رفيق خوري

"مخاطرة محسوبة" من أجل من وماذا؟

10 آب 2022

02 : 00

لكل سؤال في لبنان جوابان وأكثر. وكل شيء يبدأ من اختلاف القراءات في موقف واحد وتقدير ما وراءه. ولا شيء يحسم أمر الاختلاف سوى الوقائع الملموسة التي تتأكد بمرور الوقت، بصرف النظر عن الخطاب السياسي. الوقت الذي يثير أكبر قدر من الجدل، الى جانب المهاترات بين المسؤولين عن اللاحكومة والتوقعات حول الاستحقاق الرئاسيّ، هو مسارعة "حزب الله" لوضع الصواريخ على طاولة المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية. وهي نقلة من الوقوف المعلن وراء الدولة والبعد من مفاوضة عدو الى دفع الدولة وراءه.


ذلك أن السيد حسن نصرالله يتحدث عن "مخاطرة محسوبة" في وضع إسرائيل أمام خيار محدود: "حقوق لبنان أو الحرب". والسؤال ليس فقط إن كان هذا يسهّل نجاح المفاوضات كما يقول "الحزب" أو يعقدها كما يقول خصومه، بل أيضاً من الذي "يحتاج الى مخاطرة محسوبة، وهل هو لبنان أم إيران. ما هي الحسابات التي بنيت عليها المخاطرة، وماذا إن بدت عملياً غير محسوبة؟ لماذا يكرر "حزب الله" التهديد، بما يجعل حكومة إسرائيل محشورة عشية الإنتخابات فتماطل في الرد على موقف بيروت الرسمي وتهرب من تقديم التنازلات المطلوبة والتي أوحى الوسيط آموس هوكشتاين أنها مستعدة لها؟


الأجوبة متناقضة بالطبع. "حزب الله" يوحي أنه واثق من أن ورقة التهديد بالحرب ستؤدي الى نيل لبنان حقوقه في ثروته الغازية ومسارعة الشركاء الى التنقيب. والحجة أن العدو خائف من الحرب. وخصومه يستغربون أنه يمارس لعبة تؤدي الى عكس ما يقول إنه يريده، ويرون أن اللاحل هو ما يريده بالفعل. وما كان من المفاجآت أن يقول وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس "إن إتفاق ترسيم الحدود ليس في مصلحة حزب الله، ولكنه مرغم على قبوله، ولذلك يحاول جر إسرائيل الى معركة للتخريب عليه". ولا بد من سؤال إستراتيجي في موضوع المقاومة نفسها: ألا يضع الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية وبدء التنقيب ثم إستخراج الغاز قيوداً على عمل المقاومة الإسلامية، إن لم يكن نهاية عملية لها؟


من الصعب تجاوز الربط بين تهديد "حزب الله" بالحرب على خلفية الترسيم وبين حاجة إيران الى لعب كل أوراق القوة في التفاوض على عودة أميركا الى الإتفاق النووي. واللافت أن طهران التي تمارس عادة "التقية" في سياستها تلعب حالياً على المكشوف. فالجنرال حسين سلامي قائد الحرس الثوري يحدد بصراحة دور "حزب الله" ودور لبنان بالقول: "العدو أمام طريق مسدود لشن عمل عسكري ضد إيران، لأن لدى حزب الله أكثر من مئة ألف صاروخ جاهزة لفتح باب جهنم على إسرائيل". أي أن دور المقاومة الإسلامية هو رد الخطر عن جمهورية الملالي. ودور لبنان هو أن يكون "الخط الأمامي" على الجبهة للدفاع عن إيران.


ألم يقل هيغل إن "التاريخ للحروب، وليس للسلام تاريخ"؟

MISS 3