خالد العزي

أزمة أوكرانيا تكشف عمق الخلاف بين غورباتشوف وبوتين

8 أيلول 2022

02 : 01

ودّعت روسيا الأسبوع الفائت آخر رئيس سوفياتي وأمين عام للحزب الشيوعي ميخائيل غورباتشوف، بمأتم شعبي وغير رسمي. وقبل يومين من دفنه انحنى الرئيس فلاديمير بوتين أمام جثمانه رغم الخلاف بينهما في نظرتهما للحقبة السابقة من زمن الحرب الباردة.

رحل رافع شعارات التغيير «الغلاسنوست» (الشفافية) و»البرستريكا «(إعادة البناء)، الذي استطاع إقناع الناس بضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد السوفياتي، على رغم أن تلك الحقيقة كانت مستحيلة بالنسبة له وللملايين من تلاميذ المدرسة السوفياتية، لم تتضح إلا في آب من العام 1991.

الإصلاح كان همه منذ وجوده في منظمة الحزب في جنوب روسيا حين لفت نظر أعضاء المكتب السياسي بريجنيف، تشيرنينكو وأندروبوف الذي فتح له الطريق للوصول إلى المكتب السياسي، عندما خاطبهم غورباتشوف برفع «صورة للعجائز» التقطت خلال احتفال سوفياتي، في إشارة إلى المستقبل (أي الشباب)، فكان ردّ «العقل الأمني» (اندروبوف): «هذا همّنا».

في العام 1980، أصبح غورباتشوف أصغر عضو في المكتب السياسي، وبعد وصوله إلى السلطة، تصرّف الأمين العام الجديد وفقاً لاقتباس من «سجين القوقاز» للكاتب الروسي اليرمنتوف: «العيش أمر جيد! والعيش بشكل جيد أفضل!».

بادئ ذي بدء، كان المطلوب نزع السلاح من الاقتصاد، وتقليص الإنفاق العسكري، ووقف الحرب في أفغانستان، ساعده في ذلك «دعاة السلام»، لا سيما الألماني ماتياس روست من خلال الهبوط على متن طائرة رياضية في «الساحة الحمراء» بموسكو، وانتهت الحرب، وتم توقيع اتفاقيات بشأن الحد من الأسلحة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.

وفيما تفجرت الديمقراطية في دول الاتحاد، تم إحكام الاستبداد الشيوعي في موسكو والعواصم الأخرى، ما دفع الناس للتخلي عن الاتحاد السوفياتي، واستجاب غورباتشوف لمطالب الشعوب بالاستقلال وتحقيق أحلامهم والوجهة التي يريدونها.

لقد كان غورباتشوف رجلاً إصلاحياً حقيقياً وصانع سلام، لم يهتم بالمناصب لأنه تنازل طوعياً عن السلطة، مخلصاً وصادقاً. لم يقتنِ اليخوت والقصور، ولم يكدّس الملايين كبقية السياسيين السابقين.

وفي مقابلات مرئية ومسموعة عدّة، شدّد على أنه قاد عملية تحوّل وانفتاح، ملبّياً مطالب الشعوب المعارضة للاستبداد والطامحة للحب والحريّة، كما دفع الانهيار الاقتصادي وعوامل أخرى الناس للخروج من القمقم الاستخباراتي القمعي، ولم يكن باستطاعة هذا الكيان المنهار أن يفعل أكثر من ذلك، لأن الاصلاحات والتغييرات باتت ضرورية بعد انتشار «الجراثيم في الجسم المريض»، على عكس ظنّ «الحالمين» بعودة القطبية السوفياتية الجديدة.

كان على الراحل، الذي دافع عن إصلاحات السوق والديمقراطية، أن يقوم بتطهير البيروقراطية وقوات الأمن، الأمر الذي لم يتم تحقيقه في وقت لاحق.

ورغم تأييده احتلال شبه جزيرة القرم من قبل موسكو، كونها قضية شائكة ولم تحسم أثناء ترسيم الحدود، نظراً لارتباطها تاريخياً بروسيا التي تعتبرها جزءاً من أراضيها، غير أن النفور والخلاف كان واضحاً بين الزعيمين، عندما عارض غورباتشوف احتلال بوتين لجورجيا (2008)، وعدم موافقته على العملية العسكرية البوتينية ضد أوكرانيا في شباط 2022، التي أدخلت روسيا في عزلة بعد أن فتح الزعيم السوفياتي الأخير، كل الطرق أمامها، ليأتي بوتين الذي يدّعي انه خليفة غورباتشوف ويقفلها لوقت طويل.

ويتجسّد الخلاف في طريقة المراسيم الجنائزية، وكأن بوتين يعاقب غورباتشوف على عدم تبني حملته العسكرية في أوكرانيا وتحميل الغرب مسؤولية التدخل في شؤون روسيا وحدائقها، وحقّ موسكو في الدفاع عن مصالحها وأمنها.


MISS 3