مريم سيف الدين

تحاول فرض رقابتها على المنظمات الدولية والسطو على المساعدات

خطة الحكومة لإعادة اللاجئين خاضعة للنظام...

24 تموز 2020

02 : 00

حوالى 13 مليون سوري هجّروا من منازلهم
غالبية السوريين المهجرين داخل سوريا وخارجها يريدون العودة إلى قراهم ومدنهم، لكنهم يشترطون للعودة حلّاً أمنياً بالدرجة الأولى. هي خلاصة دراسة أجرتها الرابطة السورية لكرامة المواطن بعنوان "نحن سوريا".




ربما لا تقدّم الدراسة جديداً، إذ تخلص إلى ذات الاستنتاجات التي خلصت إليها دراسات سابقة أجرتها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) وتحدّث عنها مسؤولوها، وعلى رأسهم فيليبو غراندي، المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، خلال جولته على المسؤولين اللبنانيين في آب 2018، حيث تحدّث عن ظروف أمنية تعيق عودة اللاجئين.لكن الجديد اليوم في هذه القضية ، تزامن إطلاق الدراسة مع إقرار خطّة الحكومة اللبنانية لإعادة النّازحين، وفرض قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، ومن ضمن شروطه لإزالة العقوبات عن النظام وأعوانه، تأمين العودة الآمنة والطوعية الكريمة للسوريين اللاجئين بسبب الحرب في سوريا.في ظلّ الضغط الذّي يفرضه قانون قيصر، أعلنت "الرابطة" قبل أيام عن نتائج المسح الذي أجرته، وسألت في خلاله عيّنة من 1100 مهجّر ونازح سوري، داخل وخارج سوريا، عن أسباب نزوحهم وهجرتهم، وعما يحتاجون إلى رؤيته يتغيّر في سوريا كي يقرّروا العودة إلى وطنهم ومنازلهم. وخلص الاستبيان إلى رغبة معظم السوريين المهجرين في الداخل والخارج بالعودة إلــى ديارهــم، مقدراً عدد هؤلاء بـ9 ملايين. لكنهم يشترطون رؤية تغيرات كبيرة تحدث في الظروف الموجودة على الأرض قبل أن يقرروا الشروع في العودة.

في بقاع لبنان



النظام الأمني أكبرعائق أمام العودة

ووفق الاستطلاع، صرح 73% من المشاركين بأنهم سيعودون إلى مناطقهم الأصلية في حال توافرت الظروف المناسبة. وأصر 80 في المائة على وجوب تغيير الوضع الأمني ليكون ذلك ممكناً. وتشير الدراسة الى أن النازحين داخلياً هم الشريحة الأكثر اهتماماً بالعودة إلى منازلهم، وهو ما عبر عنه 92% من المشاركين. إذ يؤكد المستطلعون أن الأسباب الأمنية أكبر دافع للتهجير. بينما باتت المخاوف الأمنية أكبر عائق أمام العودة. وضمن فقرة المخاوف الأمنية كانت أهم شروط العودة: إعادة تشكيل القطاع الأمني، فالأولوية الأساسية لـ 73% من الراغبين بالعودة تمحورت حول الحاجة إلى إصلاح القطاع الأمني وكبح توغله في الحياة المدنية. بينما دعا 82% إلى تفكيك كامل الأجهزة الامنية وإعادة تشكيلها بطرق من شأنها حمايتهم من دون انتهاكات. كذلك طالب 84% من المشاركين الراغبين بالعودة بإلغاء التجنيد الإلزامي أو تعليقه مدة 5 سنوات على الأقل. ورأى 81% من هؤلاء أن رحيل النظام السوري بكل شخصياته الرئيسية شرط أساسي للعودة. وأشارت الدراسة الى أن 49% من النازحين إلى لبنان قد فروا من مناطق يسيطر عليها النظام السوري.

