كف التعقبات بحق "نداء الوطن": لم تمسّ بشخص الرئيس

20 : 47

قضت محكمة المطبوعات اليوم الخميس بكف التعقبات في الدعوى المقامة من النيابة العامة ضد "نداء الوطن" بشخص رئيس التحرير بشارة شربل والمدير المسؤول جورج برباري بتهمة المس بكرامة رئيس الجمهورية.

واعتبرت المحكمة ان المقال الصادر في الجريدة تحت عنوان "سفراء جدد في بعبدا... اهلا بكم في جمهورية خامنئي" والذي هو موضوع الدعوى، "لا يحتوي هجوما غير مبرر على شخص رئيس البلاد ومكانته ورمزيته ولا يخرج عن نطاق حرية التعبير المصانة في دستور البلاد وقوانينه وتقاليده، ويعكس بذلك واقع تعددية فكرية لا غنى عنها في مجتمع ديموقراطي".


وجاء في نص القرار:

قــــــرار

باسم الشعب اللبناني

إنّ الغرفة الإستئنافية العاشرة في بيروت الناظرة بالدرجة الأولى في قضايا المطبوعات، بهيئتها المنتدبة المؤلفة من القضاة هبه عبدالله رئيساً وناديا جدايل ومنال فارس مستشارتين،

لدى التدقيق والمذاكرة،

تبيّن أنه بتاريخ 12/9/2019 قرر النائب العام لدى محكمة التمييز بالإنابة مباشرة تحقيق بموضوع إفتتاحية جريدة نداء الوطن في عددها رقم 59 تاريخ 12/9/2019 تحت عنوان "سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهورية خامنئي" انتهى بعد إحالة الملف إلى النيابة العامة الإستئنافية بحسب الصلاحية إلى الإدعاء أمام هذه المحكمة بتاريخ 19/9/2019 بحق المدعى عليهم:

1- شركة جريدة نداء الوطن ش.م.ل بشخص المفوض بالتوقيع،

2- بشارة حليم شربل، والدته منيرة، تولد عام 1956، لبناني،

3- جورج منصور برباري، والدته أجيا، تولد سنة 1950، لبناني،

سنداً للمادة 26 من المرسوم الإشتراعي 104/77 معطوفة على المادة 23 من المرسوم الإشتراعي عينه معطوفة على المادة 210 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الشركة،

وبالتحقيق مع المدعى عليه بشارة شربل أفاد أنه يشغل منصب رئيس تحرير الجريدة ويتحمل مسؤولية كل كلمة مكتوبة في المقال الذي نشر في اليوم التالي من إحياء ذكرى عاشوراء حين خطب أمين عام حزب الله وأعلن ولاءه لولاية الفقيه، أي إتباع حزبه لسياسة الجمهورية الإسلامية في إيران وتوجيهات ولاية الفقيه سيّما وأنه مُمَثل في الحكومة اللبنانية من خلال وزيريه، وأضاف أن الكلام الذي تضمنه المقال المشكو منه يعبّر عن رأي عام لقسم من اللبنانيين ولا يتضمن إساءة إلى أي إنسان، واشار إلى أن ما قصده عبر قوله "دولة داخل دويلة" هو وصف سياسي لدويلة حزب الله التي أصبحت أقوى من الدولة اللبنانية كونها تملك قراريّ الحرب والسلم وتملك جيشاً وخارجية بالمعنى المجازي للكلمة، مؤكداً أن قوله هذا لا يحمل تجريحاً بأي شخص، وفي تفسيره لمقصده من قوله "لا طاعة ولا إمرة لفخامة الرئيس إنما لسماحة أية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيدنا..." أفاد أن كتابة هذا الكلام جاءت لنقل بعض الأفكار التي وردت عن السيّد حسن نصرالله إلى الرأي العام ولم يقصد به التجريح برئيس البلاد ومقام رئيس الجمهورية بل أثر استعمال عبارة "فخامة الرئيس" للتعريف عنه كونه يحوز على صلاحيات شاملة وهو يمثل الدولة بالمعنى الواسع، وان المقالات التي نشرت في الأعداد اللاحقة للجريدة حملت تفسيراً لهذه الأقوال، وفي دلالته على إحترامه لرئيس الجمهورية أشار إلى المقابلة التي أجراها معه والتي نشرت في العدد الأول السنوي من جريدة نداء الوطن الصادر في 1/7/2019،

