مريم سيف الدين

المنظّمون يشكون سوء أوضاعهم المالية والرعاة يبتعدون

مهرجانات صيف لبنان أصابها التقشّف أيضاً

4 تموز 2019

18 : 07

هي سياسة "التقشّف" تكشف وهن كل القطاعات بما فيها المهرجانات. فمهرجانات صيف 2019 ليست بخير هذا العام، وبعضها أُلغي. وتشير الأرقام إلى انخفاض نسبة مبيع البطاقات مقارنة بالأعوام الماضية إذ لم تتخطّ الـ50 بالمائة حتى آخر حزيران، وتتقاطع معلومات مستقاة من وزارة السياحة ومن متعهدي ومنظمي المهرجانات لتؤكد كلها أن وضع المهرجانات سيئ جداً هذا العام، حتى قبل وقوع حادث يوم الأحد .
وحدها مهرجانات الأرز لم تتأثر بالأزمة. وبيعت كل بطاقات الحفلة التي أحياها مساء السبت الماضي المغني العالمي أندريا بوتشيلي، والبالغ عددها 6500 بطاقة، على الرغم من أنها الأغلى. إذ بلغت أسعاربطاقاتها في الصفوف الأمامية 350 دولاراً، وعرض بعضها في "السوق السوداء" بأسعار أغلى. لكن أسعار البطاقات لا تعدّ مرتفعة إذا قورنت بكلفة الحفلة، وقيل إن بوتشيلي تقاضى مبلغ مليون دولار لقاء حفلته اليتيمة. وبمقابل الترف الذي تعيشه مهرجانات الأرز، غابت مهرجانات ذوق مكايل، غلبون، بيت مسك ومهرجان عمشيت ومهرجان جونية (الذي تنظمه البلدية) لأسباب متعلقة بالتمويل. وهي مهرجانات كانت تستقدم فنانين أجانب إلى جانب النجوم المحليين.


الأعباء المالية تخنق المهرجانات
عوامل عدة، سبقت الأحداث الأمنية الأخيرة، وأدت إلى ضرب المهرجانات هذا الصيف. فسياسة التقشف الحكومية انعكست تقشفاً في البرمجة وبخلاً في التقديمات حتى الإعفاءات التي كانت تشمل الضرائب على تأشيرة دخول الفنانين ألغيت، فجرت معاملتهم كما يعامل موظفو الشركات التجارية، ما رفع الأكلاف. لكن الضربة الأقسى جاءت من رعاة المهرجانات ( مصارف وشركات تجارية ) فخفّضوا مساهماتهم المالية بنسبة تتراوح بين 50 و70 بالمائة. فالمصارف غير متحمسة لصرف الأموال على حفلات فنية وهي تستشعر أن المرحلة المقبلة لشدّ الأحزمة لا للـ"بعزقة". ويتخوف متعهدو بعض المهرجانات من عدم الحصول على كامل المبالغ التي وعدوا بها سواء من الرعاة التجاريين أو من الجهة الرسمية، أي وزارة السياحة، التي خفضت موازنتها وتقديماتها للمهرجانات وأبقت المساهمات معلّقة إلى حين انتهاء المهرجانات ولسان حالها "العين بصيرة واليد قصيرة". يضاف إلى هذه العوامل، خيبة التوقعات، فحتى الآن لم تأت حركة السواح السعوديين بالحجم المتوقع، على الرغم من رفع الحظر عن سفرهم إلى لبنان. . فالخليجيون يعدّون من جمهور المهرجانات الأكبر، يليهم الأوروبيون ثم اللبنانيون المغتربون ويأتي في المرتبة الأخيرة من حيث المشاركة اللبنانيون المقيمون. وجاءت المنافسة بين منظمي المهرجانات والتضارب في مواعيد الحفلات لتزيد من حدة الأزمة أكثر فأكثر. فمعظم الفنانين يفضلون إقامة حفلاتهم خلال عطلة نهاية الأسبوع، ما يصعب على وزارة السياحة محاولة تنسيق البرامج بين مختلف المهرجانات، لتخفف من حدة المنافسة. علّ ذلك يسمح للسائح حضور أكثر من مهرجان في خلال زيارته إلى لبنان، إذ يتعذر عليه الوجود في مكانين في آن، وإن رغب بذلك.