وفي حين تتهم القوى الحليفة لسوريا الولايات المتحدة والدول الأوروبية بعرقلة عودة اللاجئين، تبين الدراسة أن القرارات المطلوب اتخاذها لعودتهم بيد النظام وأجهزته الأمنية، فيكفي قرار بإلغاء الخدمة الإجبارية أو أقله إعفاء المهجّرين منها كي يعود قسم كبير منهم إلى بلدهم. في حين يبدو أن النظام يتعمّد الإبقاء على هذه الإجراءات لعدم رغبته بعودة السوريين النازحين داخل سوريا والمهجرين إلى خارجها، إلى مدنهم وقراهم لأسباب سياسية وديموغرافية واقتصادية. إضافة إلى ذلك يبدو واضحاً استخدامهم من قبل النظام ورقة تفاوض، فهو لن يعيدهم إلا ضمن صفقة سياسية، ويسعى لإبقائهم في الدول المضيفة للضغط عليها. من هنا قد يشكل قانون "قيصر" وسيلة ضغط معاكسة، تدفع بالنظام للانخراط في حل سياسي ترى الرابطة بأنه لن يكون شاملاً وفعالاً ما لم يشمل المهجّرين.



أطفال لم يعرفوا سوى الخيم


خطة لبنان وواجبات سوريا

في خطّتها لإعادة النّازحين، تستند الحكومة اللبنانية إلى احصاءات الـUNHCR التي أظهرت أن ما لا يقل عن 89% من النازحين يرغبون بالعودة، لكنّها تعمّدت إغفال ما أعلنته المفوّضية حينها من شروط وواجبات على الحكومة السورية القيام بها لتشجيعهم على العودة. ولا تبشّر تفاصيل الخطة بأنّ عودة حقيقية ستتحقق. واللافت في الخطة فصلها عودة النازحين عن العملية السياسية في سوريا. وكأن تهجير الملايين لم يكن مسألة سياسية! كذلك تغفل الخطة عدم رغبة النظام في عودة هؤلاء، وتتعامل معها على أساس أنها مسؤولية ومصلحة دولية أكثر منها سورية، بل وتوهم بنودها بأن الحكومة السورية قد اتخذت كل الإجراءات اللازمة لضمان عودة آمنة وطوعية.

وعلى العكس من توجّه الدراسة التي ترى أن المنظومة الأمنية في سوريا تشكل عائقاً امام عودة اللاجئين، تنص خطة الحكومة على "العمل على التنفيذ الفوري للأحكام القضائية القاضية بالإخراج من البلاد والصادرة بحق المحكومين السوريين، بجرائم مرتبطة بالإرهاب، من الذين لا ينطبق عليهم توصيف اللجوء. كما والعمل على قبول طلبات الإسترداد المقدّمة أصولاً من قبل الدولة السورية". كما تنص على تبادل المعلومات اللازمة والتنسيق من أجل تذليل العقبات القانونية، الأمنية والإدارية والتي قد تعيق عودة بعض النازحين.

وفي اتصال مع "نداء الوطن" أعرب وزير الشؤون الإجتماعية السابق، ريشار قيومجيان، عن تخوفه من أن يسبب بند الإخراج من البلاد مشكلة مع المجتمع الدولي ويعتبره بنداً خطيراً. إذ أن تهمة الإرهاب تلقى من قبل النظام على معارضين بشكل اعتباطي. ويرى قيومجيان أنّ الخطة ترتكز على التعاون مع النظام السوري إلى حدّ الارتهان له والإستجابة لإرادته وتُخضِع مسألة عودة النازحين لإنتقائيته. ويشير الوزير السابق إلى أن وزير الشؤون الإجتماعية الحالي رمزي مشرفية قد اعتمد خطة وزير الدولة لشؤون النازحين السابق صالح الغريب مع بعض التعديلات كونهما من ذات الفريق السياسي، فيما أُغفلت الخطة التي أعدّها.



