إسرائيل تردّ على إيران... في دمشق

02 : 00

عنصر أمني يتفقّد بنكاً محترقاً جرّاء الإحتجاجات العنيفة في غرب طهران أمس (أ ف ب)

تقف المنطقة على برميل بارود قد ينفجر عند أيّ شرارة جيوسياسيّة مفاجئة، فالتوتّرات الداخليّة من طهران وصولاً إلى بيروت مروراً ببغداد، إضافةً إلى التأزّم السياسي الداخلي في إسرائيل مع استحالة تشكيل حكومة جديدة، تُشكّل "فالق زلازل" قد يهزّ الشرق الأوسط المضطرب أساساً برمّته، إن استشعر أيّ لاعب إقليمي بخطر داهم يُهدّد مكانته ونفوذه، أو اتّخذ خيار الذهاب إلى "حرب خارجيّة" على قاعدة حسابيّة تعتبر أن كلفتها قد تكون أقلّ من حال المراوحة الداخليّة. وسياسة "التغلغل والتوسّع" الإيرانيّة في المنطقة، بدأت تطرح علامات استفهام كبيرة حول حجم الدور الذي بات "فيلق القدس" بقيادة الجنرال قاسم سليماني يلعبه في أكثر من ساحة، خصوصاً في الساحة السوريّة، حيث يُعزّز "الحرس الثوري" حضوره الميداني عبر إنشاء وتحديث قواعد عسكريّة في أكثر من منطقة، ما يجعله على خط المواجهة الأماميّة مع إسرائيل، التي هدّدت مراراً بأنّها لن تسمح لطهران بأن تجعل من سوريا قاعدة أماميّة لها لاستهداف الدولة العبريّة.

وفي آخر المناوشات العسكريّة على هذا الصعيد، شنّ الجيش الإسرائيلي ضربات جوّية "على نطاق واسع" ضدّ مواقع عسكريّة تابعة للنظام السوري و"فيلق القدس" في دمشق أمس، ردّاً على إطلاق صواريخ من سوريا في اتجاه إسرائيل أمس الأوّل، ما أسفر عن مقتل 23 مقاتلاً، بينهم 16 "غير سوريين"، بحسب "المرصد السوري"، فيما كان الجيش الإسرائيلي أعلن الثلثاء أن دفاعاته الجوّية اعترضت أربعة صواريخ أطلقت من سوريا، بينما أفاد "المرصد السوري" بأنّ الجانب الإسرائيلي ردّ بشنّ غارات على أهداف قرب دمشق. وأوضح الجيش الإسرائيلي أمس أن مقاتلاته قصفت نحو عشرة أهداف عسكريّة، بما في ذلك مقار قيادة عسكريّة ومستودعات، ودمّرت بطاريّات للدفاع الجوّي، في حين قال رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو: "من ضربنا نضربه! هذا ما فعلناه هذه الليلة ضدّ أهداف عسكريّة سوريّة وقوّات القدس الإيرانيّة في سوريا".

بدوره، حذّر وزير الأمن الإسرائيلي نفتالي بنيت من أن "الرسالة من وراء هذه الغارات موجّهة إلى قادة إيران... أنّهم ليسوا في مأمن"، مشيراً إلى أن "القواعد قد تغيّرت، أيّ أحد يُطلق النار على إسرائيل خلال النهار، لن ينام في الليل". وتابع: "أينما تُرسلون ذراع أخطبوطكم، سنقطعها!"، فيما كشف الناطق باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس لوكالة "فرانس برس" أن الهجوم كان "سريعاً وكثيفاً جدّاً"، موضحاً أن "الهدف الرئيسي كان "المنشأة الزجاجيّة" الواقعة في المحيط العسكري لمطار دمشق الدولي". ولفت إلى أن هذه المنشأة هي "المبنى الرئيسي الذي يستخدمه "الحرس الثوري" لتنسيق نقل المعدّات العسكريّة من إيران إلى سوريا، وأبعد من ذلك".

وبينما اعتبرت موسكو على لسان نائب وزير الخارجيّة ميخائيل بوغدانوف أن الغارة الإسرائيليّة "تُخالف تماماً القانون الدولي"، ذكّرت فرنسا من ناحيتها بـ"تمسّكها بأمن إسرائيل"، وحضّت إيران على "الامتناع عن أيّ عمل يُزعزع الاستقرار في سوريا"، مكرّرةً أن "لا حلّ عسكريّاً" في هذا البلد. وبالتوازي، قُتِلَ 21 مدنيّاً على الأقلّ، بينهم عشرة أطفال، جرّاء قصف شنّه النظام السوري وروسيا على مناطق في محافظة إدلب في شمال غربي سوريا، وفق ما أفاد "المرصد السوري".

