«طارت» مناقصة التلزيم التي أطلقتها مؤسسة كهرباء لبنان لتقديم الخدمات الكهربائية ضمن حدود نطاق إمتياز زحلة السابق. فالمهلة القصوى التي حدّدتها المؤسسة بـ 26 آب لتقديم الطلبات إنتهت من دون أن يتقدم أحد بعرض، ولا حتى الإدارة الحالية لشركة كهرباء زحلة المتمثلة بأسعد نكد. وبالتالي عادت النقاشات الى نقطة الصفر، حول ما يمكن أن يؤول إليه مستقبل الكهرباء في مدينة زحلة و16 بلدة بقاعية تستفيد من نطاق خدمة الشركة. وكل ذلك بظل مرحلة إستثنائية تمرّ على الشركة الواقعة تحت تأثير تداعيات الإرتفاع الجنوني لسعر الدولار، فقدان التغذية بشكل شبه كامل من مؤسسة كهرباء لبنان، وعدم الإستقرار بتوفير مادة المازوت. وقد باتت لتراجع كميات هذا المازوت في السوق اللبنانية إنعكاسات دراماتيكية على ساعات التغذية الآخذة بالتراجع يومياً في نطاق التغذية، ما يفقد الشركة يومياً الغطاء الشعبي الذي لطالما تمتّعت به للمطالبة بالتمديد لخدماتها في السنوات الماضية.
إلا أنّ «طيران» المناقصة لم يكن مفاجئاً، فقد أعقب مرحلة من جدل أثارته مؤسسة كهرباء لبنان من خلال الإعلان عنها قبل أيام من دخول قانون الشراء العام حيز التنفيذ، وبعد اعتراضات على دفتر شروطها، الذي وصف بأنه مفصّل على قياس إدارتها الحالية، حتى من حيث تحديد عدد المولّدات التي يجب توفرها لتأمين التغذية، وهو ما دفع برئيس هيئة الشراء العام لإصدار توصية بإلغاء المناقصة، معلّلاً السبب كما جاء في التوصية بـ»الحرص على تأمين الشفافية والمنافسة وتكافؤ الفرص، وعلى نجاح هذه المناقصة العالمية». إلا أن مؤسسة كهرباء لبنان لم تعلق على التوصية، ومضت بفتح باب تسجيل العروض حتى آخر مهلة حدّدتها في 26 آب، وكانت النتيجة عدم تقدّم حتّى الإدارة الحالية للشركة بعروضها.
وفقاً لمطلعين، فإن عرض الشركة كان حاضراً، إلا أن المعنيين فيها تريّثوا حتى اللحظات الأخيرة، ترقباً لعروض أخرى مقدمة، خصوصاً ان لا مناقصة من دون تقديم ثلاثة عروض على الأقلّ، فيما تقول المصادر ان لا دفتر الشروط، ولا الجدل الذي أثارته المناقصة بظروف إطلاقها ودفتر شروطها أمنا الجوّ الملائم لتقدّم المستثمرين في هذا المجال.
ولكن السؤال الذي بات على كل لسان زحلي وبقاعي حالياً، ماذا بعد إلغاء المناقصة؟ وأيّ مستقبل ينتظر المستفيدين من نطاق شركة كهرباء زحلة؟ فرغم كل الملاحظات التي يبديها البقاعيون على فاتورة الكهرباء المرتفعة وعلى تزايد ساعات التقنين، فإن أحداً لا يرغب في أن يضع مستقبل الكهرباء في زحلة ونطاقها بأيدي دولة فشلت بإدارة ملف الكهرباء منذ زمن بعيد. فهل يصيب زحلة ونطاق شركتها ما أصاب الأراضي اللبنانية عموماً من عتمة شاملة، خصوصاً أن عقد الشركة ينتهي في نهاية العام الجاري؟ للمرة الأولى منذ تواجههما بملف الكهرباء، يتفق النائبان جورج عقيص وميشال ضاهر على رأي واحد حول المرحلة المستقبلية. فيرى عقيص في دردشة مع «نداء الوطن» أنه «إلتزاماً بالقانون الساري، هناك إلزامية للدعوة من أجل إقامة مناقصة ثانية، وهذه المناقصة ستكون خاضعة حتماً لقانون الشراء العام وتحت إشرافها.