وبالتحقيق مع المدعى عليه جورج برباري الذي يشغل مركز المدير المسؤول عن المطبوعة أفاد أنه مضطلع بصفته هذه على مسؤوليته عمّا ينشر في الصحيفة من أقوال وآراء أمام السلطات المختصة وهو على علم بالمقال المشكو منه وبمضمونه لدى صدور العدد ومسؤول عنه ويعتبره يمثل الجو العام السائد في لبنان دون أن يكون مضطلعاً على ملابساته بالتفصيل،

وتبين أنه في جلسة ختام المحاكمة المنعقدة بتاريخ 10/10/2019 ترافع ممثل النيابة العامة الإستئنافية مدلياً بأنه يقتضي على الصحافي إتقان فن الكتابة وعدم إرتكاب أي جرم جزائي يخلّ بكرامة ومشاعر الآخرين، وأنه في الدعوى الراهنة كتب الصحافي والمدير المسؤول عن الصحيفة تحت عنوان "سفراء جدد في بعبدا... أهلا بكم في جمهورية خامنئي" مقالاً مدلّه وجود إنحياز للصحافي الذي عليه عدم التجني على مقام رئاسة الجمهورية وعدم الكيل بمكيالين واتخاذ الموضوعية كمعيار لإجراء أي نقد صحافي، وشدّد على أن المقال المذكور من شأنه النيل من مقام رئاسة الجمهورية وكرر مآل الإدعاء بالجرائم الجزائية المدعى بها، كما حضر كل من المدعى عليهما جورج برباري وبشارة شربل بالذات وتمثلت الجهة المدعى عليها أصولاً بالمحاميين بطرس حرب وألكسندر نجار وترافع وكيل المدعى عليهما جورج برباري وبشارة شربل مدلياً بأن أساس النظام في لبنان قائم على مبدأ حرية التعبير عن الرأي وأن المسألة المطروحة في القضية الراهنة تتمحور حول معرفة ما إذا كان النظام الديمقراطي ونظام الحريات ما زال قائماً في لبنان، سيّما وأن حرية الصحافة هي الأساس القائم عليه النظام اللبناني وهو حق مصان في المادتين الثامنة والثالثة عشرة من دستوره التي ضمنت حرية التعبير والكتابة والنشر وشدد على دور الصحافة وحق الصحافي في كتابة ما يريد دون المس بالكرامات حيث يكون من واجبه إطلاع الرأي العام على ما يجري من أمور وتوجيه النقد وإن كان لاذعاً وقاسياً إلى الشخصية السياسية باعتبار أن من واجبه نقل الواقع بموضوعية ودون تجريح، وأكدّ على أن المقال المشكو منه لم يتطرق إلى رئيس الجمهورية إلا مرة واحدة أشار خلالها إلى لقبه والمقام الذي يمثله وان مضمونه يعبر عن رأي شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني، وهو موجه ضد حزب سياسي واعتبر أن الدولة اللبنانية عاجزة عن الوقوف بوجهه أو صدّ تدخلاته في المناطق والحروب المجاورة وهو في مطلق الأحوال يعكس رفض شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني إقحام لبنان في حروب وسياسات المنطقة، كذلك حال المؤسسات الشرعية عبر التصاريح التي أدلى بها كل من رئيس مجلس وزراء لبنان ورؤساء أحزاب سياسية أخرى، وشدد على كون سياسة الدولة تدار من قبل مجلس الوزراء الذي يعود لرئيس الجمهورية ترؤسه، ولا يمكن جرّ البلد في سياسات لا توافق عليها فئة كبيرة من اللبنانيين، وأضاف مدلياً أن الدعوى العامة قد حركت من قبل وزير لا يملك صلاحية تحريكها، جازماً أن المقال المشكو منه لا يتضمن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً برئاسة الجمهورية وأن عناصر المادة 23 من قانون المطبوعات غير متوافرة، وطلب في الختام إبطال التعقبات عن المدعى عليهما كما تبنى المحامي ألكسندر نجار المرافعة السابق عرض خلاصتها وتعهدا بإبراز مذكرة مشتركة واعلن إختتام المحاكمة أصولاً،