وعلى صعيد الاحتجاجات الأخيرة التي هزّت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، أعلنت طهران أمس "انتصارها على مخطّطات العدو"، وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني، فيما كان التلفزيون الرسمي يعرض مقاطع لتظاهرات مؤيّدة للنظام، إنّ "الشعب الإيراني بدّد مخطّطات العدو في حوادث مختلفة، وهذه المرّة نجح أيضاً في إفشال مخطّطات العدو، وإحباط مؤامرات أولئك الذين فرضوا العقوبات القصوى في السنتَيْن الماضيَتيْن". وامتدّت التظاهرات، التي تفجّرت بعد ساعات من إعلان رفع أسعار الوقود ليل الخميس - الجمعة، سريعاً إلى أكثر من 50 مدينة ومنطقة، بينها طهران، أُحرقت خلالها محطّات للوقود وهوجمت مراكز للشرطة و"الباسيج" ومجمّعات تجاريّة ومساجد ومبان عامة، ما دفع روحاني إلى القول إنّ المحتجّين "كانوا أكثر تنظيماً وتنسيقاً ومسلّحين أيضاً ويعملون بالكامل وفقاً لبرنامج أُعدّ من قبل القوى الرجعيّة في المنطقة والصهاينة والأميركيين".

من جهتها، أعربت باريس عن "قلقها البالغ" حيال تقارير تحدّثت عن مقتل "العديد من المتظاهرين"، بحيث تُفيد بعض المصادر بمقتل أكثر من 200 متظاهر، في وقت لا يزال الإيرانيّون منقطعين عن العالم الخارجي بشكل تام بسبب قطع السلطات لخدمة الإنترنت، لتسهيل عمليّة قمع الاحتجاجات الشعبيّة عليها من جهة والحدّ من قدرة الإيرانيين على نقل الصورة الحقيقيّة على الأرض للعالم أجمع من جهة أخرى. وبالفعل، فقد نجح النظام الإيراني في مخطّطه حتّى اللحظة.

وعلى الرغم من التوتر الكبير بين واشنطن وطهران، عبرت حاملة الطائرات الأميركيّة أبراهام لينكولن مضيق هرمز الثلثاء من دون أيّ حوادث، وذلك للمرّة الأولى منذ تدمير الإيرانيين طائرة استطلاع أميركيّة في المنطقة في 20 حزيران. وأوضحت البحريّة الأميركيّة في بيان أن عبور مجموعة حاملة الطائرات المضيق الاستراتيجي إلى الخليج، يهدف إلى إظهار "تصميم" واشنطن على ضرورة الالتزام بحرّية الملاحة.

أمّا في إسرائيل، فقد أبلغ زعيم تحالف "أزرق أبيض" بيني غانتس، المنافس الرئيسي لرئيس الوزراء المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو مساء أمس، الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أنّه غير قادر على تشكيل حكومة، قبيل انتهاء المهلة الممنوحة له. وأدلى غانتس بتصريح مقتضب للصحافيين أوضح فيه أنّه بذل جهداً كبيراً "في محاولة لتشكيل حكومة وحدة قوميّة ليبراليّة واسعة تكون قادرة على خدمة الجميع". وهاجم نتنياهو، قائلاً: "يتوجّب على نتنياهو أن يتذكّر أنّنا ما زلنا في دولة ديموقراطيّة، وأن غالبيّة الناس صوّتت لصالح سياسة مختلفة عن سياسته"، مضيفاً: "لا يُمكن للشعب أن يكون رهينة أقليّة متطرّفة". وبحسب القانون الإسرائيلي، إذا فشل كلّ من نتنياهو وغانتس في تشكيل حكومة فسيكون أمام الكنيست مهلة 21 يوماً لترشيح عضو في الكنيست قادر على ذلك. وفي حال أخفق الكنيست في هذا الأمر، ستتمّ الدعوة إلى انتخابات جديدة ستكون الثالثة في أقلّ من عام، ومن المرجّح أن تجرى في آذار المقبل.


MISS 3