جاد حداد

"كوفيد - 19" ستصاب به أكثر من مرّةولكن هل تخفّ حدّة الإصابة؟

23 تموز 2022

02 : 01

في هذه المرحلة من جائحة كورونا، التقط معظم الناس العدوى مرة واحدة على الأقل، أو ربما مرتين، أو حتى ثلاث مرات. في الوقت نفسه، يتطور هذا الفيروس ويزداد ذكاءً في طريقة استهداف الناس. من الواضح أن التقاط هذا النوع من فيروسات كورونا بشكلٍ متكرر أصبح وضعاً طبيعياً، بما يشبه حالات الزكام العادي. لكن يعني ذلك للأسف انهيار النظرية القائلة إن الإصابة بفيروس "كوفيد-19" تحمي الناس من التقاط العدوى مستقبلاً. من الناحية الإيجابية، يقول العلماء إن التعامل مع هذه العدوى يُفترض أن يزداد سهولة لدى معظم الراشدين الأصحاء، بما في ذلك من تلقوا حماية مضاعفة بفضل اللقاح، لأن جهاز المناعة يتدرب مراراً على التعامل مع هذا الفيروس.

تقول خبيرة الأمراض المعدية، أليسون ماكغير، أستاذة في كلية "دالا لانا" للصحة العامة في جامعة تورنتو: "تكون الإصابة الأولى بفيروس "كوفيد-19" الأسوأ على الأرجح. وكلما زاد تعرّضنا للعدوى، يتحسن مستوى حمايتنا منها".

عدوى متكررة

بعد أشهر أو حتى سنوات على محاولات تجنب الفيروس بالكامل، قد تتفاجأ حين تعرف أن العدوى قد تصيبك أكثر من مرة.

في المراحل الأولى من تفشي الجائحة، نشر بعض العلماء نظريات واعدة حول المناعة الجماعية، لكن لا يسهل بلوغ هذه المرحلة مع فيروس كورونا.

رصد العلماء الفيروسات التي تدخل في هذه الخانة خلال الستينات للمرة الأولى، لكنها تستهدف الناس على الأرجح منذ قرون. تُعتبر "المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2" أحدث نوع من هذه الفيروسات بكل بساطة.

في هذا السياق، يقول الدكتور عميش أدالجا، عالِم مرموق في "مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي" في بالتيمور: "تُسبب أربعة أنواع من هذه الفئة حوالى 30% من حالات الزكام العادي، وهي تصيبنا بشكلٍ متكرر. لقد أُصبنا جميعاً بأنواع أخرى من فيروسات كورونا، ولطالما كانت وجهة الفيروس بهذا الشكل. لذا يُفترض ألا يتفاجأ أحد بالتقاط العدوى مراراً".

وفق بحثٍ نشرته مجلة "طب الطبيعة" وشمل علماء تعقبوا مجموعة من الراشدين الأصحاء لأكثر من 35 سنة، يبدو أن أربعة أنواع من فيروسات كورونا البشرية والموسمية التي خضعت لدراسات طويلة تستطيع نقل العدوى إلى الناس كل 12 شهراً.

لكن على عكس هذا النمط الموسمي، تبقى "المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة 2" عشوائية، ما يعني أن تقلباتها مستمرة، فلا تزيد أو تخفّ بانتظام خلال سنة معينة.

في كندا ودول أخرى كثيرة، بدأت موجة سابعة من الجائحة الآن بسبب متحور فرعي آخر من "أوميكرون" اسمه BA.5. تنتشر هذه العدوى خلال أشهر الصيف، أي قبل موسم الزكام والإنفلونزا بكثير، وبعد فترة غير طويلة على بدء الموجات السابقة التي أطلقتها أنواع أخرى من متحور "أوميكرون".

على غرار عدد كبير من مراقبي ظاهرة "كوفيد"، لا تعرف ماكغير حتى الآن المسار الذي سيتخذه هذا الفيروس على المدى الطويل، فتتساءل: "هل ستتركز العدوى خلال الشتاء في نهاية المطاف؟ إنها نتيجة متوقعة، لكنها قد لا تتحقق قبل سنة أو سنتين. مع ذلك، لا يمكن التأكيد على هذا المسار أيضاً".

الإصابات اللاحقة ليست أسوأ

من العدوى الأولى

يؤكد جزء كبير من الخبراء على أن الإصابات اللاحقة بعدوى "كوفيد-19" يُفترض أن تكون أخف من الإصابة الأولى. لا يعني ذلك أن تمرّ الحالة بلا مشاكل دوماً، لكن لن تكون العدوى قوية على الجسم مقارنةً بأول احتكاك له بها.

تقول أنجيلا راسموسين، عالِمة فيروسات في "منظمة اللقاحات والأمراض المعدية" في جامعة "ساسكاتشوان" في "ساسكاتون": "استناداً إلى جميع المعطيات التي راجعتُها، يبدو أن زيادة وتيرة التقاط العدوى لا تزيد الفيروس سوءاً. إنه أمر متوقع لأن جهاز المناعة يعمل بهذه الطريقة".

يمكن تدريب المناعة على محاربة هذا الفيروس بطريقة أسرع وأكثر ذكاءً عبر خطوات معينة مثل التعرّض للعدوى مباشرةً، لكن تترافق هذه العملية مع عواقب صحية محتملة. أو يمكن تلقي اللقاح الذي يُعَرّف الجسم على هذا النوع من مسببات الأمراض من دون مواجهة تلك المخاطر.