بنــــاء علـــــــيه

وبنتيجة المحاكمة الإبتدائية الوجاهية والعلنية،

أولاً: في الوقائع:

تبين أن صحيفة نداء الوطن نشرت في إفتتاحية عددها رقم 59 تاريخ 12/9/2019 مقالاً يحمل العنوان التالي: "سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهورية خامنئي" حيث ورد فيها ما حرفيته:

(من "دويلة داخل الدولة" إلى "دولة داخل الدويلة"... هكذا اصبحت الصورة باختصار في لبنان، بعدما أسقطه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بالضربة القاضية في قبضة الولي الفقيه، مطوّباً إياه ولياً آمراً ناهياً على جمهورية الأرز ومنصباً إياه قائداً أعلى على حرب اللبنانيين وسلمهم، حيث لا طاعة ولا إمرة لـ"فخامة الرئيس" إنما لـ"سماحة آية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيدنا السيد علي الحسيني الخامنئي". فأهلاً وسهلاً بكم سعادة السفراء السبعة الجدد الذين قدمتم أوراق إعتمادكم بالأمس في قصر بعبدا، لتكونوا سفراء بلادكم في "جمهورية الخامنئي" الحاكمة بقوة الأمر الواقع، سيّما وأن نصر الله قدم أوراق إعتماد البلد برمته إلى المرشد الإيراني، بينما "صمت القبور" يكاد يضج من صمت أركان الدولة، ولم يسمع في أرجائها، أقلّه، أي حس مسؤول رافض للدخول في كنف المرشد... اللهم إلا من تصريحين إثنين للتاريخ...)، وفي ما يلي صورة عن المقال المشكو منه والمضموم أصله إلى الملف،

ثانياً: في الأدلة:

تأيّدت هذه الوقائع بالأدلة التالية:

1- بالإدعاء وما ورد فيه وبالتحقيقات الأولية،

2- بأقوال المدعى عليهما جورج برباري وبشارة شربل في معرض التحقيقات الأولية،

3- بمضمون المقال موضوع الدعوى الراهنة،

4- بكافة الأوراق المبرزة في الملف،

5- بمجريات المحاكمة العلنية،

ثالثاً: في القانون:

حيث أنه تجدر الإشارة بادئ ذي بدء إلى أن المادة 31 من المرسوم الإشتراعي رقم 104/77 تنص على وجوب تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية لدى محكمة المطبوعات في جميع نصوصه التي لا تتعارض مع أحكام هذا المرسوم،

وحيث أنه للنائب العام التمييزي، عند الإقتضاء، الحق بإجراء التحقيق مباشرة أو بواسطة معاونيه من قضاة النيابة العامة الملحقين به أو أفراد الضابطة العدلية التابعين له دون أن يكون له حق الإدعاء، وفق نص الفقرة الثانية من المادة 14 أصول جزائية، وبالتالي فإن للنائب العام التمييزي السلطة والحق بإجراء التحقيقات اللازمة عفوا في جميع القضايا والجرائم التي يضطلع عليها والتي تناهت إلى علمه بأية وسيلة من الوسائل دون حصرها بتلك التي يطلب منه وزير العدل إجراء التعقبات بشأنها، فتكون دعوى الحق العام قد تحركت بوجه أصولي وتكون المحكمة قد وضعت يدها على الدعوى الراهنة بصورة صحيحة،

