خضر حلوة

مساحة حرّة

حقبة التخلّي العربي

29 تشرين الثاني 2019

02 : 00

مر لبنان منذ نشوئه كدولة بحقبات بعضها زاهر، وبعضها متأزم، والكثير منها مزلزل. وفي كل حقبة من حقبات التأزم كان للحضور العربي دور فاعل ومؤثر منذ الخمسينات وصولاً إلى السنوات الأخيرة. وذلك من باب الأخوة العربية والاستقرار السياسي لدولة صغيرة المساحة والعدد السكاني، لكنها ذات أهمية بالدور والمعنى السياسي والديموغرافي، إضافةً إلى الدور الديبلوماسي العريق الذي تأسس على يد وزراء خارجية متميزين، رفيعي العلم والخبرة والثقافة، وأساتذة في الديبلوماسية والعلاقات الخارجية ممن كانت الدول العربية تعتبرهم قدوة ومثالاً يحتذى في المحافل العربية والدولية. والحرص على لبنان وعلى صورته ودوره الملتزم بالقضايا العربية وحياديته الايجابية تجاه الخلافات التي كانت تنشأ بين بعض الدول العربية جعل من زيارات كبار المسؤولين الديبلوماسيين العرب ومحاولاتهم الحثيثة لرأب الصدع في الخلافات اللبنانية تأخذ حيزاً واسعاً بل مؤثراً بمنحى ايجابي لتصويب مسار الخلافات وتقريب وجهات النظر بين المتنازعين اللبنانيين في أحلك الظروف.

كما كانت الجامعة العربية تساند لبنان واللبنانيين عبر الأمناء العامين والمساعدين والموفدين بالتنسيق مع بعض الدول العربية ذات التأثير والاهتمام المباشر بدولة لبنان، بدءاً من مصر مروراً بالمملكة العربية السعودية والكويت وتحديداً أميرها الحالي الشيخ صباح الاحمد الذي لم يكن يكلّ ولا يملّ من تقريب وجهات النظر في مرحلة الحرب الاهلية حين كان وزيراً للخارجية آنذاك، وصولاً الى سوريا والاردن وتونس...

ما نريد قوله إن المجموعة العربية وايماناً منها بدور لبنان ورمزية تركيبته البشرية لم تتوان عن متابعة أوجاعه وخلافاته ومحاولة رأب الصدع داخل مكوناته السياسية، لكننا اليوم، وحيث نمر في أصعب مرحلة وأعقدها بل وأخطرها، نلاحظ نوعاً من التخلي لم نشهده من قبل، في الوقت الذي يتتالى قدوم الموفدين الغربيين والشرقيين الى البلد المتهاوي لمحاولة ايجاد الحلول لمشكلته السياسية والاقتصادية والمالية.

ليبقى السؤال أو بالأحرى التساؤل: هل تخلى العرب عن لبنان؟ أم أن لبنان تخلى عن العرب خلال السنوات الخمس الماضية؟ ولم يعمل على توطيد علاقاته الخارجية التي أسست لها شخصيات ديبلوماسية طبعت بصماتها على مدى سنين خلال السلم وخلال الحرب؟

فالديبلوماسية اللبنانية تزخر بأسماء حافظت على التوازن في علاقات لبنان الدولية والعربية بدءاً من شارل مالك مروراً بفؤاد بطرس وكميل شمعون وخليل أبو حمد وحميد فرنجية وسليم تقلا وفيليب تقلا وشارل حلو وخالد شهاب وحبيب ابو شهلا وفؤاد عمون ورشيد كرامي وسليم الحص ونصري المعلوف وجورج حكيم...

أسماء كبيرة وشخصيات سياسية وديبلوماسية عريقة وطدت علاقات لبنان الخارجية بدءاً من سوريا وصولاً إلى الامم المتحدة مروراً بالجامعة العربية، تاركة بصماتها، وسالكة دروب الصعاب التي تجاوزتها بالحكمة والرصانة والتوازن والحياد، ومدعومةً من أشقائه العرب الذين لم يتخلوا عنه.

فهل يحق لنا السؤال أو التساؤل عن سبب هذا الغياب؟ ومن بإمكانه أن يعطينا الجواب أو جزءاً منه؟

(*) سفير سابق


MISS 3