حتى لو تلقيتَ اللقاح ثم التقطتَ عدوى "كوفيد - 19"، قد يخترق الفيروس خط الدفاع الأولي في جهاز المناعة، أي الأجسام المضادة التي تبطل مفعول مسببات الأمراض، ويتسلل إلى خلايا الجسم.

توضح راسموسين: "في هذه الحالة، ستتعرّف الخلايا التائية التي أنتجها اللقاح على الفيروس فوراً، فتنشط وتبدأ بالقضاء على تلك الخلايا المصابة بالعدوى".

بعبارة أخرى، لا يستطيع جهاز المناعة المُدرّب أن يمنع التقاط العدوى، لكنه قادر على التحكم بها سريعاً في معظم الحالات. يعني ذلك أن العنصر الدخيل الذي سبّب اضطرابات كبرى في السابق لن يحصل على الفرصة نفسها مجدداً.

إنها التجربة التي عاشتها إيرين ويلسون، مدرّبة وممثلة في مدينة "هاليفاكس" الكندية، فقد التقطت حديثاً فيروس "كوفيد - 19" مجدداً بعد إصابتها به في شهر كانون الأول الماضي، علماً أنها تلقّت اللقاح أيضاً. في المرة الأولى، شعرت هذه المرأة بالإرهاق وبعجز تام ولازمت سريرها لأيام. لم تكن الإصابة الثانية ممتعة أيضاً، فقد أصيبت باحتقان في الصدر ونوبات سعال وشعرت بالتعب لأيام، لكنها لاحظت أن الحالة أصبحت أقل حدّة.

كــل إصــابــة جــديــدة لــيــســت "حــمــيــدة"

إذا أصبتَ بفيروس "كوفيد-19" مرة واحدة على الأقل، هل يجب أن تتوقف عن توخي الحذر وتلتقط العدوى مراراً؟ لا يمكن فعل ذلك!

لا يتعامل الفيروس مع جميع الناس بالشكل نفسه. يوضح أدالجا من مركز "جونز هوبكنز": "بدأنا نكتشف أن التقاط العدوى للمرة الثانية أو الثالثة لن يكون حميداً بالضرورة، لا سيما إذا كان المصاب من الفئات الأكثر عرضة للمخاطر الصحية".

وفق دراسة ركّزت على المحاربين الأميركيين القدامى (معظمهم من كبار السن)، تبيّن أن العدوى المتكررة لدى هذه الفئة من الناس تحمل مخاطر صحية إضافية أو تستلزم دخول المستشفى.

أحدثت هذه الدراسة ضجة كبرى في الأسابيع الأخيرة، مع أنها لم تخضع لتقييم علمي موضوعي بعد. لكن يحذر عدد كبير من الخبراء، منهم أدالجا، من المبالغة في تحليل نتائجها الأولية لأنها قد لا تنطبق على عامة الناس.

يُفترض أن تتراجع حدة الإصابات المتكررة لدى معظم الراشدين الأصحاء، لكن يجب أن يتذكر الجميع أن عوامل الخطر المُسببة لأسوأ الأمراض تختلف من شخص إلى آخر.

يقول أدالجا: "قد يكتسب الفرد وزناً زائداً، أو يصبح بديناً، أو يصاب بمرض السكري، في المراحل التي تلي الإصابة الأولى، أو ربما يصاب بمرض آخر يجعله أكثر عرضة للمخاطر، أو يصبح ضعيف المناعة لأسباب مختلفة. هذه العوامل كلها تؤثر على وضع المريض".

برأي الدكتور سمير السيد، أستاذ في جامعة "وسترن" في لندن، أونتاريو، ومستشار حول الأمراض المعدية والطب الباطني وعلم الأحياء الدقيقة في "مركز لندن للعلوم الصحية" و"مركز سانت جوزيف للرعاية الصحية" في لندن، يتوقع خبراء الطب تدهور النتائج الصحية المرتبطة بتكرار العدوى الحادة لدى فئة كبار السن أو أصحاب المناعة الضعيفة. قد تشمل التداعيات المحتملة تضرر الرئة مباشرةً بسبب الفيروس، أو ظهور مشاكل أخرى مثل تفاقم أعراض "كوفيد طويل الأمد" بسبب إصابة سابقة أو عدوى ثانوية حادة تشتق من جراثيم أو فطريات مختلفة، لا سيما لدى الفئات التي تحتاج إلى دخول وحدة العناية المركزة.

يضيف السيد: "هذا المثال الأخير يشبه وضع مرضى الربو، فقد يحتاج هؤلاء إلى دخول المستشفى بشكلٍ متكرر بسبب حالة بسيطة ظاهرياً مثل الزكام العادي. تؤدي العدوى المتكررة في هذه الحالة إلى تضرر الرئتين، حتى أنها قد تكون مسؤولة عن الوفاة المبكرة. يتوقف الوضع على حدّة العدوى. لكن لا تنطبق هذه الظروف على الأشخاص الأصحاء الذين يصابون بنوبات من الزكام العادي على مر السنين".

فيما نواجه إذاً احتمال التقاط فيروس "كوفيد-19" مراراً وتكراراً على مر حياتنا، قد تتغيّر مخاطر الإصابة بأمراض حادة لدى كل فرد مع مرور الوقت، ويبدو أن أعباء التقاط هذا الفيروس الذي لا يكفّ عن التبدّل لن تكون متشابهة لدى جميع الناس يوماً.


MISS 3