وحيث فيما يختص بأساس النزاع يتبيّن ان جانب النيابة العامة الإستئنافية في بيروت ادعت على المدعى عليهم بمقتضى المادة 26 معطوفة على المادة 23 من المرسوم الإشتراعي رقم 104/1977 معطوفة على المادة 210 عقوبات بالنسبة إلى الشركة المدعى عليها وذلك لإقدام المدعى عليه بشارة شربل في مقالته المنشورة في العدد الصادر بتاريخ 12/9/2019 من جريدة نداء الوطن على التعرض لرئيس الدولة والمس بكرامته والقدح والذم والتحقير به بقوله أنه لا طاعة ولا إمرة لرئيس الجمهورية بل للسيد علي الخامنئي وبإشارته ولو عن طريق التلميح إلى أن آية الله الخامنئي هو السيد وفخامة الرئيس التابع له ولمسؤولية المدعى عليه جورج برباري عمّا ينشر في المطبوعة بصفته مديرها المسؤول،

وحيث أن الجهة المدعى عليها وبنتيجة التحقيقات والمحاكمة العلنية عرضت في مرافعتها التي وثقتها بمذكرتها لوقائع وملابسات القضية الراهنة وأدلت بما خلاصته:

- إن الصحيفة المدعى عليها لم تستعمل أي عبارات تنمّ عن ذمّ أو قدح أو تحقير بشخص رئيس الجمهورية أو مقامه ولم تنسب إليه ما من شأنه المس بكرامته، كونها ذكرته لمرة وحيدة آثرت فيها استخدام لقب "فخامة الرئيس" دلالة على احترامها لمقام الرئاسة،

- ان هذا المقال يتضمن انتقاداً لموقف الأمين العام لحزب الله وترجمة لصمت أركان الدولة إزاءه، ولم يتضمن أي تعبير أو أية لفظة إزدراء أو سباب بحق شخص رئيس الجمهورية أو مقامه،

- أنها وحرصاً منها على موقع رئاسة الجمهورية أسفت لإعلان السيد حسن نصرالله طاعته للمرشد الإيراني بدل أن يعلن عن طاعته لرئيس الدولة، معبرة في ذلك عن موقف شريحة كبيرة من المجتمع اللبناني وعن واقع يتداوله العديد من الصحف اللبنانية والأجنبية،

- ان القصد الكامن وراء استخدام عبارة "من دويلة ضمن دولة إلى دولة داخل الدويلة" هو وصف سياسي لدويلة حزب الله التي أصبحت أقوى من الدولة اللبنانية وأن استخدام عبارة "جمهورية الخامنئي" مقتبس من تصريح سابق لرئيس حزب لبناني ممثل في الحكومة اللبنانية فلا يعود بالإمكان لوم الصحيفة على الإستشهاد بصورة بيانية أطلقها رجل سياسي ممثل في المؤسسات الشرعية للدولة،

وحيث أنه لدى التدقيق في المقاطع والعبارات الواردة في المقال المشكو منه ناهيك عن عنوانه الذي دوّن بالخط العريض لجذب إنتباه القارئ يتبيّن أنه تضمّن بشكل رئيسي إنتقاداً لصمت الدولة اللبنانية إزاء خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني الذي أعلن خضوعه للجمهورية الإيرانية ولمرشدها في جميع القرارات المفصلية حيث ورد ما مضمونه:

