المحامي الدكتور محمد مغربي

حدود لبنان البحرية شأن سيادي يخرج عن صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة

3 آب 2022

17 : 08

تتداول وسائل الاعلام اخباراً غير اكيدة عن اتفاق وشيك الحصول بين لبنان و"اسرائيل" في شأن ترسيم الحدود البحرية بينهما. ولما كانت حدود البلاد البرية والبحرية شأناً سيادياً يخضع للدستور والقانون الدولي ولا سلطة لرئيسي الجمهورية والحكومة للبت به منفردين، كان لا بدّ من ابداء الملاحظات القانونية التالية:


1 - جاء في مطلع مقدمة الدستور التأكيد على حق لبنان في اقليمه ضمن حدوده المنصوص عنها في الدستور والمعترف بها دولياً. ونصت المادة الاولى من الدستور على ان لبنان دولة مستقلة لا تتجزأ وسيادة تامة.


2 - لكن البيان في الدستور عن حدود لبنان اقتصر على المجال البري واغفل تماماً وصف الحدود البحرية. وما يملأ هذا الفراغ هو القانون الدولي واحكامه هي الواجبة التطبيق بواسطة مجلس النواب كما هو مبين ادناه.


3 - فإن من القواعد الراسخة في القانون الدولي ان سيادة الدولة تمتد من البرّ الوطني الى بحره الملاصق وتشمل ما يسمى المياه الاقليمية.


4 - وأكــد قــرار الجمعية العامــة للامم المتحـدة رقم 1803 تــاريخ 14 كانون الاول 1962 وجود السيادة الدائمة لكل دولة على مواردها الطبيعية مما يشمل اقليمها البري والبحري.


5 - وقننت اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار التي تم وضعها في العام 1982 وابرمها لبنان في العام 1994 (مع 150 دولة اخرى دون الولايات المتحدة و"اسرائيل") احكام القانون الدولي السائدة قبلاً واضافت اليها على النحو التالي.


6 - فقد نصت المادة 2 منها على ان سيادة الدولة تمتد خارج اقليمها البري ومياهها الداخلية وتشمل حيّزاً بحرياً ملاصق لساحلها يسمى البحر الاقليمي بمسافة 12 ميلاً بحرياً مما يعادل 22 كلم.


7 - اما المادة 56 منها فإنها تعترف للدولة بحقوق سيادية على المنطقة الاقتصادية الخالصة والحصرية لها التي تمتد مقدار 200 ميل بحري عن خط شاطئها المستقيم مما يعادل 366،66 كلم.


8 - لم يتم ابرام الاتفاقية المذكورة من جانب الولايات المتحدة الاميركية ولا تتضمن قائمة اسماء الموقعين عليها اسم "اسرائيل".


9 - ولا تستند "المفاوضات" التي يقودها زعماً مندوب اميركي (مزدوج الجنسية) برعاية اميركية رسمية الى احكام اتفاقية الامم المتحدة المنوه عنها.


10 - وان المزاعم المتداولة عن تحديد حدود بحرية للبنان نتيجة "للمفاوضات" المذكورة هي دون اي اساس في الحقيقة والقانون بل تمسّ بالسيادة الوطنية.


11 - فإن العلاقة الوحيدة القائمة مباشرة بين لبنان والدولة "الاسرائيلية" تقوم على اتفاقية الهدنة الموقعة في 23 آذار 1949 بين "الحكومة الاسرائيلية" ممثلة بالمقدم مردخاي ماكليف والحكومة اللبنانية ممثلة بالمقدم توفيق سالم والرائد جورج حرب التي لم يتم ابرامها ابداً لانها نصت على عدم الخضوع لشرط الابرام!


12 - وإن الخط الوحيد الذي نصت عليه يسمى: خط الهدنة.


13 - وان الهدف المعلن لهذه الاتفاقية كما نصت عليه مقدمتها بكل وضوح هو تسهيل الانتقال الى سلام دائم في فلسطين.


14 - وجاء في البند الرابع من مادتها الاولى ان اقامة الهدنة هي خطوة لا بدّ منها في سبيل اعادة السلم الى فلسطين.


15 - وجاء في المادة الثامنة منها انها تبقى نافذة حتى الوصول الى تسوية سلمية بين الفريقين.


16 - ونصت المادة الثانية منها على انه:

"لا يمكن بأي شكل من الاشكال لاي من بنود هذا الاتفاق ان يمس حقوق اي من الفريقين او مطالبة او موافقة في التسوية السلمية النهائية لقضية فلسطين. اذ ان احكام هذا الاتفاق مبنية على الاعتبارات العسكرية وحدها".


17 - لكنه ليس هناك بعد من سلام دائم في فلسطين. ولا يمكن اعادة السلام اليها دون تلبية الحقوق المشروعة وغير القابلة للتفريط للشعب الفلسطيني العربي. وهذا هو الموقف الرسمي اللبناني.


18 - وبالعودة الى الدستور اللبناني فإن الصلاحيات الممنوحة في المادة 51 منه الى رئيس الجمهورية للمفاوضة في عقد المعاهدات الدولة وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة لا تشمل ولا يمكن ان تشمل ابداً الامور السيادية التي نص عليها مطلع مقدمة الدستور والمادة الاولى منه والاحكام الصريحة للقانون الدولي.


19 - فإن السيادة اللبنانية غير قابلة للتحديد او للتجزئة او للتفريط بقرار مشترك من رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة.


20 - ولا يمكن اجراء اي اتفاق مع دولة "اسرائيل" خارج اطار اتفاقية الهدنة الا بعد تحقق شرط اعادة السلم الدائم الى فلسطين وتحقق الموقف الرسمي اللبناني من القضية الفلسطنية.


21 - ولا يمكن التحايل على الدستور والقانون الدولي عن طريق "المفـــاوض" الاميركي - الاسرائيلي الذي يحظى برعاية دولة الولايات المتحدة الاميركية التي اعلن رئيسها حديثاً جداً وبكل فخر كم هو صهيوني عريق. وفي هذا "المفاوضات" فإن "اسرائيل" تفاوض "اسرائيل".


22 - وانه من الاشرف للبنان ان يفاوض اسرائيل مباشرة، ودون وساطة احد في اطار الهيئة الدولية التي تشرف على تطبيق اتفاقية الهدنة، على مدّ خط الهدنة بحراً الى غاية انتهاء امتداد المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان وذلك بصورة مؤقتة. ولا يكون الانتقال من هذا الوضع المؤقت الى وضع دائم إلا بشرط اعادة السلم الدائم الى فلسطين وفقاً لموقف الحكومة اللبنانية المعلن كما نصت عليه اتفاقية الهدنة.


23 - أي ان تمديد خط الهدنة بحراً يجب ان يكون مؤقتاً مع الخضوع لاحكام اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار بأكملها بما في ذلك الاحكام المتعلقة بحل النزاعات. فيمارس لبنان سيادته بصورة كاملة وبكل حرية شمالي خط الهدنة.


24 - ولا يمكن لكل ذلك ان يتم إلا بموجب ملحق خاص وموجز لاتفاقية الهدنة يُعرض على مجلس النواب للتصديق عليه بالاغلبية اللازمة لتعديل الدستور التي نصت عليها المادة 77 منه. 

MISS 3