ألينا بولياكوفا

حان وقت استلام الناتو دفّة القيادة في أوكرانيا

12 آب 2022

المصدر: Foreign Affairs

02 : 00

جنود أوكرانيون يتدربون في منطقة Grafenwoehr العسكريّة | ألمانيا، يونيو 2022
منذ أن أطلقت روسيا غزوها الشامل لأوكرانيا في شهر شباط الماضي، أرسل الغرب مساعدات عسكرية واقتصادية بمليارات الدولارات إلى كييف. قدّمت الولايات المتحدة وحدها دعماً أمنياً تفوق قيمته 8 مليارات دولار في آخر ستة أشهر، وقد بدأت هذه الأموال والأسلحة تُحدِث الفرق في ساحة المعركة. وفي الفترة الأخيرة، سمحت الصواريخ المدفعية عالية الحركة (أنظمة "هيمارس" أميركية الصنع) لأوكرانيا بإطلاق عمليات هجومية مضادة في الجنوب الشرقي وصدّ الاعتداءات في أماكن أخرى.

كان مستوى الدعم من دول أخرى في حلف الناتو مختلطاً. أجّلت ألمانيا مثلاً تسليم أنظمة صواريخ مماثلة، فوصلت أول دفعة في الأيام القليلة الماضية. كذلك، تعهدت بلدان أخرى بإرسال أسلحة ثقيلة لكن سيتأخر وصولها على الأرجح حتى نهاية السنة. قدّمت فرنسا، التي تملك واحداً من أقوى جيوش أوروبا، دعماً عسكرياً تقتصر قيمته على 160 مليون دولار إلى أوكرانيا، وخصصت 0.008% من ناتجها المحلي الإجمالي للمساعدات العسكرية. في المقابل، بلغت هذه النسبة في إستونيا ولاتفيا وبولندا 0.84%، و0.69%، و0.32% على التوالي، مع أن اقتصادات هذه الدول تبقى أصغر حجماً من غيرها. سلّمت بولندا وحدها أسلحة بقيمة 1.8 مليار دولار على الأقل.

بدأ التقدم الروسي في أوكرانيا يتحول الآن إلى حرب استنزاف طويلة، حيث يحاول كل طرف إضعاف قدرات الآخر. لمساعدة أوكرانيا في هذا النوع من الحروب، تبرز الحاجة إلى تطبيق مقاربة مختلفة: يحتاج البلد إلى كميات أخرى من الأسلحة الثقيلة، أبرزها أنظمة الدفاع الجوي، ويجب أن يتسارع تسليمها وأن تصل من حلفاء أوروبيين إضافيين. كذلك، يحتاج أعضاء الناتو في شرق أوروبا إلى إعادة التزود بالإمدادات بعد استنزاف مخزون أسلحتهم.

فيما يرسل الحلفاء أنواعاً وكميات مختلفة من المساعدات الأمنية إلى أوكرانيا ويستنزفون بذلك مستودعاتهم الخاصة، تحوّل تنسيق الإمدادات وتوزيعها إلى عملية لوجستية ضخمة. يقود الجيش الأميركي هذه الجهود، فيتلقى الإمدادات من أكثر من 50 بلداً ويرسلها إلى أوكرانيا. على المدى القصير، تعطي الجهود الأميركية ثمارها رغم التأجيلات المتقطعة. لكن على المدى الطويل، يجب أن يستلم حلف الناتو هذا الدور باعتباره المؤسسة التي تهدف رسمياً إلى تعزيز التعاون الأمني الجماعي وتنسيق الجهود بين الأعضاء في المنطقة الأوروبية الأطلسية.