وبالتالي ستجري بموجب القواعد الجديدة المنصوص عنها بهيئة الشراء العام، والتي تضمن الشفافية والعالمية والتنافسية، وهذا ما يطمئن أكثر، وهذا برأينا من مصلحة زحلة والزحليين الذين سيستفيدون من الأمر». ويتابع عقيص «إذا حصلت هذه المناقصة ضمن مهلة الأشهر الأربعة المتبقية من عقد الإدارة الحالية كان به، وإذا لم تحصل فنحن مضطرون لإصدار قانون تمديد لإبقاء الوضع على ما هو عليه، بانتظار تهيئة الأجواء المناسبة لوضع دفتر شروط جديد لمناقصة جديدة. وسنطلب سواء بالقانون أو من هيئة الشراء العام أن يكون هناك كمية من الإنتاج بالطاقة البديلة بمعدل لا يقل عن 25 ميغاواط وبتركيب العدادات الذكية بالكامل، ونريد net metering لمصلحة الناس».
وبالتالي لا يخشى عقيص على مستقبل الكهرباء في نطاق امتياز زحلة السابق، الذي يطالب كما ضاهر أيضاً بتوسيعه، ليشمل قرى بقاعية أخرى موجودة في القضاء ولا تستفيد حالياً من خدمة شركة كهرباء زحلة، وإنما يعتبر أن القلق الحقيقي هو من «طيران» سعر المازوت عالمياً وفقدانه وتهريبه الأمر الذي ينعكس مباشرة على فاتورة المواطن. ويتوافق عقيص مع ضاهر على ضرورة تقديم إقتراح قانون من أجل التمديد لعقد الإدارة القائمة حالياً لمدة كافية، حتى تجري المناقصة وتنتقل المهمة لمن سترسو عليه مستقبلاً. أما إذا لم تحصل المناقصة خلال فترة الأشهر الأربعة المتبقية، فيعتبر ضاهر أن الإدارة الحالية ملزمة بمتابعة تسيير المرفق العام.
وفي اتصال مع «نداء الوطن» يؤكد ضاهر أن أحداً لم يتقدم للمناقصة، لأن دفتر الشروط لم يكن قابلاً للتطبيق، إلا من قبل الشركة الحالية». ويصرّ على أهمية أن تضع المناقصة المستقبلية دفتر شروط آخر، يأخذ في الإعتبار أهمية تخفيض الفاتورة على المواطنين، متوافقاً مع عقيص أيضاً على كون المشكلة الحقيقية هي في ارتفاع كلفة الإنتاج بالمازوت. إلا أنّه خلافاً لحماس ضاهر فإن عقيص يفضّل التريث ببت مسألة الإعتماد على الفيول أويل في توليد الكهرباء، ويفضل صدور رأي مشترك عن وزيري الطاقة والبيئة حول التأثيرات البيئية والصحية التي يمكن أن يتسبب بها، خصوصاً أن البعض يربط سعره الرخيص بأضراره البيئية.
وموقف عقيص مقرون بحملة إفتراضية شنّت على اقتراح ضاهر باستخدام معامل تنتج الكهرباء بواسطة الـheavy fuel، وقد استخدمت الحملة صوراً عن التلوث الناتج عن معمل الذوق، فرأى ضاهر أن تلوث الذوق ناتج عن قدم المعمل وليس عن استخدام مادة الفيول. ولكن ماذا إذا أبدت الإدارة الحالية عدم رغبتها بمتابعة مهمتها في الوقت المستقطع بين انتهاء عقدها وإعداد المناقصة الجديدة وانتقال المهمات؟ تؤكد المصادر المتابعة أن الشركة ملزمة بإدارة هذا المرفق، كونه يتعلق بمصلحة عامة، وإذا كانت النيابات العامة تتحرك عند إطفاء مولدات الأحياء في بيروت، فإنه لا يمكن أن يسمح بحرمان عشرات آلاف المكلفين من الكهرباء، وإلا فإن البلديات ملزمة بالتدخل لوضع يدها على المولدات وتأمين سبل تشغيلها بأي وسيلة، ريثما يرسو العقد على مشغل جديد.