هالة نهرا

ألبومان مرتقبان لجاهدة وهبة مع أحلام مستغانمي وساري وعيّاد خليفة

26 آب 2022

02 : 01

في غانت البلجيكية مع أوركسترا بروكسل للجاز
صوتها لا يُختصرُ بأوتار صوتية وأداءٍ غنائيّ حيّ ومسجَّل، بل يشكّل بنياناً مرصوصاً في خلاصته، وفي تجربتها بلفيفها وفي تراكمها. انسيابياً يتجلّى صوتها أيضاً في محطّاتٍ عدّة، مسدولاً على كتف الأغاني والقوالب الغنائية، مُسجّىً بشغفٍ فنّيٍّ كماءٍ شَرُوب يُصيِّرُ المتلقّي شَريبَهُ. صوت الفنانة جاهدة وهبه يوائم بين الطربيّ المقاميّ المشرقيّ العربيّ الأصيل في شقَّيْه الخفيف والثقيل أو الشعبيّ والنخبوي، والحداثيّ المعاصر المشرَّع على التجريب وحرّية البحث والتحليق والحفر والاستقاء والتلحين ومتفرّقاتٍ على أنوال مختلفة، والغربيّ في تنوّعه والعديد من ألوانه (الأغنية الفرنسية والجاز خلفيةً على سبيل المثال، وسواهما)، والصوفيّ، والدينيّ والدنيويّ، وغيرها.

حنجرتها بطاقاتها وبإمكاناتِ المزاوَجة بين المدوَّن أو المحفوظ والراسخ من جهة، وبين التصرُّف والتأليف الفوريّ الآنيّ المتأتّي عن انسجامٍ واندماجٍ في الحالة الموسيقية من جهةٍ أخرى، تُعرِّجُ على الارتجال وصولاً إلى التلحين الذي ثبّتَتْهُ وأطلقتْهُ. يصعب الفصل بين صوتها والمشمول الزاخر فيه. من حق أيّ شخص أن يحبّ جَرسَ صوتِها أي القماشة الصوتية (Timbre) أو أن لا يحبّه، ومن حقّ الذين يحبّونه كثيراً في العالم العربي والعالم أن يفضّلوا أغنيةً لديها على أُخرى أو نمطاً أو لوناً غنائياً على آخر، فهذه مسألة أذواقٍ وميولٍ فنية وهذا أمرٌ نسبيٌّ جداً في التلقّي. جمهور جاهدة كبير ورَاقٍ ومثقّف. في المحصّلة، موضوعياً لا يمكن عدم احترام هذا الصوت برصانته وعمقه، وقدراته الكبيرة وجرأته، ومدى تمرُّسه والثقافات التي يعكسها. صوتها جميلٌ وشجيٌّ ودافئ ودافق، ومطواعٌ ومُبتهِلٌ ومغرِّدٌ وصادح وقويّ وحنون في آن. هذا الصوت فريدٌ وذو شخصية، وجادٌّ ومجتهد وحسّاس، ولامعٌ وأنيق، ومتبحّرٌ ووثيرٌ وفَخْمٌ، يناجي القلب والمسامع، ويشفّ في أوج صلابته.



مع لطفي بوشناق في الرياض - السعودية



قالت جاهدة لـ"نداء الوطن" إنها خلال "فترة" كورونا وأزمة لبنان المستمرّة حتى يومنا هذا سجّلتْ ألبومَين، أحدهما يستكمل عملَها ومشروعها مع الروائية والأديبة والكاتبة الجزائرية المعروفة أحلام مستغانمي، وقد صدر منه ثلاثة أعمال لغاية الآن، وسوف يصدر كاملاً لاحقاً، علماً بأنها تُصدر الأغاني تباعاً عبر إطلاق واحدة كل فترة، فيما الألبوم الثاني بدأت بإطلاق بعض القِطَع منه وقد سجَّلتْهُ مع الأخوين ساري وعيّاد خليفة في فرنسا قبل الأزمة وقبل جائحة كورونا، وقد أصبح جاهزاً لإصداره كاملاً وسيكون بعنوان "ملح وظلال".

تعتبر جاهدة أنّ أغنيتها "لا تمضِ إلى الغابة" (نص الألمانيّ الكبير غونتر غراس Gunter Grass الحائز جائزة نوبل للآداب، من ألحانها، وترجمة الشاعرة أمل الجبوري، وتوزيع كلود شلهوب) شكّلت منعطفاً في حياتها، وجذبت الناس وهي حيّة في عملها ومطلوبة من قِبَل الجمهور، وبذلك تعدّها من أهم الأغاني التي أطلقَتْها. "حتّى الكبير غسان تويني رحمه الله تحدّثَ عنها، والشاعر الكبير أنسي الحاج كتب عنها معتبراً أنها من أهم الأعمال التي صدرت في الأعوام الأخيرة"، كما تقول لنا جاهدة.

من جهةٍ أخرى، تعتبر المغنية اللبنانية أن أغنية "أَنْجِبْني" (2007) وهي قصيدة طويلة (من كلمات مستغانمي، وألحان جاهدة، وتوزيع مايك ماسي) من أهم أعمالها على مستوى النضج في الألحان حيث استعانت بمقاماتٍ وتدثّرتِ الأغنيةُ بزخرفةٍ لحنية ولونية مختلفة جداً، وقد أحبّ المؤلّف الموسيقي الكبير عبدالله المصري أن يوزّعها للأوركسترا السِّمفونية، علماً بأنها قدّمتْها سابقاً في حفلات في بيروت وسواها. تجدر الإشارة إلى أنها صدرت في الأساس مع بيانو وتشيلّو (Cello).



