غارات إسرائيليّة على دمشق ردّاً على إطلاق صواريخ

الآشوريّون في سوريا قلقون من "إبادة" تركيّة جديدة

10 : 56

عنصر من "حرس الخابور" يتفّقد كنيسة آشوريّة دمّرها "داعش" العام 2015 (أ ف ب)

في وقت هدّدت فيه تركيا بشنّ هجوم عسكري جديد على شمال سوريا ضدّ "قسد"، التي تضمّ فصائل كرديّة وسريانيّة/آشوريّة وعربيّة، يتخوّف الآشوريّون القاطنون في المناطق المتاخمة للوجود العسكري التركي، من "مصير مجهول" وتهجير ثانٍ بعد فرارهم من مناطقهم مع هجوم "داعش" عليها، ومن "إبادة" جديدة "من الأتراك الذين لديهم تاريخ من الإبادة" في حقّهم.

وتخشى العائلات الآشوريّة القليلة المتبقية، على مصيرها، مع تقدّم القوّات التركيّة نحو قراها الواقعة في ريف الحسكة الغربي، خصوصاً بعد تهديد أنقرة أمس الأوّل باستئناف حملتها العسكريّة ضدّ الأكراد، ما استغربته روسيا معتبرةً أنّه يؤجّج الوضع.

وفي بلدة تل تمر في شمال شرقي سوريا، تتضرّع سعاد سيمون يوميّاً إلى المخلّص يسوع المسيح كي يحمي زوجها الذي يُرابض مع مقاتلين آخرين دفاعاً عن المنطقة ذات الغالبيّة الآشوريّة المسيحيّة، بعدما باتت القوّات التركيّة على تخومها. وفرّت سعاد (56 عاماً) قبل أيّام من قريتها تل كيفجي، التي تحوّلت إلى خط جبهة ضدّ القوّات التركيّة الغازية، ولجأت إلى منزل أقاربها في تل تمر، التي تتصاعد أعمدة الدخان من أطرافها وترتفع في أزقتها صور قديمة لمقاتلين قضوا خلال معارك سابقة، مع كتابات باللغة الآشوريّة.

وعلى الرغم من إعلان أنقرة الشهر الماضي، بعد اتفاقَيْن مع واشنطن وموسكو، تعليق هجوم عسكري واسع بدأته ضدّ مقاتلي "قسد" الموجودين في المنطقة، واصلت قوّاتها التقدّم، متّبعةً سياسة القضم التدريجي التي مكّنتها من السيطرة على عشرات البلدات والقرى. وتخوض منذ أسابيع معارك على جبهات عدّة، بينها محيط بلدة تل تمر. ودفع الهجوم التركي منذ انطلاقه في 9 تشرين الأوّل، أكثر من 300 ألف شخص إلى النزوح، وتسبّب بمقتل حوالى 150 مدنيّاً، وفق "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

ويقول أيشو نيسان (48 عاماً)، أحد سكّان البلدة الآشوريين، لوكالة "فرانس برس" إنّ "ثمة تهديدات تركيّة بالهجوم على قرانا، وكثيرون ينزحون"، مضيفاً أنّ "مصير المنطقة مجهول ونخاف على أطفالنا وعائلاتنا"، فيما يُلخّص الناطق الرسمي باسم "مجلس حرس الخابور" نبيل وردة، مخاوف العائلات، بالقول: "إنّها المرّة الثانية التي نتعرّض فيها لهجوم، الأولى من تنظيم "داعش"، وهذه المرّة الخوف من الأتراك الذين لديهم تاريخ من الإبادة بحقنا"، في إشارة إلى مقتل مئات آلاف الآشوريين والسريان والكلدان والأرمن المسيحيين، في مجازر تُتّهم القوّات العثمانيّة بارتكابها منذ العام 1915، وتُعرف باسم "مجازر سيفو"، تُحيي الأقليّات المسيحيّة في سوريا ذكراها سنويّاً في شهر حزيران.

وعلى بُعد كيلومترات عدّة جنوب تل تمر، يجول سركون صليو (50 عاماً) داخل كنيسة قريته تل نصري التي دمّرها التنظيم المتطرّف العام 2015 خلال هجومه، والتي لم يصمد منها إلّا هيكلها الخارجي الحجري وصليب حديدي عملاق موضوع في إحدى زوايا باحتها. ويقول سركون: "في العام 2015، كان آخر هجوم علينا من الإرهابيين الداعشيين، وتخوّفنا اليوم من أن تُعاد الكرّة مرّة أخرى على قرانا"، مضيفاً: "عانينا ما عانيناه ونخاف صراحة من أن يتمّ تهجير من تبقى من شعبنا الآشوري".

ويضمّ ريف تل تمر نحو 35 قرية وبلدة ذات غالبيّة آشوريّة تُعرف بقرى الخابور. وتعرّضت في شباط 2015 لهجوم واسع شنّه تنظيم "داعش" وتمكّن بموجبه من السيطرة على نصفها تقريباً، قبل أن تطرده "قسد" منها في وقت لاحق. وخطف التنظيم حينها 220 شخصاً، بينهم نساء وأطفال، من سكّان المنطقة، قبل أن يُفرج عنهم بعد أشهر عدّة وعبر مفاوضات، وعلى مراحل ومقابل مبالغ ماليّة كبرى.وكان عدد سكّان المنطقة الآشوريين قبل هجوم "داعش" يُقدّر بحوالى عشرين ألف نسمة، إلّا أن الغالبيّة الساحقة منهم هاجرت بعد الحرب السوريّة إلى دول عدّة أبرزها الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا، ولم يبقَ منهم إلّا نحو ألف فقط في المنطقة. وينخرط عشرات منهم في مجموعة "حرس الخابور"، التي تضمّ مقاتلين آشوريين محلّيين تُقاتل مع "قسد" للدفاع عن عشرات القرى ذات الغالبيّة الآشوريّة.

