أبدى خشيته من أن يؤدي عدم تشكيل حكومة إلى تناسل سلطات أمر واقع

الراعي: هذا الصرح لا يتدجّن مع الباطل ولا يساوم على الحقيقة

02 : 00

"فليقرأوا التاريخ الحديث والقديم علّهم يعتبرون ويرتدعون"

انتقد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بشدة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل والرئيس المكلف نجيب ميقاتي من دون أن يسمّيهما، على خلفية تراشقهما الأخير بالاتهامات المتبادلة، مبدياً غضبه الشديد لما آل إليه الوضع، ولم يوفر السلطة من انتقاداته، معيباً عليها أن تبذل «جهوداً للإتفاق مع إسرائيل على الحدود البحرية وتنكفئ في المقابل عن تشكيل حكومة».

وقال الراعي في عظته خلال قداس الأحد في الديمان تحت عنوان: «كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب» ( متى 12: 25) إن «حالة الإنقسامات والتفرقة والكيدية والإساءات والبغض، التي أوصلنا إليها بعض السياسيين والمسؤولين لا يمكن أن تطاق، لأنها تحقق قول الرب في إنجيل اليوم: كل مملكة تنقسم على نفسها تخرب، وكل مدينة أو بيت ينقسم على نفسه لا يثبت (متى 12: 25)».

وذكّر بأن «الرسالة المسيحية هي المسعى إلى الجمع، إلى الوحدة، إلى الشركة»، معتبراً أن «كل مسعى إلى الخلافات والانقسامات والعداوات خروج عن المسيحية، وعداوة للمسيح».

وسأل: «أليس انقسام السلطة السياسية في لبنان، وانشطار الأحزاب عمودياً وأفقياً، هما في أساس الإنحلال السياسي والإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي؟».

وقال الراعي إن «جرحاً بليغاً يصيبنا في الصميم، وكل الشعب اللبناني، فيما نشهد بألم وغضب اندلاع حملات إعلامية قبيحة بين مرجعيات وقوى سياسية مختلفة في مرحلة تحتاج فيها البلاد إلى الهدوء والتعاون. فإن من شأن هذه الحملات أن تخلق أجواء متوترة تؤثر سلباً على نفسية المواطنين الصامدين رغم الصعوبات، وعلى الاستقرار والاقتصاد والمال والإصلاحات، وعلى الاستحقاقين الدستوريين: تشكيل حكومة جديدة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المهلة الدستورية».

ورأى الراعي أنه «لو كانت النيات سليمة وصادقة لكان بالإمكان معالجة أي خلاف سياسي بالحوار الأخلاقي وبالحكمة وبروح بناءة بعيداً من التجريح والإساءات الشخصية. لكن ما نلمسه هو أن الهدف من هذه الحملات هو طي مشروع تشكيل حكومة والإلتفاف على إجراء الانتخابات الرئاسية بفذلكات دستورية وقانونية لا تحمد عقباها. لكنّ اللبنانيين ذوي الإرادة الحسنة، والمجتمعين العربي والدولي مصممون على مواجهة هذه المحاولات الهدّامة وتأمين حصول انتخاب رئيس جديد بمستوى التحديات ومشروع الإنقاذ. ومع إدراكنا كل الصعوبات المحيطة بعملية تشكيل حكومة جديدة، فهذه الصعوبات يجب أن تكون حافزاً يدفع بالرئيس المكلف إلى تجديد مساعيه لتأليف حكومة ووضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية شرط أن تكون التشكيلة الجديدة وطنية وجامعة ومتوازنة. لا يجوز التذرع بالصعوبات لكي توضع ورقة التكليف في خزانة المحفوظات، وتطفئ محركات التشكيل وتترك البلاد أمام المجهول».

