وليد شقير

الإنزلاق إلى "المؤامرة" واستنزاف عون

29 تشرين الثاني 2019

02 : 00

منذ أسابيع حاول الفرقاء المعارضون للانتفاضة الشعبية نقل المعركة من صراع بين حراك الشارع احتجاجاً على الطبقة الحاكمة وممارساتها، إلى صراع بين شارعين، إما على أساس طائفي بين السنة والشيعة أو بين الشيعة والمسيحيين، أو على أساس فئوي بين "التيار الوطني الحر" من جهة وبين حزب "القوات اللبنانية" وحزب "الكتائب" وجهات أخرى في المناطق المسيحية.

لوهلة بدا أن الأمر قد ينجح، ويقود الانتفاضة إلى الانكفاء لأن المجموعات التي تحركها عاجزة أمام هذه اللعبة، أو لأن الاستقطاب الطائفي القادرة عليه القوى السياسية المتمرسة بالتعبئة الطائفية والمذهبية، حالت وتحول دون اختراق الحراك منطق الطوائف.

وإذا كان يصعب الجزم بأن الانتفاضة أسست لتيار ينبذ النظام الطائفي في العمق، فالمؤكد أنها فعلت فعلها في انفكاك جزء من الجمهور عن طائفته وحزبه الطائفي، لن يتبيّن حجمه إلا في انتخابات نيابية مقبلة، أو في قدرته على فرض قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، نص على التوصل إليه اتفاق الطائف.

فسعي فرقاء إلى استحضار شارعين متقابلين لإجهاض الانتفاضة، يجد من يلاقيه في الطائفة الأخرى، لكنه في الوقت نفسه يتسبب بأضرار لهؤلاء الفرقاء.

السؤال الذي يطرح نفسه هو هل أن "حزب الله" يهتم إلى تآكل شعبية حليفه المسيحي الذي يرتكز عليه في لعبة السلطة ورهن لبنان لمصلحة خياراته الإقليمية، أي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"التيار الوطني الحر"، جراء الغزوات التي قام بها ثلاث مرات خلال الأسابيع الماضية وآخرها الأحد الماضي مستخدماً العنف حيال المتظاهرين بحجة رفضه قطع الطرقات؟ فالأضرار التي أصيبت بها شعبية عون جراء هذه الغزوات، والشعارات المذهبية التي ظللتها، والخسائر المادية التي سببتها في أحياء مسيحية أو مختلطة، تفوق بكثير الانعكاسات السلبية عليهم لإقفال الطرقات من قبل المتظاهرين، ، لدى بعض الجمهور، سواء كان مسيحياً أو إسلامياً.

وإذا كانت الشتيمة للرموز تستدرج شتيمة من الجهة المقابلة، ألم يلاحظ قادة "حزب الله" وحركة "أمل" أن خصومهم السياسيين من المذهب الآخر (المستقبل والقوات اللبنانية...) لم ينزلوا إلى الشارع كرد فعل على غزوات مناصريهم تحت أعلام الثنائي الشيعي، بأعلامهم وشعاراتهم كما فعلوا هم، بل ظلوا تحت العلم اللبناني، وأن "القوات" (والكتائب) بقيا بعيداً من الأنظار ولم تظهر أعلامهما في المناطق المسيحية حيث نزل أنصارهما مع الانتفاضة، فابتعد مسؤولو المناطق في التنظيم، عن الشارع لإدراكهم أن الخصم يريد أن يظهر حزب "القوات" على أنه يقود الصدام مع "التيار الحر"، أو مع الجيش في ساحل المتنين وكسروان؟ ألم يدرك قادة "الحزب" أن أعلام الأحزاب المقابلة له غابت لأنها مرفوضة حتى لو كان أنصار لها يؤيدون الانتفاضة، ولأن الجمهور الواسع يعتبر أن هذه الأحزاب شريكة في السلطة المنبوذة من الانتفاضة، لأنها متهمة بالتسبب بالمآسي الاجتماعية والاقتصادية التي سوّغت الثورة؟

إذا كان الثنائي الشيعي لا يكترث للتجرؤ على سطوته في المناطق الشيعية، حيث أعاد مؤيدو الانتفاضة في صور والنبطية وبعلبك الخيم في اليوم التالي لإحراقها من قبل مناصريهما، واسترجعوا العلم اللبناني بعدما استبدله هؤلاء المناصرون بالأعلام الصفراء والخضراء، فمن الطبيعي ألا يأبه لاستنزاف حليفه العوني مسيحياً، طالما أن الأخير لا يعير اهتماماً لعمق الاعتراض الشعبي على ممارساته. نجاح مجموعات الانتفاضة في ابتكار وسائل استيعاب وتنفيس خطوات جرها إلى ملعب الصراع الأهلي، بوسائل من نوع تظاهرة الأمهات في عين الرمانة والشياح، وطرابلس... وبتحرك أهليٍ غير حزبي، أحبط تلك الخطوات.

غرَقُ "حزب الله" في نظرية المؤامرة أخطر من المؤامرة نفسها، التي أحد أهدافها جر "حزب الله" إلى النزول إلى الشارع بالطريقة التي نزل فيها، فينكشف، وإلى تحميله مسؤولية التسبب بالفراغ الحكومي مهما اتهم الغير به.


MISS 3