وبلغ عدد الآشوريين الإجمالي في سوريا قبل بدء الحرب في آذار 2011، حوالى ثلاثين ألفاً من أصل نحو 1.5 مليون مسيحي، وهم يتحدّرون بمعظمهم من الحسكة. ويُشكّل المسيحيّون حوالى خمسة في المئة من إجمالي عدد السكان في سوريا، لكن عدداً كبيراً منهم غادر البلاد بعد اندلاع الحرب الدمويّة. وكانت تركيا قد حذّرت أمس الأوّل، على لسان وزير خارجيّتها مولود تشاوش أوغلو، من أنّها قد تُواصل حملتها العسكريّة شمال سوريا ضدّ القوّات الكرديّة في حال لم تكمل الولايات المتّحدة وروسيا تنفيذ كلّ ما هو وارد في الاتفاقات، قائلاً إنّ "علينا القضاء على التهديد الإرهابي الذي يدقّ أبوابنا"، في حين أعربت وزارة الدفاع الروسيّة عن استغرابها من تصريح أوغلو في شأن عدم تنفيذ روسيا تعهّداتها، واعتبرت أن استئناف العمليّة العسكريّة يُمكن أن تؤدّي إلى تفاقم الوضع، لا تسويته. وعلّقت تركيا هجومها الأوّل بعد وساطة أميركيّة واتفاق مع روسيا نصّ على تسيير دوريّات مشتركة قرب الحدود.ميدانيّاً، أفادت وكالة الأنباء السوريّة أمس، بأنّ قوّة أميركيّة خاصة نفّذت إنزالاً جوّياً عبر مروحيّة على أحد المنازل في قرية تل أحمر في ريف الحسكة الجنوبي (شمال شرق) واختطفت شابَيْن شقيقَيْن لم تنشر هويّتيهما. ويأتي هذا التطوّر بعد ساعات من وقوع انفجارات قرب مطار دمشق الدولي، مصدرها غارات إسرائيليّة أتت ردّاً على أربعة صواريخ أُطلقت من سوريا. وأفاد "المرصد السوري" بأنّ الصواريخ الأربعة أُطلقت من "مواقع تابعة لجماعات موالية لقوّات النظام السوري، قد تكون لـ"حزب الله" اللبناني أو لفصائل فلسطينيّة"، مضيفاً أن الجانب الإسرائيلي ردّ بشنّ "خمس غارات استهدفت مواقع في جنوب وجنوب غربي دمشق انطلقت منها الصواريخ" صوبه. وأشار إلى أن الدفاعات الجوّية السوريّة فتحت النار ردّاً على ذلك.

ونفّذت إسرائيل في الأعوام الأخيرة غارات عدّة في سوريا استهدفت بشكل أساسي مواقع لـ"حزب الله"، وأخرى إيرانيّة وللجيش السوري. ونادراً ما تعترف تل أبيب بهذا القصف، لكنّها تُكرّر أنّها ستُواصل تصدّيها لمحاولات إيران ترسيخ وجودها العسكري في سوريا المجاورة وإرسال أسلحة متطوّرة إلى "حزب الله".

وفي سياق متّصل، كشفت صور فضائيّة نشرتها شبكة "فوكس" الأميركيّة أمس أن طهران تستكمل بناء قاعدتها العسكريّة "الإمام علي" على الحدود السوريّة - العراقيّة، بعدما كانت تعرّضت لهجمات جوّية "مجهولة المصدر" في مطلع أيلول الماضي، أودت بحياة 21 شخصاً. وأظهرت الصور التي التقطتها شركة "آي إس آي" (تُقدّم خدمة أقمار اصطناعيّة مدنيّة)، بناء وإعادة بناء ثماني منشآت أساسيّة، كما أظهرت أن المباني تكفي لإخفاء شاحنات وكمّيات كبيرة من المعدّات والذخيرة، ناهيك عن وجود حواجز على جانبي المجمّع العسكري، إضافةً إلى أنفاق داخليّة محفورة تحت مستودعات كبرى.ووفق تقرير سابق لشبكة "فوكس نيوز"، فإنّ القاعدة الجديدة لإيران في سوريا ستكون من أكبر قواعدها هناك، وستُؤوي آلاف الجنود والمعدّات، ووافقت على إنشائها المرجعيّات العليا في طهران، وأسندت مهمّة بنائها إلى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري. وكشف التقرير أيضاً وجود خمس منشآت جديدة يُمكن تخزين الصواريخ فيها، ناهيك عن وجود 10 منشآت أخرى، بحيث يتوقّع أن تكون القاعدة العسكريّة جاهزة بالكامل في وقت قريب. وكانت الشبكة الأميركيّة قد نشرت في أيّار الماضي تقريراً كشفت فيه عن معبر حدودي تُديره إيران في البوكمال.