شربل داغر

الملكة بوصفها... فنانة

12 أيلول 2022

02 : 00

الملكة بوصفها... فنانة، من جماعة العرض الفني الأدائي المنظم.

هذا ما يمكن قوله في اداء الملكة الراحلة إليزابيت الثانية.

وما يمكن الحديث عنه، في حُكمها المتمادي طوال سبعين عاماً، هو انه كان من أنجح العهود... الفنية في السياسة.

هذا ما يَختصرُه، في شكل مكثف، ظهورُها العلني، الذي له أن يكون ظهوراً سياسياً، لكنه تحول إلى ظهور... فني.

هذا ما يتمثل في حضورها... المسرحي، عندما تفتتح دورة مجلس العموم : تُلقي فيه خطاباً، لكنها تتلفظُه وحسب، إذ إن رئيس (او رئيسة) الحكومة هو الذي يكون قد صاغَه ورسمَ سياساته.

وهذا ما يشمل خصوصا افعالها الدستورية، التي تتعين في "ظهورات" مبرمجة أشبه بفقرات مسلسل تلفزيوني. وهو ما لا يستقيم من دون "طلتها"، حيث إنها اعتمدتْ على أسلوب ظهور فني، يقضي بأن تَلبس، وأن تعتمر قبعة، وفق لون واحد، فاقع، لكي تكون متمايزة كليا عن غيرها، وأن يتم الانتباه إليها عن بعد.

هذا يشمل لون أظافرها حتى، بحيث إن لها ما يدلُّ عليها وحدها، دون غيرها من بقية البشر.

هذا يجعل طلاتها شبيهة بظهور هذه المغنية أو تلك، فتحيط بها الملايين مثل معبودة مشعة في سماء الشهرة والنجومية.

هذا ما يشبه طلات اخناتون أو الاسكندر الكبير، او غيرهما ممن كان لظهورهم أن يكون له فعلُ الخارقِ العجيب، الذي يظهر للعباد في لحظات معدودة. هذا ما كان يجعلهم يتقربون ممن هم آلهة، فيَسْمُون إليهم بقدر ما كانوا يشعرون بأنهم في أسفل السافلِين.

هذا ما درسَه احد علماء السياسة، فتحدث عن "الجسد الثاني" للحاكم، للملك. تحدث مميزاً بين الجسد الأول، الطبيعي، مثل غيره من البشر، وبين الجسد الثاني، الحقوقي والقانوني والرمزي، الذي يجعله عنوانَ الحكم وصورتَه.

وإذا كان عدم التمييز بين الجسدَين دلالةً على التفرد التام بالحكم، فيتحكم الجسد الأول بالجسد الثاني، فإن تبلور الجسد الثاني، لا سيما في جوانبه الحقوقية والقانونية، بات يعني قيام الدولة، وانفصالها عن نزوات الحاكم، واحتكامها إلى دساتير وقوانين، وإن يتلفظها الحاكم بلسانه.

هذا ما انتهى إليه حكمُ اليزابيت الثانية، وقبلها غيره، بعد أن كان الملوك السابقون يتحكمون بإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس. هذا ما انتهى إلى تفريغ الامبراطورية السابقة من جسدها الاستعماري، والإبقاء على هيكلها الظاهري، الاسمي وحسب.

إذا كان لاليزابيت الثانية من نجاحات، فهي انها تنبهت، في مراهقتها، إلى اساليب الذيوع الجماهيري، الذي باتت تتكفل به... السينما، وكبار مصممي الموضة.

هذا ما ارتضتْه "رعية" الملكة، أي الإبقاء على الرمز وحسب من مجدها التليد، فكان أن نجحت اليزابيت في تأدية هذا "الدور" المناسب. فكانت "تُجسد" لهم صورة مثالية ومشعة عمّا كانوه. وكانوا ينظرون إليها بعين الذاكرة البعيدة، على انها مستمرة، مدركين ان ما يَصنع الفن، مثل السياسة، هو عينُ ورأيُ الناظر، قبل الفنان كما السياسي.


MISS 3