مايز عبيد

طلاب طرابلس أعادوا المدينة إلى أيام العزّ

21 تشرين الثاني 2019

02 : 00

ثورة طالبية لا تهدأ في طرابلس

سرق الطلاب والطالبات الأنظار في هذه الثورة وشدّوها في اتجاه حراكهم الذي بدأ بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على انطلاقة ثورة 17 تشرين، حتى يستحقوا عن جدارة تسميتهم بعصب الثورة ووقودها الذي لا ينطفئ.

جاءت تسمية التحرك الطلابي بـ "وقود الثورة" انطلاقاً من الأهمية التي اكتسبها، خصوصاً أنه جاء بعد برهة أحسّ فيها الكثيرون أن الثورة بدأت تخفت وتتراجع في الحركة والأداء على الأرض، فكان تحرّك الطلاب في المدارس والمعاهد والجامعات، الذي أعطى لهذه الإنتفاضة زخماً إضافياً انتشلها من الخمود وساهم في ضخ دم شبابي جديد في الساحات والشوارع.

والتحرّكات الطلابية في الشمال وفي عاصمة هذا الشمال طرابلس ملفتة للأنظار، وتكاد لا تهدأ. شباب وشابات قرروا ترك المقاعد الدراسية والتوجّه إلى الشارع والساحات للمطالبة بالحقوق عن قناعة، وحسب رأيهم "حتى لا تكون شهاداتهم أوراقاً تعلّق على الجدران". قرروا تغيير واقعهم بأيديهم وأن يصنعوا هم تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم.

يقول كبار السن من أبناء مدينة طرابلس إن ما يحصل في المدينة من حراك طلابي "أعاد إلى الأذهان صورة المدينة أيام العز وعندما كان هناك للطلاب والقيادات الشبابية صوت يسمع في كل أرجاء المدينة حيال كل قضية". يقول الخبير في تاريخ المجتمعات الأستاذ محمد خضر لـ"نداء الوطن": "لا شك في أن التظاهرات الطالبية التي تشهدها مدن طرابلس وبيروت وعكار والعديد من المناطق اللبنانية أشبه بتحركات الطلاب في سبعينات القرن الماضي عندما كان للشباب المثقف دوره السياسي حيال الملفات الوطنية والقومية المطروحة". ويوضح: "في تلك الفترة كان الشباب غير متأدلج تحت عباءات حزبية أو طائفية أو مذهبية بل كانت الأيديولوجية الوطنية هي المتحكمة وقتها بتحركاتهم". ويشدد على أن "الطلاب يخرجون اليوم كجيل جديد أغلبه تحت سن العشرين رافضين الإنعزالية الحزبية والطائفية لصالح الانفتاح الوطني الأشمل والأقرب إلى أفكارهم وتطلعاتهم".

ويقول الصحافي الشمالي عامر الشعار لـ"نداء الوطن": "في الثمانينات والتسعينات كانت الإضرابات والإعتصامات الطالبية تحصل لغايات وأسباب حزبية وتربوية وتضامناً مع قضايا مطلبية محددة. أما اليوم فما نراه ثورة عامة وشاملة ومتنوعة الهدف منها اتّباع سياسة شاملة وعامة، فالشباب ملّوا السياسات والإجراءات الإقتصادية والإجتماعية التي عفّى عليها الزمن وسياسات الشخصنة وهم يتطلعون إلى بناء وطن على قياس أحلامهم وطموحاتهم".

إلى ذلك فقد شكّل نزول طلاب الجامعات في لبنان إلى الشارع، عنواناً بارزاً عادت معه إلى أذهان كثيرين ثورة الطلاب في فرنسا العام 1968 التي أطاحت الجنرال شارل ديغول. هؤلاء اليافعون وبعكس ما يظن الكثيرون يحملون أفكاراً وحلولًا للكثير من المشاكل التي يعاني منها بلدهم اليوم. هم يرون أن حل مشاكل البلد اليوم بحاجة إلى "حكومة اختصاصيين تأخذ على عاتقها مكافحة الفساد وتأمين التشريعات والقوانين التي تضمن استرداد أموال الشعب المنهوبة، وتؤسس لمرحلة جديدة في البلاد عنوانها إقتصاد منتج وليس اقتصاداً ريعياً كما هي الحال اليوم".

ويقول طالب علوم إقتصادية في الجامعة اللبنانية شوقي سلهب: "لبنان يمتلك الكثير من القدرات في مختلف القطاعات تماماً كما الطاقات الشبابية والبشرية التي تستطيع أن تحسن استخدام هذه الطاقات الوطنية لتكوين اقتصاد وطني قوي وتنافسي في مواجهة إشكاليات البلد، مع ضرورة أن تكون علاقاتنا مع دول العالم قائمة على التكامل والإستفادة الحقيقية وليس على التبعية العمياء لهذه الدولة أو تلك أو لهذا المحور أو ذاك".

البعض يشبّه حراك اليوم بحراك 14 آذار 2005 ودور الطلاب آنذاك. مع الفارق أن للمرة الأولى بعد الطائف يثور الطلاب والشباب لأجل حياتهم ومستقبلهم وليس لأهداف سياسية.

شكّل حراك طلاب المدارس والجامعات في مدينة طرابلس علامة فارقة وناصعة في شكل الثورة ومضمونها، وأعطاها بعداً جديداً، وأسس لمرحلة جديدة في لبنان اسمها مرحلة ما بعد 17 تشرين.


MISS 3