عدد قليل عاد إلى سوريا في السنوات الماضية



واللافت أيضاً في الخطة محاولة الحكومة اللبنانية السيطرة على المساعدات الدولية في وقت تفتقد فيه إلى المصداقيّة والشفافية أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي نفسه، في ظل انهيار مالي وعجز عن القيام بأية إصلاحات. إذ تنص الخطة على إعادة إحياء اللجنة الوزارية والتواصل المباشر مع الجهات المانحة ومرور كافة المساعدات الدولية عبرها وقيامها بتوزيعها والإشراف على تنفيذ المشاريع المرتبطة بها. كذلك قررت الحكومة فرض رقابتها على عمل المنظمات الدولية في ما خص النازحين في لبنان وكافة نشاطاتها ومشاريعها وطرق تمويلها من خلال خلق قاعدة بيانات خاصة بالجمعيات الأهلية وكافة الجهات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً من الجهات المانحة بما يسمح لأجهزة الدولة المعنية (الدولة اللبنانية) رصد هذه الجهات، متابعة أنشطتها وتقييم عملها، بذريعة تجنب هدر الموارد البشرية والمالية. "وكأننا في كوريا الشمالية" وفق تعبير قيومجيان.

والسوريالي في المشهد إقرار الخطّة من دون امتلاك الدولة اللبنانية قاعدة بيانات تضم المعلومات اللازمة حول النازحين الذين تريد إعادتهم، حتى أنها لا تعرف عددهم، وإنما تعتمد الرقم الذي قدرته الأمم المتحدة بنحو مليون ونصف المليون نازح. وتحاول الخطّة معالجة الأمر، بطريقة غير علمية، عبر الطلب من النازحين السوريين الحضور لتسجيل أنفسهم وعائلاتهم في مراكز معينة من أجل إجراء تعداد شامل لهم! تحت طائلة اعتبار المتخلف عن الحضور خطراً على الأمن والسلامة العامين.

وعلى العكس من التقارير الدولية تعتبر الخطة أنّ النظام السوري قد قدّم التسهيلات اللازمة لعودة اللاجئين، وهو ما تنفيه الوقائع. فاللاجئون ليسوا بحاجة لوسيلة نقل لكي يعودوا وإنما لوسيلة تضمن أمنهم ولانتفاء العوامل المسببة لتهجيرهم من بينها بطش النظام. في هذا الإطار يؤكد قيومجيان "أن القرار بيد النظام السوري فلو أراد بشار الأسد أن يعودوا لعادوا منذ سنوات، فليكلموا حليفهم ليعيد النازحين بظروف إنسانية".

من جهته يؤكد المشرف العام على خطة إعادة النازحين عاصم أبي علي لـ"نداء الوطن" أن لا مهلة زمنية محددة لتنفيذ الخطة بسبب وجود عدة تحديات فمن الصعب تأطير الخطة بإطار زمني". ويعتبر "أن الخطة أعدت من منطلق الوطنية على الرغم من وجود عوامل منها الأزمات السياسية و"كورونا" مؤخراً، فكان يجب ان تقرّ خطة لإعادة النازحين انطلاقاً من الدستور الذي يمنع التوطين".

ولدى سؤاله عن فصل الخطة بين مسألة العودة والحل السياسي في وقت تشكل فيه العودة مسألة سياسية، يجيب أبي علي: "كدولة غير مستعدين أن ننتظر الحل السياسي، فلدينا تجربة مريرة مع الفلسطينيين الذين يعيشون في ظروف صعبة. الأعباء كبيرة على لبنان والمساعدات غير كافية ويشكل النزوح أحد أسباب الأزمة الإقتصادية ناهيك عن الأعباء على البنى التحتية".

ويعوّل المشرف على الخطة على أصدقاء لبنان من الدول للعمل على مسألة العودة، "فنحن بوضع صعب لا يمكننا فرض شيء على المجتمع الدولي، والعودة ستتم برعاية الأمم المتحدة". وعن كيفية العمل على إعادة النازحين، يشير أبي علي الى أنه "سيجري عبر التعاون والتنسيق مع الجانب السوري بما يخص تذليل العقبات، كذلك من خلال تحفيز السوريين على العودة، وكدولة لبنانية سنقوم بتسهيل الأمر وبناء الثقة عبر سلسلة الإجراءات الموجودة في الخطة. أما بالنسبة لقانون قيصر فننتظر من أميركا استثناءات في مسألة إعادة النازحين".