خالد أبو شقرا

اللبنانيون في الجامعات الخارجية بين فكّي إستنسابية المصارف والسلطات المعنية

القوانين على الطريقة اللبنانية "طلقة خلّبية" إن أصابت الفساد "لا تقتله"

9 أيلول 2022

02 : 01

الدولار الطالبي رهن استنسابية المصارف (رمزي الحاج)
إذا أردنا إستشراف مستقبل القوانين الاصلاحية المُتقاعس باقرارها، ما علينا إلاّ ملاحظة التراخي والفوضى بتنفيذ تلك القائمة. حيث من الممكن معرفة فعالية وشفافية القوانين الشمولية الكبيرة على غرار "الكابيتال كونترول"، من طريقة تنفيذ قانون الدولار الطالبي الضيّق والمؤقت. ببساطة، هذا القانون لا يطبّق، إلا استنسابياً، وبطرق ملتوية بعيداً عن واجب الالتزام الكامل الذي تفرضه القوانين، تحت طائلة الملاحقة وإنزال العقاب بالمخالفين.





تحت ضغط تشريد نحو 10 آلاف طالب بعد احتجاز المصارف للودائع، وتوقفها عن التحويل إلى الخارج استنسابياً، صدر قانون الدولار الطالبي رقم 193 في 16 تشرين الاول 2020. وقد أتاح لذوي الطلاب، الذين سبق وتسجلوا في الجامعات الخارجية، تحويل 10 آلاف دولار من حساباتهم بشروط محددة لمتابعة تحصيلهم العلمي. القانون الذي بالكاد التزمت به المصارف انتهى مع نهاية العام 2021.

ومع عدم صدور قانون "الكابيتال كونترول"، أعاد المجلس النيابي إقرار القانون مع بعض التعديلات في جلسة 7 كانون الاول 2021. وبعد شهر رد رئيس الجمهورية القانون طالباً تعديله، فأعاد المجلس اقراره في 29 آذار 2022 معدلاً، ووقعه رئيس الجمهورية في 12 نيسان تحت الرقم 283.

المصارف تستنسب

"منذ نيسان الفائت ولغاية اليوم وأهالي الطلاب يعانون الأمرّين من تمنّع مصارف عن تحويل الأموال إلى الخارج، خصوصاً إذا كانت الوديعة بالليرة اللبنانية. فبحسب القانون 283 يحق للمودع بالليرة تحويل مبلغ 10 آلاف دولار عبر المصرف على أساس سعر صرف 8000 ليرة. بمعنى، أن من يمتلك 80 مليون ليرة يحق له تحويلها إلى 10 آلاف دولار وإرسالها إلى الطالب في الخارج. إلا أن أغلبية المصارف لا تلتزم بهذا القانون"، يقول عضو لجنة أهالي الطلاب الذين يدرسون في الخارج، شكري حمادة. و"المصارف تفرق بين المودعين، وتستنسب بالمبالغ التي تسمح بتحويلها إلى الخارج. حيث قد لا تتجاوز المبالغ المحولة طيلة العام ربع أو ثلث المبلغ الذي يحق لذوي الطلاب تحويله".

ضرب القوانين بعرض الحائط

لم ينفع الاهالي تضمين القانون رقم 283 بنداً جزائياً قاسياً على المصارف الممتنعة عن التنفيذ. فالمصارف لا تخشى عقوبة إساءة الامانة التي قد تصل إلى سنتي حبس تبعاً للمادة 670 من قانون العقوبات، بسبب "تواطؤ بعض القضاء معها"، بحسب حمادة. "حيث لم يصدر إلا حكم واحد أنصف ولي أمر طالب، وذلك من أصل عشرات الدعاوى المرفوعة، والتي يعود بعضها إلى زمن القانون 193، أي إلى العام 2020".

