لا نفشي سرّاً عندما نعلن أن مسلسل "سرّ" الدرامي البوليسي الذي قدمته شبكة MBC في بداية 2020، كان واحداً من أقوى الأعمال الدرامية وانجحها ضمن الانتاجات المشتركة اللبنانية - السورية. يومها، نجح كل من نص وسيناريو مؤيد النابلسي وإخراج مروان بركات في تقديم عمل استثنائي، مليء بالتشويق والغموض والايقاع، خصوصاً بعدما توفّر له انتاج ضخم من توقيع شركة "ميديا هاوس بيكتشرز" لسامح مجدي ونهلة زيدان، وكاست لبناني سوري متقن وضخم، من ابرز نجومه بسام كوسا وباسم مغنية وداليدا خليل ووسام حنا.
النجاح الكبير الذي حققه المسلسل كان لا بد ان يستتبعه جزء ثان، خصوصاً أن الجزء الأول انتهى بشكل مفتوح على احتمالات عديدة. وكما كان متوقعاً، انطلق تصوير الجزء الثاني الذي حمل عنوان "التحدي- سر" في بداية 2022، ولم يتأخر في فرض نفسه مجدداً وبقوة على ساحة الدراما المشتركة، منذ أن بدأ عرضه أولا على محطة MBC، وحالياً على قناة MTV اللبنانية.
مسلسل "التحدي" هو اذا استكمال لمسلسل "سر"، وليس سراً على احد، أن التحدي الحقيقي أمام صنّاع أي عمل درامي ناجح، هو أن يتمكنوا من تقديم تكملة لا تقل قوة ونجاحا واثارة عن الأول. تحدٍ، سبق أن نجح فيه وبجدارة، صنّاع سلسلات "الهيبة" (سيدرز آرت برودكشن) و"للموت" (ايغل فيلمز)، واليوم تنضم سلسلة "سر" الى هذه القافلة من الأجزاء الناجحة، رغم بعض الشوائب في الجزء الثاني.
شركة "ميديا هاوس بيكتشرز" عادت وجمعت معظم الاركان الأساسية لأسرة الجزء الأول في الجزء الثاني، مثل المخرج مروان بركات والكاتب مؤيد النابلسي، ومجموعة كبيرة من نجوم "سر" نذكر منهم بسام كوسا وباسم مغنية ووسام حنا وفادي إبراهيم ونوال كامل واسعد رشدان وتانيا فخري ورانيا سلوان ونتاشا شوفاني ورواد عليو ومعن كوسا وحسان مراد وعلي يونس ومايكل كبابة.
اجتماع معظم افراد اسرة الجزء الأول لم يكن مخاطرة أو تحدياً يجب الفوز به، فالتركيبة ناجحة وأثبتت تجانسها. ولكن التحدي الفعلي كان على عاتق الكاتب مؤيد النابلسي. ليس سهلاً خلق تتمة لا تقل قوة وتشويقاً عن جزء أول دار في أجواء الاسرار والجريمة والانتقام بعد اختفاء رجل الأعمال المعروف في العلن والمافيوزو في الخفاء عامر بدران (بسام كوسا)، في ظروف غامضة. يومها تساءل الجمهور هل تم خطفه؟ هل قتل؟ هل نجحت خطة زوجته تالين (داليدا خليل) وابن شقيقة مهند (وسام حنا) في القضاء عليه؟ هل شريكه بهاء (فادي إبراهيم) وراء اختفائه؟ أم أن للمحقق جاد حرب (باسم مغنية) علاقة بالامر، بعدها سيتبيّن أن عامر بدران هو من قتل أهل جاد يوم كان صغيراً، انتقاماً لمقتل شقيقه؟
تحدي الكاتب مؤيد النابلسي نجح، فالحبكة الجديدة لا تنفصل تماماً عن الأولى، ولكنها في الوقت عينه مليئة بتفرعات عديدة، واسرار غامضة وخطيرة، وتشويق متصاعد، وانعطافات مفاجئة، وتقلبات غير متوقعة و... شخصيات قديمة رائعة، وجديدة مثيرة. الجزء الثاني بدأ بخروج عامر بدران من السجن (بسحر ساحر) وخروج جاد حرب من سلك الشرطة وزواجه من راما وانجابه طفلاً، وهرب تالين خوفاً من انتقام عامر بعدما اكتشف انها خططت لقتله وخانته مع المحقق جاد. اختفاء تالين استوجب غياب الممثلة داليدا خليل عن هذه التكملة، لتحل مكانها في البطولة الأولى، الممثلة ستيفاني صليبا، بشخصية جويل الفتاة الغامضة جداً حتى الآن (حسب متابعتنا للمسلسل على محطة MTV)، التي تدخل حياة عامر بدران عن قصد، فتوقعه في حبها، وتوقعنا نحن المشاهدين في تساؤلات عديدة حول خلفيتها ودوافعها. أداء ستيفاني صليبا يشهد بتطورها السريع وتلقائيتها وعفويتها في تجسيد شخصية غامضة ومحببة من دون تصنّع.
إضافة الى صليبا، نجوم جدد وكثر انضموا الى "التحدي" مثل كارمن لبس في دور بيداء ام مهنّد وزوجة الوزير الفاسد يوسف سلطان (جورج شلهوب)، وفرح بيطار بدور المحامية الداهية جوا، وسلطان ديب بدور اليد المنفذة لاجرام عامر بدران، وبيار داغر بدور الطباخ في مطعم هند اخت عامر، وبياريت قطريب بدور زوجته المقعدة وكارين سلامة بدور مساعدة زعيم المافيا العالمي، وغيرهم كثر. هؤلاء الممثلون اضافوا لمستهم، ولكن الحبكات والأجواء في القسم الأول من المسلسل لا تزال غامضة جداً، ومشاهد بعض الشخصيات سريعة وقصيرة بشكل مبالغ أحيانا، لذلك علينا انتظار ان تتبلور الاحداث والشخصيات تباعاً وعلى حد سواء.
حتى الآن، لا يزال الغموض سيد الموقف والحبكات غير واضحة الافق. من هي جويل؟ من وراءها؟ من خطف ابن جاد؟ ماذا تريد المحامية جوا من جاد؟ لماذا تخلت بيداء عن ابنها؟
كما لا تزال بعض الشخصيات محدودة الحركة خصوصاً شخصية جاد حرب التي يقدمها باسم مغنية، والتي كانت محورية ودينامية اكثر في الجزء الأول، على أمل أن تنطلق اكثر مع تقدّم الاحداث، فحضور باسم واداؤه المتقن والطبيعي يستحق مساحات اوسع.
حتى الآن، لا يزال المسلسل يأسرنا ويشوقنا ويقنعنا، رغم بعض المبالغات والثغرات غير المنطقية (مثل خروج مهند من السجن بعد تغيير افادة ربيع بشكل غير مقنع بتاتا).
كما ان الشخصيات بمعظمها متقنة، والاداءات رائعة، مع إشادة خاصة بأداء وحضور وكاريزما القدير بسام كوسا، وطرافة وسام حنا (سبق ان فاز بجائزة موركس دور عن دور مهنّد الاستثنائي في "سر") وطبيعية ستيفاني صليبا، وحضور كل من فرح بيطار وتانيا فخري الجذاب.
حتى الآن، ليس سراً أن "التحدي" نجح الى حد كبير في رهانه، فهل يكمل؟