محاولات لتجاوز الأزمة
ولمواجهة أزمة ضعف الإقبال عمد بعض منظمي المهرجانات إلى تقليص مساحات المدارج، وخفض عدد الكراسي إلى الثلث كما انعكست الأزمة المالية المتعددة الجوانب ضعفاً في البرمجة، وأثّرت على نوعية ضيوف المهرجانات خصوصاً العالميين منهم. وعلى الرغم من كثرة الحديث عن دعم الدولة لهذه المهرجانات، خصوصاً تلك المحسوبة على زوجات السياسيين، غير أن مصدراً في وزارة السياحة يؤكد أن الدعم يبلغ نحو 3 مليارات ليرة لبنانية، موزعة على نحو 40 أو50 جمعية، "ليست كلها لزوجات السياسيين". وفي مقارنة بين حجم الدعم المقدم من وزارة السياحة لصالح المهرجانات، وبين كلفة استقدام بوتشيلي، نجد أن بوتشيلي بمفرده قد تقاضى ما يوازي نصف الميزانية التي تعترف الوزارة بمنحها إلى بعض الجمعيات المنظّمة للمهرجانات.


هذا الدعم لا يعدّ خسارة، فبدورها تعود المهرجانات على الدولة بأرباح تفوق حجم الدعم. لأن ما تبلغ نسبته 33% من أسعار البطاقات، يدخل إلى خزينة الدولة من خلال الضرائب. ضرائب ترهق ميزانيات المهرجانات ، وكذلك يخفّ إقبال الجمهور المحلي على شراء بطاقات في المقاعد الأمامية فتذهب إلى "المعازيم"، ويكتفي بحجز المقاعد الأدنى سعراً.
ولا تكشف وزارة السياحة عن آلية توزيع مساهماتها، ولا المعايير التي تستند إليها. في هذا الإطار يؤكد مصدر في وزارة السياحة لـ "نداء الوطن" أن "لا شيء يلزم وزير السياحة المساهمة المالية في المهرجانات، فالمساهمة هي منحة تخضع لتقديرات الوزير. والمعايير المتبعة هي الحسابات السياسية الداخلية لكل وزير واعتباراته. ولزوجات السياسيين جمعيات تلقى الدعم، وهي في ظاهرها لا تهدف إلى الربح، لكنها تربح من تحت الطاولة".


مشروع جديد لتنظيم آلية دعم المهرجانات
وفي جديد وزارة السياحة أنها تحاول اليوم تغيير هذا الواقع. فقد أرسل بتاريخ 21 حزيران، مشروع مرسوم "آلية إعطاء المساهمات والمساعدات لغير القطاع العام في وزارة السياحة" إلى مجلس شورى الدولة لإبداء الرأي فيه، تمهيداً لعرضه أمام الحكومة لإقراره. وقد وافق على المشروع وزيرا المالية علي حسن خليل، والسياحة أواديس كيدانيان. ويهدف المشروع لتحديد آلية جديدة لمنح المساهمات وفق معايير محددة، لا وفق استنسابية وأهواء الوزير. واقترح المشروع بعد ازدياد الاعتراضات على دعم "جمعيات زوجات السياسيين"، في حين تنادي الدولة بالتقشف. وانطلق المشروع من سؤال "مشروع" طرحته الوزارة على نفسها: "لما سأمنح هذه الجمعية مبلغاً من المال؟". وقسّم المشروع الجمعيات إلى ثلاثة أقسام: كبرى، وسطى، وصغيرة (أي الجمعيات في القرى والأرياف). أما احتساب منح المساهمة فسيتم بناءً على الجداول التي ستسلمها الجمعيات إلى الوزارة بعد انتهاء المهرجانات، لتحتسب الوزارة حجم العجز والواردات. وستلحظ الوزارة خلال منح الدعم وتوزيع الأموال على الجمعيات، العائدية السياحية للمنطقة المقام فيها المهرجان و تاريخ تأسيس هذه الجمعيات.


لكن مهلاً، فعلى الرغم من كل ما ذكر، يبقى بإمكان اللبناني المقيم الإحتفال بالمهرجانات والتمتع بالصيف. فالمهرجانات وإن أحبت الأغنياء، لكنها تتسع لجميع الطبقات. ففي القرى والبلدات مهرجانات تنظمها البلديات والجمعيات ويمكن المشاركة فيها بأسعار رمزية. وحتى مهرجان صور فقد اتسع لذوي الدخل المحدود، وبالإمكان حضور حفلة ملحم زين أو رامي عياش في 18 و20 تموز، مقابل 10 آلاف ليرة في المقاعد الخلفية. وما على الراغبين بالابتهاج والاحتفال سوى الاطلاع على روزنامة المهرجانات في وزارة السياحة أو عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، واختيار المهرجانات المناسبة للدخل الفردي!


MISS 3