يملك حلف الناتو القدرة التشغيلية والتفويض السياسي لبذل جهود مضاعفة دعماً لأوكرانيا راهناً ومستقبلاً. خلال قمة مدريد في شهر حزيران، صادق حلفاء الناتو على مفهوم استراتيجي حديث يُجدّد التزام الحلف بمهامه الأساسية الثلاث: الردع والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها، والأمن المبني على التعاون. كذلك، تعتبر هذه الوثيقة روسيا "أخطر تهديد مباشر على أمن الحلفاء وعلى السلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية". هذه الرؤية الاستراتيجية الجديدة تمنح الناتو تفويضاً سياسياً واسعاً لاتخاذ خطوات تفوق ما يفعله راهناً لدعم أوكرانيا وردع روسيا. على المدى القصير، يجب أن يستلم الناتو دفة القيادة لتدريب القوات الأوكرانية، ويعطي الأولوية للأمن في البحر الأسود الذي تحاول روسيا السيطرة عليه وعسكرته بالكامل، ويقوي التعاون السيبراني مع أوكرانيا. وعلى المدى الطويل، يُفترض أن ينسّق الناتو عمليات تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا وإعادة توزيع الإمدادات على دول الحلف. إذا لم يتدخل الناتو، قد يثبت بذلك عدم التزامه بشؤون أوكرانيا على المدى الطويل، ما يُشجّع روسيا على متابعة هجومها الوحشي.

سيكون تأمين البحر الأسود أساسياً لتنفيذ العمليات العسكرية في أوكرانيا وتقوية اقتصاد البلد على المدى الطويل. إنها منطقة محورية أيضاً في الطموحات الاستراتيجية التي يحملها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: سبق وأشعل الحصار الروسي للصادرات الزراعية الأوكرانية عن طريق البحر الأسود أزمة غذاء عالمية، ما سمح لموسكو بأخذ الحبوب الأوكرانية رهينة لديها. في 22 تموز، وقّعت روسيا على اتفاق، بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، للسماح لأوكرانيا بتصدير ملايين أطنان الحبوب. وبعد مرور ساعات، استهدفت الصواريخ الروسية ميناء "أوديسا" الأساسي في أوكرانيا قبل أن تحصل السفينة التي تحمل الحبوب على الإذن بالإبحار أخيراً. لا توحي انتهاكات روسيا المتواصلة للقانون الدولي على مر السنين بأن الاتفاقيات التي تحصل بوساطة الأمم المتحدة قابلة للصمود. وبعدما أصبحت إمدادات الغذاء العالمية مُهددة، يجب أن يستعد الناتو لمرافقة سفن تصدير السلع بغض النظر عن التزام روسيا بالاتفاق. حلف الناتو مُلزَم بضمان الأمن البشري، ويُعتبر الأمن الغذائي جزءاً من هذه المهمة طبعاً.

منذ شهر شباط، رسّخت الولايات المتحدة وجودها في رومانيا عبر نشر قوات عسكرية إضافية وطائرات مقاتلة من طراز "ف - 16". لا تزال منطقة البحر الأسود نقطة محورية في الحرب الروسية، لذا يُفترض أن يستثمر الحلف موارد إضافية في الدفاعات الجوية والصاروخية المتكاملة، فينشر قدرات مضادة للطائرات ويُدعّم قوات الناتو بأسطول من طائرات "ف - 16". كذلك، قد يؤدي تكثيف عمليات المراقبة ورحلات الاستطلاع من جانب الناتو إلى إضعاف سيطرة روسيا بحراً عبر مراقبة وفضح تحركات أسطول البحر الأسود الروسي وسفن ومعدات أخرى.

على صعيد آخر، يجب أن يسعى الناتو إلى تعزيز تعاونه مع الدول غير المنتسبة إليه، إذا كانت تشكّل جزءاً من بيئة الأمن الإقليمي في البحر الأسود، وعلى رأسها مولدوفا وجورجيا. يتوق هذان البلدان إلى توثيق شراكاتهما مع الناتو. في جورجيا مثلاً، قد يوسّع الحلف مهام "مركز التدريب والتقييم المشترك بين الناتو وجورجيا"، الذي يقدّم تدريبات ميدانية وافتراضية مشتركة للعسكريين الناشطين في الناتو وللجنود الجورجيين، كي تشمل العمليات البحرية.

يضطلع الناتو بدور مهم لدعم دفاعات أوكرانيا السيبرانية وتقوية قدراتها الهجومية أيضاً. تُعتبر الاعتداءات السيبرانية جزءاً من الحرب الروسية الشاملة ضد أوكرانيا: خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الغزو، نفذت روسيا حوالى أربعين هجوماً سيبرانياً مدمّراً ضد أوكرانيا، وفق معطيات شركة "مايكروسوفت". وفي السنة الماضية، قبيل الغزو الروسي الشامل، حاولت أوكرانيا أن تكثّف تنسيقها مع "مركز التميّز للدفاع السيبراني التعاوني" التابع للناتو، لكن رفض الحلف هذا الاقتراح بعد عجز اللجنة التوجيهية عن التوصل إلى الإجماع المطلوب.

