بشارة شربل

مرارات آخر الدفاعات

3 أيلول 2022

02 : 00

عزيزةٌ على المواطن اللبناني كل القطاعات المصابة بفعل الأزمة التي تعانيها البلاد. فتحسُّره على ما آلت اليه لم يعد يفرِّق بين قطاع مصرفي متهم بالآثام وبين ودائع منهوبة، ولا بين طرقات تستدرج موت السائقين والعابرين وبين انعدام الكهرباء وتلاشي خدمات الانترنت.

ومع أنه بات يصح فينا قول المتنبي "... ما لجرح بميت إيلامُ"، فإنه يحزُّ في النفس تداعي آخر الدفاعات وأهمها مطلع أيلول مظاهر "العودة الى المدارس" في دول العالم مع ما يرافقها من نقاشات في الدول المتقدمة (واسرائيل تحديداً) تتعلق بالمناهج ومواءمة البرامج مع تقدم التكنولوجيا وحجم الحقيبة المدرسية، فيما مدارس لبنان تنازع من أجل البقاء، والحظوة التعليمية تقتصر على "أقلية ناجية" من مفاعيل الانهيار، من غير أن ننسى تقرير "اليونيسف" الأخير عن عجز نصف اطفال لبنان حتى سن التاسعة عن الالتحاق بالمدارس هذا العام.

ليست الكارثة التربوية التي تعانيها المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية الجريمة الوحيدة التي اقترفتها المنظومة الحاكمة. ففي سجلها كمية من الارتكابات سئمنا من تكرارها، وما انهيار التعليم العام الا إحدى نتائج التغول في الفساد والإفساد وتغييب المحاسبة. لكن خصوصية جريمة القطاع التربوي هي أنه ليس طريقاً يمكن إصلاحها بردم الحفرة، ولا حسابا بنكياً يمكن تغذيته بالكاش. ذلك أن الضرر المتمادي في التعليم ينعكس سنوات طويلة ليس في جودة المخرجات التعليمية فحسب، بل على مستوى تقدم المجتمع ككل، ابتداء من البطالة وصولاً الى مستوى الجريمة ونوعية القيم الانسانية والوطنية.

المخزي في المشهد العام، هو إصرار نصف الشعب اللبناني على الاقتراع لمن أغرقه في الحفرة، ومتابعة الآلاف رفع القبضات تأييداً لزعامات وأحزاب كانت لها اليد العليا في التسبب بالهدر وإجازة الديون والامتناع عن ممارسة الرقابة وتحويل اللعبة الديموقراطية الى أحابيل فئوية وألعاب خفة. أما المهزلة فأبَت إلا ان تتجسد قبل أيام بوزيرين تافهين مسؤولين عن الكهرباء والشؤون الاجتماعية وجدا الوقت لإلقاء الحجارة على الحدود والتعبير عن ذمية معلمهما، فيما تغرق البلاد في العتمة وتنام عشرات آلاف العائلات بمعدات خاوية.

لا ينتهي حديث المرارات مهما توالت المصائب. فها هو السلك الدبلوماسي قيد التدمير بحجة ضيق ذات يد رياض سلامة تجاه نافذة لبنان على العالم، فيما حنفيته لم تتوقف عن تروية كل ما يمكن تهريبه الى سوريا أو يفيد كارتيلات أو يحقق منافع شركاء ثلاثين عاماً من المخالفات.

ليس التمثيل الدبلوماسي اللبناني مجرد سفارات وقنصليات يمكن تقليصها واختصار مصاريفها، إنه بعض القليل الذي تبقَّى للبنان، وبعض الإرث المحترم للادارة اللبنانية. في ضربه مصلحة لمن يريد لبنان شبه دولة، سياستها يديرها المحور الاقليمي، وعنوان دبلوماسيتها حصار موهوم ونظريات مؤامرة مريضة. أما مصلحة لبنان الفعلية فتكمن في أولوية استمرار عمل السفارات وحفظ كرامة الموظفين والدبلوماسيين في الخارج لنؤكد أننا دولة على قيد الحياة بين دول مستقلة تستحق المساعدة والاحترام، ولسنا ساحة سائبة تتلهف لـ"توحيد الساحات"!            

MISS 3