بشارة شربل

"أمن الدولة"... و"لامركزية" التعذيب

5 أيلول 2022

02 : 00

غير صحيح ان وفاة اللاجئ السوري بشار عبد السعود لدى "أمن الدولة" في تبنين جريمة عنصرية، أو هي تعبير عن سلوك دولة بوليسية تعتقل وتعذب، أو منهجية يمارسها جهاز أمني بطاش. بل، على العكس من ذلك، فإنها ناجمة عن هشاشة الموقوف وتحلل الجهاز وضعف مركزيته ومهنيته وتوزع الولاء لدى عناصره تماشياً مع تفكك الدولة.

هي جريمة ضد انسانية انسان، بشعة ومدانة بكل المعايير. ورغم أنها فعلة عنصر أو حفنة عناصر ولم تتم بتوجيه، فإن ما يتيح المطالبة بحل الجهاز هو أننا لم ننسَ بعدُ قضية زياد عيتاني وما عاناه لجرم لم يرتكبه، علماً انه كان سعيد الحظ بالتضامن العائلي والمذهبي وتناقضات الأجهزة، فانتهى الى انتزاع حقه بالحرية والبراءة.

لا مفر من تحقيق شفاف في الارتكاب الشنيع. فحتى الانتماء الى "داعش" لا يشكل مبرراً للتعذيب واستخدام أساليب تدينها الأخلاق وشرعة حقوق الانسان، ولا تجيزها إلا أنظمة تيوقراطية أو عسكرية أو جمهورية ــ مافيوية تمارسها عموماً بحق المعارضين السياسيين.

لم يتم تعذيب بشار عبد السعود لأنه سوري، لكن وضعيته كلاجئ شكلت عنصر استضعاف إضافياً طمأنَ المحقّق المتوحّش الى أن لا سَنَدَ أهلياً للموقوف ولا طرف حزبياً أو عشائرياً أو طائفياً يمكن أن يثأر له أو يُسائل من يتجاوز الأصول في انتزاع الإعترافات بحق أحد الموالين أو الأتباع.

قتل بشار جريمة أمنية لامركزية يتحمل مسؤوليتها في النهاية جهاز "أمن الدولة" كله. لكن أبعد من محاسبة المرتكبين، إشكالية أن الجهاز نفسه أُنشئ ليتبع طرفاً في المنظومة مُعوِّضاً المسيحيين "مُلكاً مضاعاً" في "الأمن العام"، أي وفق منطق الرئيس بري المأثور "ع السكين يا بطيخ"، ومن ثمَّ جرى تفريع المحاصصة الشنيعة داخل هذا الجهاز ليتشظّى الولاء على الطائفة والمذهب والمنطقة وقوى الأمر الواقع.

لا غرابة في أن يشعر بالاستقواء والارتياح من كان مستزلماً لقادر يحميه من الحساب، فيزاوج شرعيته الأمنية الرسمية المحفِّزة للعنف مع ميليشيوية ولائه لينجم عنهما مزيج فاشي عار قابل للقتل أو التزوير واستخدام المزور، والأمثلة كثيرة عن تحوير وقائع حوادث في المفارز والمخافر مرفقة بتقرير طبيب شرعي منزوع الضمير، ومنها على سبيل التذكير تحويل ضحية رصاص ابتهاج طائش الى ارتطام رأس بحافة الشرفة.

ما يصح على "أمن الدولة" في شأن تشكيل مراكز قوى داخل الجهاز يجب ألا يصح على غيره من الأجهزة، مع فارق أنها أكثر مهنية وفعالية وأقل تسييساً وليست أداة طيعة لتنفيذ أوامر وخزعبلات "العهد القوي"، لكنه ينطبق تماماً على المحكمة العسكرية التي انتفخ سجلُّها بما يجعل التأخير بإلغائها أو حصر اختصاصها جريمة بحد ذاتها.

نعلم أن الدولة كلها "خربانة" وأن المنظومة الحاكمة أجرمت بحق كلّ اللبنانيين بلا استثناء، وأنها تمنع تحقيق العدالة عبر حماية المشتبه بهم في تفجير مرفأ العاصمة في 4 آب، لكن لا يجوز على الإطلاق تعميم اللاعدالة والتهاون بتعذيب موقوف، مهما كانت الأسباب واختلفت الجنسيات.


MISS 3