شيخوخة صحّية من رأسك إلى أخمص قدميك

02 : 00

الجسم يشبه الآلة: تكون جميع أعضائه متداخلة، لكن تتعطل أجزاء منه في نهاية المطاف. برأي الدكتور بيرندت كلاين غانك، طبيب نسائي ورئيس "الجمعية الألمانية لطب مكافحة الشيخوخة"، يشبه الجسم سلة التفاح حيث تؤثر تفاحة فاسدة واحدة على الحبات الأخرى. في عالم الطب، يُسمّى ذلك "التفاح الفاسد" خلايا الزومبي لأنها تشيخ وتتوقف عن الانقسام لكنها ترفض الموت. قد تُسبب هذه الخلايا بعد تراكمها جميع أنواع المشاكل، بدءاً من بقع الشيخوخة وصولاً إلى السرطان.

يبلغ عدد سكان العالم فوق عمر الخامسة والستين 727 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى مليار ونصف بحلول العام 2050. أمام هذا الوضع، يُحقق العلماء تقدّماً بارزاً في مجال علم الشيخوخة عبر تحسين تقنيات التشخيص وتطوير العلاجات. يتكلم كلاين غانك عن زيادة عدد الشركات الناشئة التي تحاول ابتكار أدوية لقمع الجزيئات المسيئة التي تفرزها خلايا الزومبي أو القضاء عليها مباشرةً، وقد انطلقت تجارب عيادية في الولايات المتحدة لاستهداف الشيخوخة بدواء الميتفورمين الذي يُستعمل لمعالجة النوع الثاني من السكري. بدأت هذه التجارب حين اكتشف الباحثون أن من أخذوا الميتفورمين عاشوا أكثر من غير المصابين بالسكري. حتى أن الدواء أعطى أثراً وقائياً ضد الخرف وأمراض القلب والسرطان في دراسات منفصلة.

لا تعني هذه المعطيات كلها أن العلم اكتشف ينبوع الشباب، بل إنه قد يفهم منبع الصحة الجيدة خلال خمس سنوات برأي كلاين غانك. ما الذي يمكن توقّعه إذاً مع التقدم في السن، وكيف يمكن الاستفادة من المعلومات المستجدة؟

المقر الرئيسي: الدماغ

يكون الدماغ مرناً وحذقاً في عمر الشباب، وقد يجد مسارات جديدة للتغلب على المناطق المتضررة بعد التعرض لجلطة دماغية. لكن مع التقدم في السن، تبدأ البيانات المخزّنة بالتراكــــم وتتراجع فاعليتها.

نتيجةً لذلك، قد ينشأ مرض الخرف الذي لا يزال غير قابل للعلاج. لكن اكتشف العلماء في السنوات القليلة الماضية أننا نستطيع درء آثار الخرف لفترة أطول إذا حافظنا على فضولنا وتابعنا تشغيل الدماغ.

يقول الدكتور جيرار نيسال بيشوف، اختصاصي في علم الأعصاب المعرفي في "معهد علم الأعصاب" في كولونيا، ألمانيا: "قد نتقن عملاً معقداً واحداً، لكن تتعلق أصعب المهام بتحدي الذات والقيام بنشاطات مختلفة، مثل التجول في مدينة غريبة أو إجبار القدمين على التنقل بطرقٍ غير مألوفة".

ثمة نبأ سارّ أيضاً للمرأة التي تتراجع دقة قدراتها العقلية بعد مرحلة انقطاع الطمث. تقول كاويمهي هارتلي، مديرة جمعية Menopause Health في "دالكي"، أيرلندا، إن "تشوش الدماغ" يكون مؤقتاً على الأرجح، إذ يتكيّف الدماغ في هذه المرحلة مع بيئة هرمونية مختلفة.

المحركات: القلب والرئتان

قد تقع النوبات القلبية في أي عمر، لكن تزيد نسبة الخطر لدى الرجال بدءاً من عمر الخامسة والأربعين، ولدى النساء بعد عمر الخامسة والخمسين، ويتعلق السبب عموماً بانسداد الشرايين بالكولسترول والصفائح وتراخي عضلة القلب التي تعجز عن ضخ الكمية نفسها من الدم.