في الاستديو مع الموسيقي ميشال فاضل


وأردفت جاهدة قائلةً: "كذلك أعتبر أنّ "ما طلبتُ من الله" (من كلمات أحلام مستغانمي وألحاني) التي صدرت العام الماضي هامّة جداً في مسيرتي وقد رُشِّحت لجوائز عدّة. تلحين المزامير والقِطَع الصوفية شكّلت تجربةً قيّمة تُقارَب بنفَسٍ ومناخٍ مختلفَين. أعتبر أنّني قد صرتُ رحبة البَاعِ في هذا المضمار، لا سيما أنني نبشتُ نصوصاً، لا لرابعة والحلّاج وابن الفارض وإبن عربي والكبار المعروفين فحسب، بل أيضاً لصوفيين لا يتمتعون بشهرة وقدّمتُهم غالباً بالصوت العاري من أيّ آلة موسيقية وأُقدّمهم في الحفلات بالصوت العاري حتى من أيّ تقنية بلا ميكروفونات. أعتبر أنّ العمل على هذه النصوص الصوفية شكّل محطّةً هامّة في حياتي. والأبرز أنني صرتُ طويلة الباع في العمل على القصيدة كيفما كان قالبها. بالفصحى أصبحتُ قادرةً على تفكيك مغاليق القصيدة بمعزل عن تركيبتها وقالبها، وقد تمظهر ذلك في التراكم مع العمر بعد قراءاتٍ كثيفة للشعر وبعد دخولي أمزجة القصيدة. معالجة القصائد موسيقياً بالألحان هامٌّ في حياتي. استطعتُ أن أُقرّب القصيدة بالفصحى إلى الناس".بين عامَي 2007 و2019 برزت ألبوماتٌ عدّة لها. نذكر هنا ألبوم "كتبتني" (2007)، علماً بأنّ كلمات الأغنية لأحلام مستغانمي وهي من ألحان جاهدة: "كتبتَني بالأثوابِ التي تنتظرُ مواعيدَها/ بالمواعيدِ التي تنتظرُ عُشّاقها/ بالعُشّاق الذين أضاعوا حقائبَ الصبر/ بالمطاراتِ التي نسيتْ أبجديّة بوّاباتها/ بالبوّاباتِ التي تفضي جميعُها إليك/ (...)/ بشوقِ الأرصفةِ لخطانا/ بشراسةِ القُبَــــلِ التي تفضّ اشتباكاتنا...".

كما أطلقت "نسيان. كوم" (أو "نسيان Com"، 2009، بصوت جاهدة لأحلام مستغانمي)، وألبوماً دينياً بعنوان "يدايَ ضارعتان" ("يدايَ ضارعتان إليك يا يسوع" ترنيمة، 2011، من كلمات وألحان الأب مارون أبي نادر، توزيع الأب فادي طوق). ثمّ في العام 2012 الألبوم الثلاثيّ الذي يضمّ "كتبتني"، إضافةً إلى "نسيان" وجديدها المتمظهر في "شذرات في الوجد"، وألبوم آخر أُطلق مع مجلّة "دبي الثقافية" (مختارات لجاهدة وهبة). بعد ذلك كان ألبوم "مزامير" (2013، ترتيل وتجويد من مزامير داوود، من ألحانها ومن إنتاج "سات 7") ثمّ ألبوم "شهد" (2014).

في عامَيْ 2015 و2016 تُرجمت أعمالٌ لإديت بياف إلى العربية وتهيّأت جاهدة لإطلاقها في ألبوم لم يبصر النور بعد بسبب مشاكل في الحقوق كما أخبرتنا المطربة اللبنانية، بينها "Non.. Rien de rien" التي غنّتها وهبة بكلماتٍ عربية ("لا.. ولا شي، لا، ما بِنْدَم عَ شي") بمرافقةٍ آليّةٍ على البيانو نفّذها ميشال فاضل الذي تولّى أيضاً مهام توزيعٍ جديدٍ ومبتكرٍ لأغاني بياف، وكان ذلك بالتعاون مع شعراء عرب وفرانكوفونيين. ثم توالى ألبومَا "تُرْجُمان الأشواق" (2018) و"أرض الغجر" (2019)، علماً بأنّ الألبومات المذكورة أعلاه قد سبقتها وتقدّمتها تسجيلاتٌ عدّة وإعاداتٌ لطقاطيقَ من العشرينات مع أغانٍ للعمالقة.



جاهدة في أغنية "يا اشتياقي إليك"




يُحسب لجاهدة اندفاعها الجليّ ومثابرتها وهي طويلة النفَس والأناة، وإصرارها على التقدّم والتطوّر المستمرّين وتوسيع آفاق التجربة في المسار. كما تُرفَع لها القبّعة على سباحتها عكس التيار والسائد والرائج والمنمذَج والمنمَّط راهناً عموماً في السوق الفنية العربية، وعلى نقش أثرها في سِجِلّ الأغنية العربية المعاصرة.


MISS 3