من "دويلة داخل الدولة" إلى "دولة داخل الدويلة"... هكذا أصبحت الصورة باختصار في لبنان، بعدما أسقطه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بالضربة القاضية في قبضة الولي الفقيه، مطوّباً إياه ولياً آمراً ناهياً على جمهورية الأرز ومنصّباً إياه قائداً أعلى على حرب اللبنانيين وسلمهم، حيث لا طاعة ولا إمرة لـ"فخامة الرئيس" إنما لـ"سماحة آية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيدنا السيد علي الحسيني الخامنئي". فأهلاً وسهلاً بكم سعادة السفراء السبعة الجدد الذين قدمتم أوراق إعتمادكم بالأمس في قصر بعبدا، لتكونوا سفراء بلادكم في "جمهورية الخامنئي" الحاكمة بقوة الأمر الواقع، سيّما وأن نصرالله قدم أوراق إعتماد البلد برمته إلى المرشد الإيراني، بينما "صمت القبور" يكاد يضج من صمت أركان الدولة، ولم يسمع في أرجائها، أقلّه، أي حس مسؤول رافض للدخول في كنف المرشد... اللهم إلا من تصريحين إثنين للتاريخ...

وحيث أنه يقتضي التحقق من مدى توافر الجرائم المدعى بها في ما أتى به المدعى عليهم من أقوال في المقال المشكو منه، وما يقتضيه الأمر من بحث مسألة معرفة حدود حق النقد الممنوح للصحافة في إطار ممارستها لحقها في إنارة الرأي العام للقضايا العامة، وما إذا كان يطبق المفهوم عينه في حال كان موجهاً لشخص عادي أو شخص من أشخاص القانون العام بصورة إجمالية ولشخص رئيس الجمهورية بصورة خصوصية،

وحيث ان لبنان إلتزاماً منه بمواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتجسيداً للحقوق والمبادئ التي تنص عليها في جميع المجالات وفق ما أشارت إليه مقدمة الدستور كرس في المادة الثالثة عشر منه حرية إبداء الرأي والتعبير قولاً وكتابة وحرية الطباعة ضمن دائرة القانون وذلك في إشارة إلى أهمية حرية الصحافة والإعلام كحق إنسانيّ ومبدأ أساسيّ حام للحريات والمجتمعات الديمقراطية وإلى المكانة البارزة التي تحتلها حرية التعبير في هكذا مجتمع حيث تعتبر أحدى الركائز الأساسية له ومن الظروف البديهية لتقدمه وتطوره، فمن مراجعة النصوص الميثاقية سيّما المواد

L'art 19 de la Déclaration Universelle des droits de l’homme des Nations Unies du 10 dec 1948

L’art 11 de la declaration des droits de l’homme du 26 aôut 1789

L’art 10 de la Convention européenne des Droits de l’homme du 4 nov 1950

يتبيّن أنها تمنح حرية الصحافة والتعبير قيمة عالمية لا بل قيمة دستورية لا يمكن للمشرع ان يقوّضها إلا بقدر ما يحتاج إليه النظام الإجتماعي من حماية وكرامة الإنسان واعتباره من إحترام

(Dans l’intérêt de la protection de la securité sociale et le respect de la consideration d’autrui et de la dignité humaine)

وحيث إنطلاقاً مما تقدم لا يكون مبدأ حرية الصحافة والتعبير المكرس دستورياً على إطلاقه بل يبقى مقيداً ضمن نطاق القوانين العامة وضمن أطر الإحترام وعدم المس بكرامة الأخرين وعدم ذمهم وتحقيرهم أو تناولهم بما يخدش اعتبارهم الإجتماعي والخاص، مما يوجب التوفيق بين حرية التعبير واحترام كرامة الإنسان وبين حرية الصحافة واحترام الحياة الخاصة، بين حق النقد المعطى للصحافيين وحق الإنسان في معرفة الحقيقة وبين حماية الحريات الفردية، وفي هذا السياق تعتبر الحريات هذه أساسية ولا غنى عنها من أجل الأداء الطبيعي لمجتمع ديمقراطي، وتتطلب حماية هذه الحريات والحقوق البحث الدائم عن توازن لا غنى عنه ودقيق في تحديده،