يرتفع احتمال التعرض لجلطة دماغية كل عشر سنوات بعد عمر الخامسة والخمسين بسبب ضعف عضلة القلب أيضاً. ثمة نوعان من الجلطات: تقع الجلطة الإقفارية، وهي الأكثر شيوعاً، عند انسداد وعاء دموي كبير في الدماغ، أو تنجم الجلطة النزفية عن تمزق وعاء دموي في الدماغ. إلى جانب العمر، تبرز عوامل خطر أخرى مثل التدخين، وقلة الحركة، والبدانة. لكن يمكن تخفيض نسبة الخطر عبر تغيير أسلوب الحياة.

بالإضافة إلى العامل الوراثي، يُجمِع الخبراء على اعتبار التدخين أكبر تهديد على القلب والرئتين. قد يؤدي استنشاق خليط كيماوي سام أسخن من الحمم المنصهرة إلى الإصابة بداء الانسداد الرئوي المزمن وغير القابل للعلاج، أو أمراض القلب، أو سرطان الرئة. حتى أنه قد يرفع ضغط الدم الذي يبقى من أبرز أسباب التعرض للنوبات القلبية أو الجلطات الدماغية.

لا يفوت الأوان مطلقاً على الإقلاع عن التدخين لأن الرئة تستطيع إصلاح نفسها بدرجة معينة. تكون التمارين الجسدية مفيدة في هذا المجال أيضاً لأن الرياضة تُشغّل الرئتين وتُعمّق التنفس، فيضطر القلب لتسريع خفقانه لإيصال كمية كافية من الدم. تعطي هذه التمارين منافع مزدوجة إذاً.

نظام الصيانة: الجهاز البولي التناسلي

يكون سلس البول أثراً جانبياً شائعاً لدى الرجال والنساء في آن، وهو يشير إلى تسرّب كمية من البول أثناء الضحك أو الشعور بالحاجة إلى التبول فجأةً. تنجم المشكلة عن تراجع نسيج الكلى مع التقدم في السن، فتتأثر الوظيفة الكلوية. يمكن الاستفادة من تمارين بسيطة مثل شدّ وإرخاء عضلات قاع الحوض. كذلك، تسمح الأدوية بتهدئة فرط نشاط المثانة، منها كريمات الأستروجين الموضعية التي تسهم في تجديد الأنسجة الضامرة.

قد تترافق مرحلة انقطاع الطمث لدى المرأة مع أعراض مثل نوبات الحر، والتعرق الليلي، وتعكر المزاج، والأرق، وتراجع الرغبة الجنسية. لكن من الناحية الإيجابية، تبيّن أن الادعاءات المرتبطة بعواقب العلاج بالهرمونات البديلة لا أساس لها من الصحة.

تكشف أبحاث ومراجعات أخرى أن إعطاء العلاج بالهرمونات البديلة إلى النساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث أو بعدها مباشرةً قد ينعكس إيجاباً على القلب والأوعية الدموية ويُحسّن فرص النجاة.

تحسّنت طريقة إعطاء العلاج أيضاً، فقد أصبحت التركيبات متطابقة حيوياً مع ما ينتجه الجسم، وهي تُستعمَل راهناً على شكل هلام أو رذاذ يخترق البشرة، فيصبح العلاج أكثر أماناً وفاعلية.

في المقابل، قد يصاب الرجل بمشاكل في البروستات مع التقدم في السن. تبدأ هذه الغدة بالتضخم بوتيرة بطيئة في عمر الخامسة والعشرين، وهو وضع طبيعي. لكنها تتضخم بدرجة مفرطة بحلول عمر الخمسين، فتضغط على الإحليل وتزيد صعوبة التبول.

يشتبه الخبراء بتأثير التغيرات الهرمونية على هذه الحالة، لكنهم غير متأكدين من هذه الفرضية بعد. في مطلق الأحوال، يجب أن تستشير الطبيب حين تلاحظ أي تغيير لاستبعاد السرطان وتحديد الخطوات العلاجية اللاحقة.

إطار العمل: الجهاز العضلي الهيكلي

يحافظ الجسم على تماسكه بفضل العظام، والعضلات، والأربطة، والأوتار، والغضروف. لكن مع التقدم في السن، تبدأ هذه العناصر بالتفكك بسبب استنزافها المفرط. قد يبدأ الغضروف الذي يغلّف المفاصل بالتفتت مثلاً، ما يؤدي إلى الإصابة بالفصال العظمي. يستحيل عكس هذه الحالة لكن يمكن التحكم بها عبر تكثيف النشاطات الجسدية أو فقدان الوزن أو أخذ مسكنات الألم.

