بشارة شربل

رئيس... ورؤوس

22 أيلول 2022

02 : 00

في خريف ولايته الأخير انقلبت الأدوار، وصار الرئيس ميشال عون رجع صدى لجبران باسيل. لم يجد فخامته أمام سفراء الاتحاد الاوروبي الذين جمعهم في بعبدا خيراً من اتهام "المنظومة التي كانت حاكمة" بأنها مهد الفساد، على أساس أن عفاف "التيار" مصانٌ مذ دخل جنة الوزارات والإدارات، وأنّ ما حصل في عهده محاولات اصلاح مستميتة قام بها أتقياء أنقياء في ملفات التجنيس والتعيينات والفيول الصالح والمغشوش وعمولات البواخر، وسائر ما يمكن أن يخطر ببال جائعين انقضُّوا على ما تبقى من وليمة الذئاب المفتوحة منذ الانقلاب على "الطائف" قبل ثلاثة عقود.

ما لنا ولحديث الفساد. هو شرح يطول. ومحاولة الرئيس اعتبار فريقه "امرأة قيصر" نكتة مهينة لذكاء اي مواطن سليم العقل حاضر الذاكرة وغير مصاب بعمى الألوان. أما "براءة الذمة" فلن يحصل عليها "العهد القوي" ومنظومة المافيا الحاكمة، لا في الدنيا لدى قضاء عادل، ولا في الآخرة لدى ديّان يُجازي العبادَ بأعمالهم.

شكا الرئيس للسفراء. والشكوى تندرج ضمن فلسفة "ما خلُّونا"، وهي اقتباسٌ أيضاً من باسيل. تنطبق هذه المرة على دستور قاصر وصلاحيات مختصرة. فلا عيب في رئيسي المجلس والحكومة على الإطلاق، إنما بنص "الطائف" الذي أتاح لهما أن يتبغددا على فخامته. كأن الرئيس يعاني حرمان من كان يتوقع أن يأمر فيُطاع، فيحل المجلس النيابي كما فعل يوم تسلم القصر لتأمين انتخاب رئيس، ويكون رئيساً لرئيس الوزراء، فلا يحوّل الرئيس المكلف المهل الدستورية الى ملهاة، يسافر واضعاً التكليف في جيبه ويعود مماحكاً الرئيس على اسم وزير أو مجموعة وزراء.

كان أفضل لو استعار فخامة الرئيس التشبيه الأثير لدى البطريرك صفير عن عربة يشدها حصانان كلٌ في اتجاه. شكواه من "كربجة" النظام بفعل "الرؤوس الثلاثة" غير مقبولة في معاهد السياسة أو ادارة الدول المتعددة الأعراق والطوائف والمجموعات. لهذه الدول منطقها التحاصصي الايجابي شرط أن تبقى المصلحة الوطنية العليا هي الأساس. ولنا في سويسرا وبلجيكا والهند أمثلة نموذجية عن الاتفاق ضمن الاختلاف و"تدوير الزوايا" لتأمين طموحات ومطالب كل الأطراف بالقدر المعقول، وليس على الطريقة الميقاتية التي تجمع الأوساخ تحت السجادات.

اكتشف الرئيس قبل 40 يوماً من مغادرة منصبه أنّ الفوضى الدستورية التي ساهم دوماً في إثارة غبارها بالتعطيل والتنكيل سببها أن البلد تحكمه ثلاثة رؤوس تجعل ادارته صعبة وانتظام مؤسساته مستحيلاً.

كان أفضل حتماً لو انتبه فخامته الى ان ضيوفه الأوروبيين ليسوا جمهوراً لـ"التيار" يعتبر التصريح حكمة تاريخية أو مشروع تعديل دستوري. فمجرد تمثيلهم "الاتحاد الأوروبي" يعني أنّ كلّ دولة من دولهم تنازلت عن "غرورها" الوطني لمصلحة "الجماعة الأوروبية". لا يشكّل تعدّد الرؤوس لديهم عقبة في سبيل تحقيق الأهداف. ليست المشكلة بالرؤوس بل بنوعيتها، هناك وفي كلّ مكان.