خالد العزي

نجاحات أوكرانيا العسكرية تُغيّر مشهد الحرب

10 أيلول 2022

02 : 01

لم تستطع روسيا فرض استراتيجيتها الجديدة ضد الغرب، فدخل الرئيس فلاديمير بوتين أوكرانيا محاولاً الإطباق عليها، في معركة تكون نتائجها مشابهة لسيناريو "الناتو" الذي فصل إقليم كوسوفو عن صربيا.

حرب بوتين كان يجب إنجازها في أسبوع، وتعتمد على ضرب البنية التحتية وشلّ قدرات الجيش الأوكراني والدخول بقوات عسكرية استعراضية، تفرض على حكومة كييف الهروب والانقسامات.

غير ان رئيس الأركان الأوكراني فاليري زالوجني تمكّن من امتصاص ضربة بوتين وأفشلها، كونه ابن المدرسة الحربية السوفياتية السابقة، فالنجاح يعتمد على تقديره للضربات الروسية التي جعلته يصمد ويفشّل احلام الرئيس الروسي.

ما بين رأي الاستخبارات وفساد الجيش أصيبت الحملة بنكسات متعددة أظهرت مدى الصراع القائم بين المؤسستين اللتين تُحمّلان بعضهما البعض مسؤولية الفشل في السيطرة على مفاصل أوكرانيا الحيوية. وحثّ بوتين الشعب الأوكراني على التمرد ضدّ "حكومته المتطرفة"، وأطلق نداء للقوات العسكرية بهدف الانشقاق عن النظام.

لكن الشعب لم يقع تحت تأثير الضربات الروسية، وفي جنوب أوكرانيا وخاركوف حصل ما لم يتوقعه بوتين بمقتل جنرالاته وتدمير قواته وضرب هيبته العسكرية.

في كييف كان الفشل الذريع، بإسقاط العاصمة سياسياً، وتحولت المدن القريبة منها إلى مصائد للمحتلّين.

في آخر آذار الماضي خرجت قوّات موسكو من غستوميل، اربين، بوشا، ومدن أخرى مهزومة، وارتُكبت فيها أبشع مجازر القتل والاغتصاب، فالمنتصر هو من يكتب التاريخ، فكانت رسالة روسية قاسية للأهالي، لكن فظائعها لم تُخفِ نكسات الجيش المرتزق.

وفيما توجّه بوتين لتحقيق إنجازات عسكرية في دونباس (شرق)، لا يزال عالقاً في معارك الجنوب المشتعل، ولا دلائل جديدة على فتح باب الحوار والتفاوض بين المتحاربين. لم تشهد أي حرب في العالم خسارة هذه الاعداد الكبيرة، كما حصل مع جيش الامبراطورية، بمقتل العديد من الرتب العالية والجنرالات والأفراد والجرحى، وتدمير الآليات والمعدات التي لا تزال أرقامها مجهولة.

في المقابل، جعلت أسلحة "الناتو" الهجومية، من أوكرانيا نقطة صعبة في المعادلة، وتأمل من خلالها تحقيق النصر على روسيا، على الرغم من التدمير الكبير للإمكانيات العسكرية لكييف، لكنها لا تزال تقاوم بعناد، وتشنّ هجمات مضادة على مناطق كخيرسون والقرم، وتحقق نجاحات تكتيكية.

ويتخوّف الروس من أن يحقّق الجيش الأوكراني (الذي يتحلّى بمعنويات عالية) انتصارات ضدّهم وسط خسائر فادحة لموسكو التي تنظر بعين الحذر إلى حصول كييف على أسلحة هجومية حديثة قد تقلب المعادلات.

إن معارك "سيفردونيتسك" أنهكت الجيش الروسي، ولم يعد يملك القدرة على متابعة الهجمات خارج مناطق دونيتسك، بالرغم من محاولاته المستمرة للسيطرة على مناطق جديدة، حيث بات من الصعب الوصول الى خاركوف أو كييف بعد التعثر في دونباس.

في المقابل، أصبحت المواقف الغربية متردّدة في دعم أوكرانيا بأسلحة متطورة، ما يشير إلى أن القارة العجوز تتخوف من فقدان القرار لصالح أوكرانيا لاحقاً، وأن يصبح الدور المؤثر لها في القرار الغربي "السياسي والعسكري" في حال انتصارها، على رغم التوافق الأوروبي على عدم السماح بهزيمة أوكرانيا.

إن الاختراقات الأخيرة للجيش الأوكراني في قلب دفاعات الجيش الروسي لجهة مناطق خاركوف ودونباس وخيرسون والقرم تربك المشهد وتغيّر خارطة الصراع بواسطة المساعدات الغربية.

على الرغم من أن الجيش الروسي يحرز تقدماً في دونباس ولكن ببطء وبفاتورة عالية، فالحاجة الروسية باتت ملحة إلى مفاوضات حول هدنة مقبولة مع أوكرانيا، تشبه "النسخة الكورية"، أي تقسيم البلاد إلى منطقتين. وتعتقد موسكو أن الرئيس الاميركي جو بايدن قد يقبل بذلك، كما فعلت بلاده مع الكوريتين الجنوبية والشمالية.


MISS 3