كلير شكر

تفاهم الحريري - الخطيب تطوّر إيجابي ولكن...

4 كانون الأول 2019

02 : 00

الحريري مستقبلاً جنبلاط وأبو فاعور في حضور خوري (دالاتي ونهرا)

فجأة خرج الكثير من الدخان الأبيض من "مدخنة" المشاورات الحكومية. أحيطت حركة المشاورات بطوق من التفاؤل الذي يشي بقرب الفرج الحكومي من خلال ادخال المهندس سمير الخطيب نادي رؤساء الحكومات. لا أحد يدري ما هو المعطى الأساسي الذي تغيّر وسمح بحصول الخرق في جدار الحكومة. كما لا أحد يملك جواباً مقنعاً على سؤال جوهري ومفاده: لماذا سيمنح رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري بركته لحكومة سمير الخطيب ولا يترأسها بنفسه اذا كان قادراً على تغطيتها؟

خلال ساعات قليلة، إنقلب كل المزاج العام: رئيس الجمهورية ميشال عون "مستعجل على اجراء الاستشارات، وهو قدّم كل التسهيلات اللازمة، ولكن المشكلة عند غيره"، كما نقل عنه الوزير السابق وئام وهاب. رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط بدا فجأة مشاركاً على خطّ المشاورات المستجدة، حيث أعلن بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّه سيرفع "لائحة نسمي فيها كفاءات درزية، ويختار منها لاحقاً سمير الخطيب أو سعد الحريري لتوزيرها".

فما الذي حدث ليقلب التطورات رأساً على عقب؟

ما صار معروفاً هو حماسة القصر ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لترئيس الخطيب عملاً بقاعدة توازن الخسائر مع بيت الوسط: معاً في الحكومة ومعاً خارجها. وطالما أنّ الحريري مصرّ على عدم توزير أي من صقور الحكومة الماضية، بمن فيهم باسيل، فلن يقبل الأخير بأن يستثني الحريري من "ثمن" الشارع.

وعليه، يصرّ العونيون على انجاح مشروع تأليف حكومة برئاسة سنيّ غير الحريري، ولكن لا بدّ من "بركته" ربطاً بتمسك "حزب الله" بهذا الشرط التكويني للحكومة، لأنّه لو تركت الأمور لـ"التيار" فإنّ الأخير لا يمانع من تشكيل حكومة تمثل الأغلبية النيابية وتبقي على ثلاثي "المستقبل" - "القوات" - "الاشتراكي" خارج جنّتها.

الجديد، هو إشارة الانطلاق التي يتردد أن الحريري منحها للخطيب في لقائهما الأخير الذي حصل ليل الاثنين الماضي، حيث أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال ضيفه أنه سيؤمّن له الدعم السياسي وعليه ترتيب آخر مراحل التفاهم مع رئيس مجلس النواب نبيه بري.

ولهذا سارع الخطيب إلى وضع باسيل في أجواء هذا التطور البارز الذي من شأنه أن يطوّر المشاورات، وفق المتفائلين، وصولاً إلى تحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة. فهل فعلاً فُرجت؟

في القصر، لا تزال ثمة فسحة كبيرة للتوجس مما قد يخبئه الحريري في اللحظات الأخيرة، ولهذا كانوا يصرون عليه تسطير بيان دعم واضح يؤكد سيره بخيار الخطيب، بشكل ينزع أي فخ قد يكون مخبأً في أحداث الساعات المقبلة ويطيح بكل الجهود المبذولة إلى الآن. حتى "حزب الله" تجتاحه الشكوك. سبق له أن صدّق الحريري أكثر من مرة، كما يقول المطلعون على موقفه. مرة، حين أبلغهم رفضه لتقديم الاستقالة وعاد وفعلها، ومرة حين تفاهم مع الوزير السابق محمد الصفدي وعاد وأطاح به في الشارع. ولهذا يحاذرون قول "الفول" قبل أن يصبح في "المكيول". وكان لا بدّ من لقاء مباشر بين الحريري و"الخليلين".

ومع ذلك، ما تمّ تداوله أمس من وقائع يشير إلى تفاهم مبدئي بين الحريري والخطيب حول شكل الحكومة، وهي حكومة تكنو-سياسية لا تضمّ وجوهاً استفزازية فيما توازنها السياسي أقرب إلى الحكومة المستقيلة بلا صلاحيات استثنائية، ولا انتخابات مبكرة. ما يعني أنّ المشاورات ذلّلت معظم العناوين الخلافية، لتكون الخطوة الأخيرة الاتفاق على الأسماء.

هكذا، يقول المتابعون إنّ المعطيات تشير إلى تطور ايجابي، لكن التجارب السابقة لا تبشّر بالخير، وعليه صار الحذر واجباً، خصوصاً وأن التفاهم الذي يتردد أنّ الخطيب صاغه مع الحريري، هو نفسه سبق وحاكه الصفدي مع رئيس "تيار المستقبل"، وتمّ تفخيخه... ولو أنّ هذه التطورات تحدث على وقع إشارات إيجابية تأتي من مطرحين: أولاها من واشنطن بعد افراج الإدارة الأميركية عن المساعدات للجيش اللبناني، وثانيها من دمشق حيث أحيت الامارات العربية المتحدة عيدها الوطني للمرة الاولى منذ اندلاع الحرب السورية، حيث حملت كلمة القائم بالأعمال الاماراتي المستشار عبد الحكيم إبراهيم النعيمي معاني لافتة للإنتباه كقوله "إنّ الأمل بعودة الأمن والأمان الى ربوع سوريا في ظل القيادة الحكيمة للرئيس بشار الأسد".

ومع وقوف باسيل على منبر الاجتماع الأسبوعي لـ"تكتل لبنان القوي" ارتفع منسوب التفاؤل ربطاً بثلاث ملاحظات أنتجها كلامه: الحريري يدعم الخطيب "بالكامل بالتسمية والثقة"، تحترم الحكومة "التوازنات القائمة في النظام البرلماني"، خروج "التيار الوطني الحر" من الحكومة.

حتى ساعات المساء الأولى كانت مصادر بعض قوى الثامن من آذار تميل إلى التقاط الاشارات الايجابية التي أتت من ثلاثة عناصر: تأكيد باسيل أنّه لن يكون في الحكومة، ردّ الحريري على نحو واضح أنّه داعم للخطيب وأنّ "تيار المستقبل" أسوة بـ"التيار الوطني الحر" لن يكون في عداد المكونات الحكومية، وتحرك جنبلاط باتجاه بري، الأمر الذي يزيد بنظر المصادر من منسوب التأكيد على أنّ ما جرى خلال الساعات الأخيرة بات يتجاوز حدود المناورة.