وحيث إن المشرع اللبناني وضع تعريفاً للقدح والذم والتحقير في قانونه الوضعيّ، كما جرّم الإساءة الموجهة من الصحافة إلى رئيس الجمهورية في المادة 23 من قانون المطبوعات التي تنص على ما يلي: "إذا تعرضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مساً بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذماً أو قدحاً أو تحقيراً بحقه أو بحق رئيس دولة أجنبية تحركت دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر، ويحق للنائب العام الإستئنافي أن يصادر أعداد المطبوعة وأن يحيلها إلى القضاء المختص الذي يعود له أن يقضي بنتيجة المحاكمة بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من 50 مليون إلى 100 مليون ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين ولا يجوز في أي حال أن تقل عقوبة الحبس عن شهر واحد والغرامة عن حدها الأدنى"، علماً أن هذه المادة هي موازية للمادة 26 من قانون حرية الإعلام الفرنسي الصادر بتاريخ 29/7/1881 والتي ألغيت بموجب القانون رقم 711/2013 تاريخ 5/8/2013 تماشياً مع المنحى الذي انتهجته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في مختلف قراراتها المتعلقة بمسألة تعرّض العامة والصحافة لرؤساء الجمهورية بشكل عام حيث كانت تنص على ما يلي:

L’offense au Président de la République par l’un des moyens énoncés dans l’article 23 est punie d’une amende de 45000 euros

كما تعرف المادة 385 عقوبات جريمة الذم بأنها نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الإستفهام ينال من شرفه أو كرامته، وهي تقوم نتيجة قيام المدعى عليه بأسناد وقائع محددة للمتضرر، من شأنها – فيما لو كانت صحيحة – ان تستوجب إحتقاره عند أهل وطنه، وأن يقوم بالإفصاح عنها بطريق النشر،

أما جرم القدح فيتحقق نتيجة إستعمال ألفاظ تتضمن شتماً وازدراء وسباباً من شأنها خدش شرف واعتبار شخص طبيعي أو معنوي، وهنا يقتضي الإشارة مباشرة إلى أن العنصر المادي الذي يكوّن جرم التشهير أو الذم يتألف من إسناد أمر أي عرض واقعة مشكوك فيها إلى حدّ ما دون تحمل مسؤولية شخصية عنها، وان إسناد واقعة معينة أو وجود حقيقة محددة هو ما يميّز التشهير عن الإهانة،

وحيث إذا كانت هذه القيود من شأنها أن تحدّ من حرية الصحافة في إبداء الرأي ونقل المعلومات فيما يخص الأشخاص العاديين فإن القانون الوضعي أحاط رئيس الجمهورية بإمتياز جعله بمنأى عن حق النقد بوجه عام، فقد حظر قانون العقوبات اللبناني الصادر في العام 1943 على أيّ كان سواء أكان صحافياً أو إعلامياً أو مواطناً عادياً أن يتعرض لرئيس الجمهورية بالتحقير والقدح والذم ولا يعتدّ بأي مستندات أو وثائق أو وقائع أو حجج يدلي بها لإعلان البراءة المنصوص عليها في المادة 387 عقوبات إذا كان موضوع الذم عملاً ذا علاقة بالوظيفة وثبت صحته،

غير أن هذا الإمتياز الخارق للقانون الوضعي الممنوح لرئيس الجمهورية(Un statut exorbitant du droit commun) بسبب وظيفته ليس من شأنه أن يحدّ الصحافة من توجيه نقد سياسي له باعتباره رجل الدولة الأول ورمز وحدة الوطن ويعود له رسم السياسة التوجيهية للبلاد بما يضمن وحدتها، فدور الصحافة هنا أساسي لبناء دولة القانون حيث توفر حرية الصحافة للرأي العام وللمواطنين طريقة من أنجع الطرق لمعرفة أفكار ومواقف قادتهم والحكم عليها، وتتيح للسياسيين على وجه الخصوص فرصة للتفكير والتعليق على مخاوف الرأي العام وتسمح للجميع بالمشاركة الحرة في الجدل السياسي الذي يقع في صميم فكرة المجتمع الديمقراطي،

