بشارة شربل

إلى "نواب التغيير": إحفظوا أمانة "17 تشرين"

29 آب 2022

02 : 00

لم يعد لائقاً أن ينشغل القارئ بتفاهات بعبدا والسراي ولا بصغارات المرجعيات المتآمرة على سيادة البلاد ولقمة عيش الفقراء. صار معيباً أن نناقش هل يخرج ميشال عون من القصر وكيف سيدير نجيب ميقاتي الفراغ، هو أمرٌ مثير للغثيان.

هذه الحفرة التي أوصلتنا إليها "المنظومة ـ العصابة" لم تكن بلا مقدمات، ولذا كانت ثورة 17 تشرين إعلاناً صارخاً بأنّ زمن الاستكانة والعضّ على الجراح لا يليق بشعب لبنان.

صحيحٌ أن "الثنائي الشيعي" نجح بالقوة في منع اسقاط النظام، وحال دون قلب الموازين لمصلحة استعادة الدولة من منتهكي سيادتها وناهبي مواردها وسارقي أموال مواطنيها، لكنّ نتائج الانتخابات جاءت لتقول إنّ باب الأمل سيبقى مفتوحاً مهما حازت قوى الممانعة الرجعية من مقاعد نيابية واستخدمت من ضغوطٍ وأدوات.

ولأننا راهنَّا على الشباب اللبناني منذ لحظة انتفاضه في 17 تشرين، وكنا السبَّاقين في مانشيت "هيدي ثورة" في ثالث يوم احتجاج، وواجهنا بالكلمة الجريئة والحرة كلّ أدوات القمع الرسمية والميليشيوية بلا لبس ولا "... ولكن"، ولم نتردّد في تحريض الناس على انتزاع حقوقها بالوسائل كافةً معتبرين ألا شرعية فوق شرعية الثورة، نجيز لنفسنا مطالبة "نواب التغيير" تحديداً ألا يقفلوا الكوّة التي فتحتها تضحيات شهداء الثورة، والعيون التي أطفأتها قوى "الثورة المضادة"، ومئات آلاف الأصوات التي صبَّت في صناديق الاقتراع بمختلف الدوائر وفي الاغتراب.

نطالب نواب التغيير الـ13، وهم على أبواب إعلان مبادرة نرجو أن تكون "شافية ووافية"، التعامل مع الاستحقاق الرئاسي كفرصةٍ تاريخية تتيح تعديل موازين القوى لمصلحة إنقاذ البلاد من محاولة "المنظومة" تكرار جريمة مشابهة لانتخاب ميشال عون، عبر تنصيب شبيهٍ له في الولاء يعلّق البلاد ستّ سنواتٍ أخرى على مشجب الصراع الاقليمي، ويفسح في المجال لاستكمال تذويب الدولة لمصلحة مشروعٍ لا يشبه إلا أصحابه والمستفيدين منه على حساب لبنان.

لا يحتاج "نواب التغيير" الى نصائح، لكن لا بد من تذكيرهم بمبدأ بسيط في العمل السياسي، هو تحديد التناقض الرئيس والثانوي، وعلى هذا الأساس يمكن مدّ اليد أولاً الى كلّ من يتشاركون معهم مبدأ سيادة الدولة ووحدانية سلاحها، قبل تضييع الوقت في حديث الاصلاحات واللف والدوران.

لا أحد يطالب التغييريين باختيار مرشح رئاسي يناصب "حزب الله" وحلفاءه العداء. وحلم أكثرية اللبنانيين التوافق على رئيس ينتخب بالإجماع، لكن أمام استحالة هذا الحلم عليهم الامتناع عن اقناعنا بمرشحٍ وسطي لإدارة الأزمة، بل اختيار شخصية وازنة وشجاعة وحاسمة في رؤيتها لمستقبل الدولة، لأن المدخل الى أيّ انقاذ لوحدة لبنان واقتصاده والى الخروج من الانهيار هو وقف الكذبة القائلة بإمكان المزاوجة بين الاستقرار والولاء لمحورٍ خارجي، والتي انتهت تجربتها الى أكثر من مأساة.

نعلم ان المبادرة ستشدّد على الخروج من الاصطفافات وعلى السلطة القضائية المستقلة وغيرها من الإصلاحات، لكن "مرتا مرتا... تقولين أشياء كثيرة والمطلوب واحد": رئيس شهم، ندعمه لو تعهَّد فقط بإقفال معابر التهريب والسلاح.

هذا حقنا على نواب التغيير وحقّ ثورة 17 تشرين والذين أوكلوهم وحمَّلوهم الأمانة في كل مكان، وهؤلاء قالوا بوضوح في الشارع وصناديق الاقتراع ألّا فصلَ بين السيادة والاصلاح، ولم يقترعوا ضد "المنظومة" ليقبلوا بالمساومة على الديموقراطية والحرية خوفاً من فراغ.


MISS 3