دارين دندشلي

الاستقلال في زمن الثورة

لاستقلالنا معنى جديد

22 تشرين الثاني 2019

02 : 00

أن نعيش عيد الاستقلال في العام 2019، مختلف تماماً عن كل أعياد الاستقلال التي اختبرناها في صغرنا يوم كانت القذائف تلوث سماء لبنان ومتاريس أمراء الطوائف ترسم لنا حدود الوطن.

كانت أعياد الاستقلال في المدرسة مجرد فولكلور تتكون من علم يرفرف ونشيد يصدح وتاج من الورق يحمل ألوان العلم، نعود به الى المنزل ليستشهد بعد أيام في زحمة الألعاب والدمى.

في سني المراهقة أصبح عيد الاستقلال مناسبة لرفض الاحتلال ولتذكر الأراضي المسلوخة عن باقي الوطن وللاحتفال بالمقاومة كحق مشروع حتى تحرير آخر شبر من جنوبنا المحتل. رفضنا يومها الاحتفال بعيد الاستقلال، واستبدلنا المناسبة بصرخة غضب صدحت في أرجاء مدرستنا ضد العدو الإسرائيلي.

بعد التحرير، أصبح للاستقلال طعم آخر، لعله أكثر حسرة يوم أدركنا أن مأساتنا هذه المرة من نوع آخر. أصبح للاستقلال طعم المر، يوم رأينا أهلنا في كافة أرجاء الوطن يرزحون تحت وطأة الفقر والجوع والعوز. يومها أدركنا أن استقلالنا يبقى شكلياً طالما أن أهلنا يموتون على أبواب المستشفيات وأطفالنا يتسربون من المدارس الرسمية وشبابنا يقفون على أبواب السفارات طمعا بتأشيرة عمل. أدركنا يومها أن الاستقلال لا يتعدى كونه مناسبة يراد لها أن تكون وطنية وهي مجرد مسرحية أخرى من مسرحيات الطبقة السياسية يحتفلون فيها ليوم واحد فقط بموقف غابر في التاريخ، هو يوم رفضنا الانتداب الفرنسي فخرج بدون الكثير من العناء.

بعد التحرير في العام 2000، كان خروج الجيش السوري من لبنان فرصة استقلال حقيقي ضاعت هي الأخرى في غياهب زواريب أهل السلطة، إذ سرعان ما أنسانا السياسيون في لبنان طعم هذا الاستقلال وأغرقونا في زمن من الانقسام العامودي بين أبناء الشعب الواحد.

اليوم، نعيش مسارا آخر نحو استقلال من نوع آخر، أو أقله هكذا نعيشه نحن معشر الثوار، يضعنا أمام مفهوم جديد لمعنى الاستقلال. كنت أتساءل يوميا، ما هو الاستقلال؟ ما معنى أن يكون وطني مستقلاً؟ وها قد أصبح للاستقلال معنى، منذ 17 تشرين الأول 2019. لا معنى لاستقلال وطن بدون استقلال شعب، ولا معنى لاستقلال شعب بدون استقلال دولة. الاحتفال بعيد الاستقلال هذه السنة هو احتفال بالأمل الذي عاد ينبض في شرايين هذا الوطن من جديد، هو التحرر من التبعية والاستزلام وهو القدرة على الوقوف في وجه الظالمين صارخين بأعلى الصوت، أنه سيكون لنا وطن نحتفل نحن باستقلاله واستقلالنا عنكم، وطن لنا فيه جميعنا مكان، وطن على قدر تطلعاتنا نتركه لأطفالنا ونرحل آمنين.

* ناشطة سياسية


MISS 3