحدث افتراضي، قد تعتبر البلدان الحيادية هذه الخطوة مبادرة قليلة الكلفة أو طريقة لتجنب الضغوط الغربية عبر استباق احتمال مستبعد.

من المتوقع أن تبقي واشنطن تهديداتها واستراتيجياتها المحتملة مبهمة بما يكفي للحفاظ على هامش للمناورة وتجنّب المكائد. لكن إذا أصرّ بوتين على التهديد باستعمال الأسلحة النووية، يُفترض أن تتذكر واشنطن مسألة يعرفها بوتين لكنه يفترض أن الغرب نَسِيها: تبقى روسيا ضعيفة جداً أمام الردود النووية، ولا يمكن أن يفوز أحد بأي حرب نووية.