على عكس القانون 193، لم يسمح القانون 283، لذوي الطلاب المسجلين في الخارج قبل العام 2020 – 2021، والذين لا يملكون حسابات مصرفية بتحويل الدولار على أساس سعر صرف 8000 ليرة. وبحسب والدة طالبتين تدرسان في الخارج سحر المقهور فان "رفض هذه النقطة أتى من رئيس الجمهورية. حيث اعتبر عندما رد القانون أنه "لا يمكن تجريم مصرف لا وديعة لديه ومعاقبته عن امتناعه من تحويلها كليّاً أو جزئيّاً إلى خارج لبنان لمصلحة الطلاب المشمولين بالقانون المذكور". ومن بعدها عجزت السلطتان السياسية والنقدية عن تأمين البدائل لمئات الطلاب في الخارج، ومنهم إبنتا سحر، اللتان تدرسان الطب في روسيا. مع العلم أن الاهالي الذين لا يملكون حسابات مصرفية وعدوا بمعاملتهم كما يعاملون الطلاب في الداخل الذين استطاع قسم كبير منهم تسديد الاقساط على سعر صرف 8000 ليرة.

إهمال الدولة

الظلم اللاحق بالطلاب اللبنانيين في الخارج لم يقتصر على استنسابية المصارف وضربها القوانين بعرض الحائط، إنما أيضاً على إهمال الدولة. وقد تجلى ذلك برأي رئيس جمعية تكتل أهالي الطلاب اللبنانيين في الخارج فادي ملحم بأمرين رئيسيين:

الأول، عدم وصول منحة "الريجي" بقيمة 900 دولار إلى الطلاب المقبولة طلباتهم، في روسيا وبلاروسيا وأوكرانيا. وقد تحججت وزارة المالية التي تلقت قيمة المنح من الخارجية، بعدم قدرتها على تحويل الاموال إلى هذه الدول. وعلى الرغم من إدعاء المالية فتح حسابات في غير دول، ووعدها بإرسال الاموال بالحقيبة الدبلوماسية مع السفراء منذ نحو شهرين، لم تصل بعد هذه المنح الى مستحقيها.

الثاني، عدم إيلاء الدولة أي اهتمام بـ 1200 طالب يتابعون دراستهم الجامعية في أوكرانيا. فهولاء الطلاب الذي يشكلون ثروة وطنية نظراً لنوعية تخصصاتهم في الطب والهندسة والطيران وعلم النفط... متروكون لمصيرهم.

المخاطرة بأرواح الطلاب

وبحسب المعلومات فان نحو 280 طالباً يدرسون الطب في السنة الاخيرة يعتزمون المخاطرة بسلامتهم الشخصية والعودة في 27 الجاري إلى أوكرانيا لانهاء تخصصهم. وذلك نتيجة عدم مبادرة الدولة اللبنانية إلى مساعدتهم أو تسوية أوضاعهم، من خلال دمجهم في الجامعات اللبنانية وتأمين تدرجهم في المستشفيات. وبحسب شكري حمادة فان "متابعة هذا الملف منذ أشهر مع وزارة التربية والسفارة الأوكرانية والجامعة اللبنانية ولجنة التربية النيابية لم تسفر لغاية اللحظة عن أي حل". وبرأيه "كان على الدولة معاملتهم كما عاملت الطلاب العائدين من سوريا مع بدء الحرب في العام 2011. حيث عادلت سنين دراستهم واستقبلتهم في الجامعات".

ما تقدم، ولا سيما لجهة استنسابية المصارف في تطبيق أحكام القانونين 193 و283، يشكل إشارة بالغة الخطورة على ما ينتظر اللبنانيين في حال إقرار قانون "الكابيتال كونترول".

فهذا القانون مع ما احتواه في نسخته الاخيرة من أفخاخ، ولا سيما لجهة تسديد الودائع شهرياً لغاية 1000 دولار، والسماح بتحويلات من الحسابات اللولارية للقطاعات الانتاجية، سيكون شحمة على فطيرة استنسابية المصارف. حيث قد لا تعيد للمودعين العاديين من الجمل أذنه، وتساعد على تهريب المحظيين ما بقي من أموال. هذا عدا عن أن المصارف التي لم تخيفها العودة إلى القضاء بقانون الدولار الطالبي، لن تهاب لجنة يقودها وزير المالية وحاكم مصرف لبنان.


MISS 3