عماد موسى

"استروا ما شفتوا منّا"

19 تشرين الثاني 2019

09 : 32

يوم اعتقل ركنا الإستقلال الشيخ بشارة الخوري ورياض الصلح ورفاقهما في 11 تشرين الثاني 1943 كان الرئيس نبيه بري بعمر الخمسة أعوام، يركض في تبنين وراء العصافير لاهياً أو يردد ما حفظه من عنتريات زين شعيب، فيما العماد ميشال عون إبن التسعة أعوام يخطط مع أقرانه في حارة حريك لتحرير معتقلي راشيا واعتقال جان هللو. ومن تخيّل أن طفلا الأمس سيلتقيان مجدداً وها هما الآن في صدد البحث عن رئيس حكومة سيادي واستقلالي. كم جميل تلاقي القلوب بعد عقود!

في سنة الإستقلال كان التفاهم الميثاقي متيناً بين فخامة الرئيس الخوري ودولة الرئيس الصلح وجامعهما المشترك شعار"لن يبقى سنغاليّ على أرض لبنان". العام 1943 لم يكن العزيز كريم بقرادوني قد وُلد، ليكتب سيرة أحد الإستقلاليين، فلو تأخر الإستقلالُ "كم سنة" أو أن كريماً أبكر في الحضور إلى دنيانا لروى كشاهد تجليات ذاك العصر. لكن الزمن عاد وأكرم كريماً بأن عاصر 4 جنرالات استقلاليين. أرّخ سيرة عملاق حي منهم بأحرف موشاة بالذهب ويشتغل على خالد في القلوب.

أيها اللبنانيون

تاريخنا الحديث ومنذ 76 عاماً حتى الساعة استقلال فجلاء فحرب ثم استقلال فحرب فجلاء، ويحدث أحياناً أن يسبق الجلاءُ الحربَ والإستقلال. بعد جلاء الفرنسيين دخل إلى بلدنا دخول الفاتحين، بحسب ظهورهم على الشاشة، سوريون ومصريون وأميركيون وفلسطينيون وإيرانيون وإسرائيليون وسودانيون وسعوديون وإماراتيون وباكستانيون وجزائريون ونيباليون ومتعددو الجنسيات، كما دخل تحت علم الأمم المتحدة جنود سلام ووئام سود وصفر وبيض وشقر.

كل سنة، يزداد تشبثنا كلبنانيين بالإستقلال الناجز ونثبت دعائم الدولة وسيادتها على كامل أراضيها، ولم يبق أمامنا إلّا تفاصيل صغيرة قيد التحقق:

حل آخر ميليشيا إنفاذاً لاتفاق الوفاق الوطني قبل أن تحلّ الدولة.

السيطرة على مركزي قوسايا والناعمة والمخيمات الحلوة والبشعة.

تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا واسترداد القسم اللبناني من قرية الغجر غصباً عن إرادة أهلها.

تحرير نصري خوري.

إستكمال تحرير جل الديب زنقة زنقة.

إعادة مليون و200 ألف نازح سوري إلى بلادهم ( أخذ جبران باسيل المسألة على عاتقه).

بسط السيادة على بعض المربعات والمثلثات والدوائر والـ Trapèzes.

إجلاء اليونيفيل بعد 41 عاماً على انتشارهم في الجنوب. نزعولنا الشط بالناقورة.

أيها اللبنانيون

في هذه المناسبة العظيمة يخال إلي أن قول المتنبي بسيف الدولة،

"إذا نحن سميناك خلنا سيوفنا... من التيه في أغمادها تتبسمُ"، لقليل على أي من قادتنا.

وليس كثيراً علينا أن نسمع مغادراً السلطة يودّع الشعب بأربع كلمات: "استروا ما شفتوا منّا".