وحيث انه بات من المكرس في الإجتهاد الدولي أنه في مجال الخطاب السياسي لا يترك مساحة تذكر لفرض قيود على حرية التعبير وأن حدود النقد المسموح به تضحي أوسع في المسائل التي تهمّ الشأن العام أو القضايا المتعلقة بمواقف رجال السياسة وأشخاص القانون العام،

Les limites de la critique admissible sont plus larges à l’égard d’un homme politique, visé en cette qualité, que d’un simple particulier: à la difference du second, le premier s’expose inévitablement et consciemment à un contrôle attentive de ses faits et gestes tant par les journalistes que par la masse des citoyens, il doit par conséquent montrer une plus grande tolérance (…). Il a certes droit à voir protéger sa réputation, même en dehors du cadre de sa vie privée mais les impératifs de cette protection doivent être misent en balance avec les intérêts de la libre discussion des questions politiques, les exceptions à la liberté d’expression appellant à une interprétation étroite (Bathold c. République Fédérale d’Allemagne, arrêt du 25 mars 1985, série A, n:90, voir aussi Oberschilck c. Autriche, arrêt de 23 mai 1991, série A n 204, p 26-27)

وحيث أنه بالعودة إلى الإفتتاحية الصحفية المشكو منها يتبين أنها تناولت في الأراء والأقوال التي عرضتها وجهة نظر إزاء تأثير الخط السياسي المتبع من قبل حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصرالله في الدولة اللبنانية ممثلة برئيسها، وهو أمر تناولته العديد من الصحف اللبنانية والأجنبية في مقالاتها وفق ما هو ثابت من أوراق الملف،

وحيث ان تحليلاً للكتابات والعبارات المنتقاة من كاتب المقال تظهر ما يلي:

1- إن قوله من "دويلة داخل الدولة" إلى "دولة داخل الدويلة... هكذا أصبحت الصورة باختصار في لبنان، بعدما أسقطه الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله بالضربة القاضية في قبضة الولي الفقيه، إنما يعكس رأي كاتب المقال في قوة حزب الله المتنامي إلى درجة اعتبره أنه أصبح يشكل دولة بعد أن كان دويلة وهو في ذلك يحمل نقداً سياسياً لواقعة يتناولها الرأي العام في الأوساط السياسية والشعبية، وهو حق متاح للمدعى عليه الذي عبّر عنه بما يتوافق مع آداب المهنة الصحفية،

2- إن عبارة لا طاعة ولا إمرة لـ"فخامة الرئيس" إنما لـ"سماحة آية الله العظمى إمامنا وقائدنا وسيّدنا السيّد علي الحسيني الخامنئي لا يمكن أخذها بالمعنى الحرفي للكلمة دون التطرق إلى السياق العام التي وردت فيه، إذ عطفها كاتب المقال – حين أسبقها بكلمة "حيث" – على خطاب الأمين العام لحزب الله الذي عرض خلاصته استنتاجاً بإسقاطه قرار الحرب والسلم في لبنان بيده وبناء لتوجيهات المرشد الإيراني، وإن الكاتب في عرضه هذا، على الرغم من الحدة التي اتسمت بها عباراته، لم يخرج عن حدود النقد المباح، وإن قاربه، كونه عمد إلى نقل صورة سائدة لدى شريحة من الرأي العام اللبناني وبعض من رجال السياسة في لبنان المشاركين في مؤسساته الدستورية والشرعية، إضافة إلى أنه مكّن القراء، من خلال عطفه في عباراته المشكو منها على الخطاب المذكور الذي عرض خلاصته، من تكوين رأيهم الخاص بالجدل السياسي المذكور والخلاف القائم في المجتمع، مقدماً بذلك توضيحاً موضوعياً لسبب انتقاده موقف رئيس الجمهورية الصامت إزاءه، صمت اعتبره أقسى من صمت القبور في استعماله لصورة بلاغية من شأنها إثارة انتباه القارئ لخطورة الأمر، وهي تعكس ملكات الكاتب اللغوية في إيصال وجهة نظره، ولا يمكن اعتبار ما صاغه الأخير من عبارات تشكل تحقيراً أو قدحاً أو ذماً برئيس الجمهورية أو بمقامه،

