مجيد مطر

الرئاسة الثالثة ولعنة أم الصبي

5 أيلول 2022

02 : 00

في كل مرةٍ كان يضعُ فيها الرئيس سعد الحريري يده على صدره، متعهداً أن يتصرف كأم الصبي، كانت الأفئدة تشخص الى الله بالدعاء: «سترك يا رب»، لنقع جميعُنا على نتيجةٍ مؤلمةٍ: التضحية بالأم والصبي معاً.

أساسُ السياسةِ التسويات، التنازل هنا، للكسب هناك. لا ربح باستمرار، ولا خسارة باستمرار، قليل من هذا وذاك كي تستقيم الأمور، وتبقى العبرة الفاصلة في الموضوع، متى وأين ولمن نقدم التنازلات، ومع من نعقد الاتفاقات، ونجري التفاهمات. الأخطاء التي ارتكبها الرئيس الحريري، مع التأكيد على حسن نيته، تكمن في أنه كان يتنازل لفريق يشبه «الغول» الذي كلّما قدم له تنازلاً، يلتهمه مع طلب المزيد. التنازل تلو الآخر، ولم يحصد الحريري سوى الخيبات المتتالية والمجانية.

لقد عقد تسويةً رئاسية تنازل حيالها، دون أن يحسب خط الرجعة. إنها التسوية التي غيّرت سعد الحريري، فضحّى بكل شيء، حتى بأقرب الأصدقاء. أغلق مسامعه على كل نصيحة، ليجد نفسه وحيداً في وسط المحيط بلا وسائل أمان. خسر في الداخل والخارج، فتمّ الاستفراد به من قبل «حزب الله» والتيار العوني، وكانت خطوة القبول بقانون الانتخاب الحالي بمثابة ثالثة الأثافي، فبدا حينها كمن لا يكتفي بتقديم رقبته للذبح، بل قدّمها مع السكين.

لقد تنازل في الوقت غير المناسب، وللأطراف غير المناسبين، الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مصالح الدولة والشعب.

لقد تحولت عبارة أم الصبي الى شعارٍ ممجوج. صار مرادفاً للخسائر المجانية، حيث عجز الحريري عن التمييز بين الليونة والرعونة التي طبعت سنوات حكمه، والتي أهدر فيها التراكمات السياسية، المنجزة عشية خروج الجيش السوري من لبنان.

وموقع الأرجحية الأخلاقية التي كانت لصالحه، لم يفده في شيء. كيف يكون العكس، إذا كان هو نفسه قد ذاب في تلك التسوية، كما يذوب الملح في الماء، فأصبح بلا لون ولا شخصية، امام جبران باسيل الذي تحكّم به، وبكل مفاصل الحكومة، تشكيلاً وانعقاداً، وما فرض توزير شخصيات سنية من خارج المستقبل، علاوة على تعطيل جلسات الحكومة، إلا دليل بسيط من الدلائل الجمة التي تؤكد استلاب واستسلام سعد الحريري للثنائي: «حزب الله» والتيار العوني.

لم ينصتْ لنصائح العقلاء، أصحاب التجربة الرصينة. لا نصيحة الرئيس فؤاد السنيورة أتت بنتيجة، ولا نصائح الرئيس بري التي تساوي ألوفاً من الجمال الاصيلة، قد فطنها. إنه الإصرار على السير بتسوية، قادتنا الى ما نحن عليه من بؤسٍ واضمحلال.

فهل ما قام به الرئيس سعد الحريري، هو قدر الرئاسة الثالثة التي يقع عليها الغرم دون أن تكون شريكاً في الغنم؟ فالجماعة العونية على سبيل المثال لا الحصر، تنسب الى الرئيس عون الفضل في إطلاق معركة «فجر الجرود» التي خاضها الجيش اللبناني بشجاعة واحتراف ضد الإرهابيين في الجرود البقاعية، مع أن الرئيس سعد الحريري قد أدّى دوراً مهماً في دعم الجيش دعماً غير محدود، وخاطر بنفسه حين طاف في مروحية عسكرية ليكون الى جانب الجيش وقائده في خضم تلك المعركة.

أما التهاون، فهل هو نتاج سلوك من يشغل ذلك الموقع، الذي يقدّمُ التنازلات ولا يتمسك بصلاحياته المنصوص عنها في الدستور؟ فكيف يمكن أن يُفرض على رئيس الحكومة تشكيلة وزارية، ثم يتحمل وحده وزر أدائها، ونتائج سياساتها. تلك والله قسمة ضيزى!.

ما يرشح راهناً عن قرب تشكيل الحكومة، حيث يقول البعض إن الرئيس ميقاتي قد يتنازل في كثير مما كان يرفضه عشية تقديم تشكيلته الحكومية للرئيس عون، كي يسهّل تشكيل حكومة تنال ثقة مجلس النواب، بدلاً من حكومة تصريف أعمال يصرُّ البعض تجاوزاً، على أنها لا يمكن أن تمارس صلاحيات الرئيس وكالة عند خلو سدة الرئاسة.

لقد برزت فعاليّة التحالف بين «حزب الله» والتيار العوني دائماً ضد موقع رئاسة الحكومة، فقد هشّموها تهشيماً، وعلى ما يبدو سيعيدان السلوك نفسه، لابتزاز الرئيس ميقاتي الذي حتماً، سيُجبر أن يحذو هو الآخر، حذو الرئيس سعد الحريري، ليؤدّي دور أم الصبي، فحبّذا من يذكّره أننا، والواقع خير دليل، قد دفنّا الأم والصبي معاً، حيث ستقبل التعازي في كل أرجاء هذا الوطن التعيس، الذي لن نرضى عنه بديلاً.

(*) كاتب لبناني


MISS 3