صادقت اللجنة أخيراً على اعتبار أوكرانيا مشارِكة مساهمة في شهر آذار، وأصبح الاتفاق الذي يعطي هذه العضوية طابعاً رسمياً قيد التطوير. في الوقت الراهن، لا تزال أوكرانيا تُعتبر دولة مرشّحة للعضوية. يُفترض أن تتسارع إجراءات انتساب أوكرانيا كمشارِكة مساهمة في "مركز التميز للدفاع السيبراني التعاوني" كي يتمكن البلد من الانضمام رسمياً إلى أعضاء آخرين من خارج الناتو، مثل النمسا، وفنلندا، والسويد، وسويسرا. تسمح هذه الخطوة لأوكرانيا بدمج نظام دفاعها السيبراني مع نظام الحلف، في إطار تعاونها وتبادلها المعلومات مع الأعضاء الآخرين عن طريق التعليم والأبحاث والتطوير.

في غضون ذلك، يستطيع أعضاء الناتو أن يدعموا الجهود الأوكرانية الناجحة أصـــلاً لتجنيد "جيش تكنولوجيــا المعلومات" المؤلف من مقرصنين دوليين للدفاع عن أوكرانيا ومهاجمة الدولة الروســــية والكيانات الخاصة التي تؤجج الحرب، أبرزها تلك الخاضعة للعقوبات الغربية. حتى الآن، يتألف الجيش السيبراني في معظمه من متطوعين أوكرانيين، لكن يستطيع الناتو أن يساعد أوكرانيا على إضفاء طابع مؤسسي على قوة سيبرانية متينة عبر تقديم معدات وتدريبات منتظمة إلى الخبراء السيبرانيين الأوكرانيين، وتوفير المساعدات التقنية للوكالات الحكومية الأوكرانية لتحسين قدرات الدفاع السيبراني.

في الأشهر القليلة الماضية، تحمّلت الولايات المتحدة أعباء تزويد أوكرانيا بالأسلحة وتنسيق توزيعها. لكنّ قطاع الدفاع الأميركي ليس مستعداً لهذه المهمة على المدى الطويل، لأن العملية تتطلب الانتقال إلى إنتاج كميات ضخمة من أسلحة محددة، علماً أن الجيش الأميركي لم يُقدِم على شراء جزءٍ منها منذ عقود، بما في ذلك صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات. من خلال دمج الإنتاج الدفاعي والصناعي الأميركي الأوروبي عبر تبسيط ممارسات شراء المعدات الدفاعية مثلاً، قد يتمكن قطاع الدفاع من توقّع حاجات أوكرانيا وأوروبا ككل، لكن تتطلب هذه العملية سنوات طويلة. في غضون ذلك يستطيع الناتو، بالتعاون مع الدول الأعضاء، أن يقدم توجيهات استراتيجية للشركات الدفاعية في أنحاء الحلف لتسهيل رصد الثغرات.

على المدى الطويل، يملك الناتو تفويضاً لاستلام دفة القيادة باعتباره أهم حلف دفاعي جماعي للرد على التهديدات الروسية. لا تزال الولايات المتحدة تعتبر الصين أخطر مصدر تهديد مستقبلي، ما يعني أن معظم أعباء إرساء الأمن في أوروبا ستقع في نهاية المطاف على عاتق 29 دولة أوروبية منتسبة إلى الحلف (سيبلغ هذا العدد 31 قريباً بعد انضمام السويد وفنلندا). تلتزم الإدارة الأميركية الراهنة بدعم أوكرانيا وزيادة استثماراتها في الأمن الأوروبي ككل. لكنّ الفسحة التي تسمح بتغيير مسار الحرب بدأت تضيق. كلما اضطلع الناتو بدوره السياسي لدعم أوكرانيا في أبكر مرحلة ممكنة، ستزيد قدرته على تأمين مستقبله كأقوى تحالف أمني وأكثره فاعلية.


MISS 3