3- إن عنوان الإفتتاحية "سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهورية خامنئي" كررها الكاتب في سياق مقاله بقوله "فأهلاً وسهلاً بكم سعادة السفراء السبعة الجدد الذين قدمتم أوراق إعتمادكم بالأمس في قصر بعبدا، لتكونوا سفراء بلادكم في "جمهورية الخامنئي" الحاكمة بقوة الأمر الواقع، سيّما وأن نصر الله قدم أوراق إعتماد البلد برمته إلى المرشد الإيراني" تندرج في السياق عينه الآنف ذكره للدلالة على قوة حزب الله اللبناني وتأثيره على القرار السياسي في الدولة اللبنانية من خلال الخطاب الذي أعلنه أمينه العام الذي أخضع فيه قراري الحرب والسلم في لبنان لمشيئة الجمهورية الإيرانية، وهو في ذلك لا يعدو عن كونه وجهة نظر سياسية اتخذها الكاتب وتشكل نقداً لاذعاً لغياب موقف رئيس الجمهورية إزاءه، غير أنها لا تحتوي على ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو تجييش العواطف بشكل يعرض السلم الأهلي للخطر،

وحيث أن الكاتب في الأسلوب الذي انتهجه وخطّ به المقال وما اشتمل من محسنات بديعية من كناية واستعارة وغيرها من علوم البيان إنما تهدف إلى جذب القارئ وشدّه إلى متابعة أفكاره وقناعاته المناهضة لموقف رئيس الجمهورية في ممارسته لصلاحياته إزاء خطاب الأمين العام لحزب الله، وهو إذ ذاك يعرب بوضوح عن جزء من نقاش سياسي حرّ يتعلق بقضايا ذات شأن عام، وإن كتاباته هذه التي لا تخلو من قساوة صارخة – وإن كانت مثيرة للجدل – وبقطع النظر عن مدى صوابية الآراء المعروضة فيها والتي تبقى خاضعة لنقد وتشريح من لا يؤيدها في نطاق الحرية الصحفية المسؤولة، غير أنها لا تحتوي على هجوم غير مبرر على شخص رئيس البلاد ومكانته ورمزيته ولا تخرج عن نطاق حرية التعبير المصانة في دستور البلاد وقوانينه وتقاليده، وتعكس بذلك واقع تعددية فكرية لا غنى عنه في مجتمع ديمقراطي،

وحيث أنه تأسيساً على ما تقدم، يقتضي إبطال التعقبات المساقة بحق المدعى عليهم بالجرائم المدعى بها لانتفاء عناصرها،

وحيث أنه بالنظر إلى هذه النتيجة، لم يعد من حاجة لبحث سائر الأسباب والمطالب الزائدة أو المخالفة إما لعدم الجدوى وإما لعدم القانونية وإما لكونها لقيت رداً ضمنياً،

بـــــــــنـاء عـــــلـيه

تقرر بالإتفاق:

وبعد سماع مطالعة النيابة العامة الإستئنافية،

أولاً: إبطال التعقبات المساقة بحق المدعى عليهم شركة جريدة نداء الوطن ش.م.ل بشخص المفوض بالتوقيع وبشارة حليم شربل وجورج منصور برباري المبينة كامل هويتهما أعلاه بالجرائم المدعى بها بحقهم،

ثانياً: ردّ ما زاد أو خالف من أسباب ومطالب،

ثالثاً: حفظ النفقات القانونية كافة،

قراراً وجاهياً بحق المدعي والمدعى عليهم صدر وأفهم علناً في بيروت بتاريخ 21/11/2019 بحضور ممثل النيابة العامة الإستئنافية،

الكاتب المستشارة/فارس المستشارة/جدايل الرئيسة/عبدالله