رفيق خوري

لعبة القوة خارج المؤسسات

20 آب 2022

02 : 00

تغيرت الظروف في لبنان والمنطقة والعالم، وبقي الخيار- التحدي المطروح على الوطن الصغير هو نفسه. أيام "المقاومة الفلسطينية لتحرير فلسطين" من لبنان كان انصار المقاومة يقولون لنا: أي دور تريدون للبنان: هونغ كونغ أم هانوي؟ رمز الإنفتاح والإستثمارات الإقتصادية أم رمز القوة التي انتصرت على أميركا بعد فرنسا؟ اليوم، مع تعاظم قوة المقاومة الإسلامية المرتبطة بإيران، يتكرر السؤال نفسه. لكن هونغ كونغ إنضمت الى الصين. وهانوي صارت هونغ كونغ المنفتحة على الإستثمارات الإقتصادية، ولا سيما الأميركية منها. ومؤخراً تنقل الشركات الأميركية إستثماراتها من الصين الى فيتنام حيث الكلفة أقل. أما لبنان، فإنه لم يعد في دور هونغ كونغ بعدما دفعته المافيا الى الهاوية المالية والإقتصادية. ولا هو يستطيع عملياً أن يتحمل دور هانوي القديم بعدما دفع ثمنه حرباً واحتلالات وسقوط الدولة.

لكن "حزب الله" يتصرف على أساس أن هذا قدره وخياره. وهو يكرر القول أنه يحمي لبنان الذي لا تحميه الدولة، وأنه لولا المقاومة الإسلامية "لكان اللبنانيون عبيداً لإسرائيل وأميركا". وليس قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي أول مسؤول إيراني يقول بصراحة إن "العدو أمام طريق مسدود لشن عمل عسكري ضد إيران لأن لدى "حزب الله" أكثر من مئة ألف صاروخ جاهزة لفتح نار جهنم على إسرائيل" وتحقيق أمل الإمام الخميني في "إزالة إسرائيل من على الخارطة". ومختصر ذلك أن لبنان "قاعدة صواريخ" للدفاع عن الجمهورية الإسلامية. وكما عند الأصيل كذلك عند الوكيل: كثير من تمجيد القوة على حدود "عبادة القوة". وقليل من الإلتفات الى "القوة الناعمة" في إيران ولبنان ثقافياً وتاريخياً.

لكن المسألة ليست مجرد مفاخرة بالإقتدار العسكري الذي حرر لبنان من الإحتلال الإسرائيلي، ويراد له ومنه "إزالة إسرائيل" التي راهنت عليها الدول العربية والمقاومة الفلسطينية منذ 1948. المسألة تعبير عن تطورين بارزين: أولهما أن ما كان الإستثناء، وهو مقاومة "حزب الله" للإحتلال حين كانت الدولة غائبة، صار القاعدة الى جانب أدوار في المنطقة. والموقت صار الدائم بمعنى أن الدولة لن تستطيع حماية لبنان. وثانيهما أن موازين القوى بين الطوائف تبدلت، بحيث صارت أوزان الطوائف خفيفة أمام تنامي قوة الطائفة الشيعية وديموغرافيتها، والتي صارت المحور الأساسي للعمل السياسي وإدارة السلطة وتنظيم "المشاركة" حسب التبدلات الحاصلة.

والسؤال هو: متى كان مفهوم القوة المركّب بسيطاً مرتبطاً بعامل واحد؟ أليس الشرط المفصلي للقوة التي تحمي لبنان هو أن تكون قوة وطنية قرارها في مؤسسات الدولة؟ هل القوة المذهبية التي قرارها خارج الدولة هي قوة للبنان أم قوة عليه؟ وهل وصلنا بعدما دفعنا دماً ثمن شعار "قوة لبنان في ضعفه" الى شعار "ضعف لبنان في قوة حزب الله"؟

كان ستالين يحذّر من "دوار النجاح". لكن لبنان بات يعاني من دوار النجاح ودوار الفشل معاً.


MISS 3