تحذر هارتلي من احتمال إصابة 50% من النساء فوق عمر الخمسين بهشاشة العظام، علماً أن المرضى لا يكتشفون وضعهم في حالات كثيرة. تؤدي هذه المشكلة إلى تراجع سماكة العظام وإضعافها، فتزيد مخاطر الكسور، أو يتراجع طول القامة، أو تتلاشى القدرة على التحرك.

لكن لا تنحصر هشاشة العظام بفئة النساء بعد مرحلة انقطاع الطمث، بل إنها تصيب ملايين الرجال أيضاً، حتى لو كانوا يتمتعون ببنية هيكلية أكبر حجماً ولا يمرّون بتغيرات هرمونية مفرطة. تذكر "المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها" أن 5% من الرجال في عمر الخمسين وما فوق يصابون بهشاشة العظام.

تبقى الوقاية أفضل حل في جميع الظروف. احرص إذاً على اختيار حمية صحية، ومارس تمارين رفع الأوزان لتقوية الكتلة العضلية، واخضع لفحص العظام. عند رصد أي مشكلة، قد يصف لك الطبيب أدوية لإبطاء فقدان العظام أو حتى وقف مساره.

مركز المعالجة: الجهاز الهضميتتراجع التغيرات المحتملة في الجهاز الهضمي، لكن تتباطأ عملية الهضم لأن المعدة تصبح أقل مرونة وتعجز عن استيعاب الكمية نفسها من الطعام. كذلك، يرتفع احتمال أن يصاب الفرد بدرجة من عدم تحمّل اللاكتوز، لأن الجهاز الهضمي يميل إلى إنتاج كمية أقل من أنزيم اللاكتاز الضروري لهضم مشتقات الحليب.

على صعيد آخر، تصبح قرحة المعدة شائعة بعد عمر الستين، وهي تنشأ حين تسيء العصارات الهضمية إلى بطانة المعدة. تتعدد العوامل الشائكة، منها الكحول والقهوة والتدخين. كذلك، تكون أعراض التجشؤ والارتجاع الحمضي شائعة في هذه المرحلة لأن المريء يصبح أقل تجاوباً. استشر الطبيب إذا استمرت هذه المشكلة لأنها قد تشير إلى مرض خطير مثل سرطان المريء.

أخيراً، قد يتطور الداء البطني حيث يطلق الغلوتين استجابة مناعية ويعيق امتصاص المغذيات في الأمعاء الدقيقة. كان هذا المرض يُعتبر في السابق حكراً على الأولاد، لكنه يزداد شيوعاً وسط الراشدين لأن أعراضه لا تتّضح قبل سنوات أحياناً. لا علاج لهذه الحالة لكن يمكن السيطرة عليها عبر إلغاء الغلوتين من الحمية الغذائية.

الغلاف الخارجي: البشرة

البشرة هي أكبر عضو في الجسم، إذ يتراوح وزنها بين 3.5 و10 كيلوغرامات. مع التقدم في السن، تصبح البشرة أقل سماكة ومرونة لأنها تخسر بروتينَي الكولاجين والإيلاستين المسؤولَين عن نعومة الجلد. من الأسهل أن تتضرر البشرة ويتباطأ شفاؤها نتيجة تباطؤ الدورة الدموية أو بسبب تراجع إنتاج الهرمونات لدى النساء. كذلك، تظهر بقع شيخوخة بنّية لدى معظم الناس. تنجم هذه البقع عن أضرار الشمس وقد تُسبب سرطان الجلد، لذا يجب أن يتنبه الجميع إلى ظهور أي شامات جديدة، أو تغيّر الشامات القديمة، أو نشوء بقع متقشرة أو نازفة أو مليئة بالقيح. برأي كلاين غانك، تشبه البشرة الدماغ لأن تراكم المخلفات الميكروبيولوجية عليها (بسبب التلوث، وأشعة الشمس، وعوامل أخرى) يؤثر بقدرتنا على الشفاء ومحاربة الأمراض.