وتابع: «عرفنا ماضياً في لبنان أزمات حكومية نتجت عن طول مرحلة التشكيل، لكننا لم نعرف أزمة حكومية نتجت عن وجود إرادة بعدم تشكيل حكومة قبل انتهاء ولاية عهد رئاسي. هذا أمر خطير ومرفوض عشية الاستحقاق الرئاسي. إن وجود حكومة كاملة الصلاحيات لا يفرضه منطوق التوازن بين المؤسسات الدستورية فقط، بل منطق التوازن أيضاً بين أدوار المكونات الميثاقية في لبنان. من المعيب أن تبذل السلطة جهوداً للاتفاق مع إسرائيل على الحدود البحرية وتنكفئ في المقابل عن تشكيل حكومة؟ فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيين؟ إن كرامة الشعب ترفض كل ذلك. فليعلم المسؤولون أن الشعب يرفض تسليم مصيره إلى حكومة تصريف أعمال، كما يرفض عرقلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية. ولن يسكت عما يقومون به. ولن يقبل على الإطلاق بسقوط الدولة التي دافع عنها بالصمود وتقدمة ألوف وألوف من الشهداء والشهيدات. إن سلوك المسؤولين يهدد كيان لبنان بكل مقوماته الوجودية. ونخشى أن يؤدي عدم تشكيل حكومة واحدة للبنان الواحد إلى تناسل سلطات أمر واقع هنا وهناك، وهذا ما تصدينا له منذ سنوات. إن فقدان المسؤولية الوطنية لدى العديد من أهل السلطة والجماعة السياسية يعطي الحجج الأساسية والإضافية لعجز حصول إنقاذ من دون مساعدة أممية، ويعزز مطالبتنا بمؤتمر دولي ينقذ لبنان ويعيده إلى الحالة الطبيعية. الشعب ونحن لا نثق بحكم حكومة تصريف أعمال، ولا نرضى بتطبيق بدعة الضرورات تجيز المحظورات على استمرار حكومة تصريف الأعمال فقط، فيسعى آخرون إلى تطبيقها بشكل عشوائي. لا أحد يستطيع ضمان حدود هذه الفذلكة. فألّفوا، أيها المسؤولون، حكومة وانتخبوا رئيساً للجمهورية ضمن المهل الدستورية، وأريحوا الشعب ولبنان».

قضية الحاج

واعتبر الراعي أن «عدم تجاوب المسؤولين مع نداءاته المتكررة بشأن المطران موسى الحاج منذ عشرين يوماً «يكشف الخلفيات المعيبة وراء الإعتداء المخالف للمذكرة الصادرة عن مديرية الأمن العام بتاريخ 29/4/2006 تحت رقم 28/أ ع/ ص/ م د»، مبدياً أسفه الشديد على «أن هذه الجهات التي يفترض فيها أن تكون الحريصة الأولى على كرامة الأسقف، وعلى ما ومن يمثل، تصرفت ولا تزال من زاوية التشفي والمصالح الأنانية وكأن لديها ثأراً على البطريركية المارونية لأن هذا الصرح يقول كلمة الحق، ويدحض الخطأ، ولا يتدجن مع الباطل، ولا يساوم على الحقيقة والمقدسات والبديهيات مهما طال الوقت. والوقت كان دائماً حليف الحق وأصحاب الحق وحليف الكنيسة الجامعة منذ ألفي سنة ونيف، والكنيسة البطريركية المارونية منذ ألف وستمئة سنة. فليقرأوا التاريخ الحديث والقديم علّهم يعتبرون ويرتدعون». وعوّل «على ذوي النيات والإرادات الحسنة، لكي يقوموا بمبادرات جمع وتفاهم، من شأنها أن تضع حداً لهذه الإنقسامات التي هي أساس خراب لبنان»، ودعا الجميع «الى التوبة بروح التواضع والإقرار بالخطأ الشخصي».

وتوقف الراعي عند أحداث غزة قائلاً «تعتصر قلوبنا على الضحايا الذين يسقطون في قطاع غزة، ومن بينهم أطفال أمهات. وإذ نشجب أعمال العنف التدميري، ندعو إلى وقف هذا المسلسل المتجدد من دون أن يؤدي إلى تراجع الشعب الفلسطيني عن المطالبة بأبسط حقوقه، بل يؤدي إلى عرقلة المفاوضات بين الطرفين».


MISS 3