شربل داغر

هل الخط العربي ينهض من جديد؟

19 أيلول 2022

02 : 01

يشير أكثر من قرار، أكثر من معرض، أكثر من متحف، في السنوات الأخيرة، الى عنايات حكومية عربية، لا سيما في مشيخات الخليج العربي، بالخط العربي. هذا ما تجلّى في سعي عدد منها لإدراج الخط العربي، من قبل منظمة الأونيسكو، ضمن قائمة التراث غير المادي للشعوب. هذا ما سيحملُ اسمَ متحفٍ خاص بالخط في السعودية. هذا ما شملَ ويشملُ بينالي دورية للخط في الشارقة، ومعارض مختلفة في دبي، ومحاضرات في أبو ظبي وغيرها. هذا ما ستَعمل لتنظيمه منظمة الالكسو (الأونيسكو العربية) مع وزارة الشؤون الثقافية بتونس، بعد شهور قليلة في مدينة جربة التونسية، بين عرضِ أعمالٍ خطية وبين درسِ الخط في تفاعله مع الحضارات.

وجب القول، بداية، إن هذه العنايات الحكومية تتأتى من سياسات عليا، وهذا أمر طيب في حد ذاته، إذ قلّما ظهرَ مثل هذا الاهتمام قبل عقود: كان الخط يقتصر على معارض معدودة، ولا تحظى باهتمام كبير.

هذا ما سبقَ أن انتقدتُه في غير كتابٍ وبحثٍ ومقالٍ، مشيراً الى أن الخط هو الفن التشكيلي الوحيد الذي ابتكرَه فنانون عرب قدماء من تلقاء أنفسهم، فلم يأخذوه عن غيرهم. وهو الفن الوحيد الذي وهبَه العرب لغيرهم، فكان أن شاركتْهم فيه شعوبٌ وثقافات ومجتمعات عديدة، حتى اليوم في بعضها.

إلا أن ما يمكن قوله في هذه العنايات المستجدة، هو أن الحكومات لا تصنع الفنون، بل توفر الشروط والسياقات والسياسات المنشطة لها. ذلك أن الخطاطين أنفسهم هم الذين يجددون حياة هذا الفن العريق. وهو ما ليس متوافراً بالضرورة حتى اليوم.

فمن يَزُرْ، أو يفحص كثيراً من أعمال خطاطِين عربٍ متأخرين، يتحقق - مثلما تحققتُ غير مرة - من أنها أعمال ساذجة، بسيطة، تفتقر إلى صنعة مكينة، وتجديدٍ وفق قواعد أقلام الخط العربي المعهودة. ففي كثير من هذه الأعمال، يقوم الخطاط ببسط بعض الحروف أو الجمل العربية، ويحيط بها بألوان ليس إلا. هذا قد يُقرّبُها من الأعمال الحروفية المبسطة بدورها، وليس من الخط العربي. فهذا الفن القديم له أقلامٌ، وطرقُ اشتقاقٍ من خط الى آخر، ما يتوجب درسه والتمرس به. هذا يعني التجديد فيه تبعاً لقواعد متبعة. وهذا ما لا يتوافر في كثير من أعمال الخط العربي الحالية. ومن طلبَ التدقيق في أحوال هذا الفن، لتحقق - مثلما تحققتُ غير مرة - من أن المتميزِين وأصحاب الجودة والتجديد فيه أتراك أو إيرانيون، لا عرب بأية حال.

ولو طلبَ المهتم فينا بالخط وأصوله، لتوقف كذلك في الصين أو في اليابان، ولتحققَ من أن هذين البلدين يجددان الخط لدَيهما وفق قواعده المتبعة منذ قرون بعيدة، فيميزون بين خطهم المتقادم وبين الفن الياباني وفق التقنية الاوروبية (كما يسمونه في اليابان، على سبيل المثال).

إن هذه السياسات والعنايات العربية طيبة النوايا، من دون شك، إلا انها تحتاج الى ما هو أبعد من ذلك، وهو إعادة التفكير والتخطيط لقيام مدارس جديدة تتولى النهضة بالخط العربي. وهي تحتاج من قبل الخطاطين، او هواة الخط، إلى الاعداد والتمرس المستندَين إلى ثقافة الخط وتاريخه، لا الاستسهال الاستهلاكي أو الثقافي بهذا الفن العريق.


MISS 3