محمد علي مقلد

الثابت والمتحوِّل في انتخابات 2022

٩- نوّاب الثورة: أدخلوا لعبة التعطيل

16 تموز 2022

02 : 00

هناك جهة مسؤولة عن تصنيف القوى في المجلس النيابي المنتخب حديثاً. تحالف حاكم، منظومة، سياديون، مستقلون، تغييريون، بالإضافة إلى من لا ينتمي إلى أي من هذه الأسماء. ليس من باب الظن أن هذا التصنيف نابع من سوء نية غير مقصودة، إليها استندت المناورات لمنع الأكثرية الجديدة من أن تتشكل، في حين أن الحساب البسيط يظهر أن السلطة تكبدت الهزيمة في صناديق الاقتراع.

«التحالف الحاكم» هو الإسم الصحيح لمن بيده مقاليد السلطة الفعلية منذ اغتيال الحريري، باستثناء حكومتين برئاسة فؤاد السنيورة. ولم يكن أمام المعارضة البرلمانية إلا الإذعان لنهجه في طريقة تشكيل الحكومات وأدائها وبرامجها وسياساتها المعتمدة، مستبدلاً استبداد سلطة الوصاية بتهويل ميليشيوي وبتسخير إدارات الدولة وانتهاك سيادتها داخل حدود الوطن ومن خلال المعابر غير الشرعية على الحدود مع سوريا أو بذريعة الرد على انتهاكات إسرائيل، وباعتماد سياسة تقوم على تعطيل المؤسسات الدستورية والاقتصاد، بدءاً باحتلال وسط المدينة.

تكرر المشهد بعد اغتيال رفيق الحريري وظل التحالف الحاكم حاكماً من موقع الأقلية في ثلاث دورات انتخابية، 2005،2009، 2018، ولم تتمكن قوى الأكثرية من تغيير قواعد اللعبة المفروضة عليها منذ أيام الوصاية، إلى أن تمكنت الثورة في دورة 2022 من إعادة رسم الخريطة بنواب يمثلون الثورة في البرلمان. لكن التحالف الحاكم عمل على محاصرتهم وحرمانهم من إسمهم الحقيقي كنواب يمثلون روح الثورة، وذلك بهدف الحفاظ على قواعد اللعبة السياسية والبرلمانية، ومنعهم من أن يكونوا نواة كتلة نيابية لا تقبل المساومة والتسويات على حساب الدستور والديمقراطية.

التحالف الحاكم يتابع هذه الأيام اللعبة ذاتها. يعمل على تشكيل حكومة محاصصة، وكأنه لا ثورة ولا نواب الثورة. ويبحث عن تسوية رئاسية في عواصم العالم، استمراراً لتقليد أرساه عهد الوصاية يوم كان النظام السوري يختار إسم الرئيس اللبناني ويطلب من المجلس النيابي المصادقة، ويوم كان نادي الرؤساء داخل المارونية السياسية يرضى بهذا الاختيار ولو مرغماً.

حتى بعد رحيل القوات السورية، ظل التقليد سارياً، وظل مفروضاً على المجلس النيابي اختيار أحد ممثلي جبهة الممانعة وإلا فسلاح تعطيل الانتخابات الرئاسية وتعطيل تشكيل الحكومات جاهز عند الحاجة. هذه المرة يجد التحالف الحاكم نفسه أمام معطى جديد عنوانه نواب الثورة.

لقد نجح التحالف الحاكم حتى الآن في فرض قواعد اللعبة ذاتها في تشكيل الحكومة على الكتل النيابية التقليدية التي لا ترى اختلافاً جوهرياً بين حكومة تأليف وحكومة تصريف، طالما أن رئيسها هو ذاته، والصلاحيات ذاتها قد توكل إليه في حال شغور موقع رئاسة الجمهورية.

أما في انتخابات الرئاسة فالاستمرار في اللعبة ذاتها خطير على الكتل النيابية التي ينبغي عليها أن تتوحد في مواجهة التحالف الحاكم ومرشحيه المنتمين جميعهم إلى جبهة الممانعة.

إن نواب الثورة مطالبون بالدخول في لعبة التعطيل المضاد، على غرار ما فعلوا في اختيار اللجان البرلمانية حين فرضوا إجراءها عن طريق صناديق الاقتراع لا بالتسويات المعروفة الشبيهة بحكومات الوحدة الوطنية.

هم مطالبون بمنع قيام التسوية الرئاسية، ما قد يملي عليهم أولاً العمل على جمع شمل الأكثرية في مواجهة التحالف الحاكم المؤلف من قوى الممانعة حصراً، والاتفاق على مرشح باسم هذه الأكثرية، ويملي عليهم ثانياً أن يكون التنافس الديمقراطي معلناً من خلال برنامج سياسي واضح بدل أن يكون ثمرة تسوية تحصل في الكواليس الدولية والإقليمية بصرف النظر عن رأي البرلمان اللبناني.

لا يعاد الاعتبار للديمقراطية وللمؤسسات الدستورية وعلى رأسها البرلمان إلا بعملية تعطيل مضاد تُسترد بموجبها مهمة اختيار رئيس الجمهورية من أيدي أجهزة المخابرات المعتادة على عقد التسويات الفوقية التوافقية لتوضع بين أيدي المعنيين باختيار الرئيس، أي أعضاء المجلس النيابي، وتمنع تكرار تجربة التعطيل الحكومي والبرلماني المتمادية منذ اغتيال رفيق الحريري وتفرض الدعوة إلى الاختيار بين مرشحين معلنين لا مغفلين لرئاسة للجمهورية تقيداً بالنصوص والمهل الدستورية.

نواب الثورة مطالبون بأن يكونوا نواة جبهة المعارضة النيابية لتعطيل التعطيل.