العضلات القوية تحافظ على صحّة دماغك

02 : 00

تكون العضلات الهيكلية من النوع الذي يسمح لك بتحريك جسمك في جميع الاتجاهات، وهي تُعتبر من أكبر أعضاء الجسم. حتى أنها تدخل في خانة أنسجة الغدد الصماء، ما يعني أنها تطلق جزيئات توصيل الإشارات التي تنتقل نحو أعضاء أخرى لإبلاغها بما يجب فعله. تُسمّى الجزيئات البروتينية التي تنقل الرسائل من العضلات الهيكلية إلى أنسجة أخرى، بما في ذلك الدماغ، الميوكين.

تنتشر جزيئات الميوكين في مجرى الدم حين تنقبض العضلات، فتنشئ خلايا جديدة أو تقوم بنشاطات أيضية أخرى. وعندما تصل إلى الدماغ، تنظّم الاستجابات الفيزيولوجية والأيضية هناك أيضاً. نتيجةً لذلك، يستطيع الميوكين أن يؤثر على القدرات المعرفية، والمزاج، والسلوكيات العاطفية. تُحفّز التمارين الجسدية ما يسمّيه العلماء "التقاطع" الدماغي العضلي، وتسهم رسائل الميوكين في تحديد الاستجابات المفيدة في الدماغ، منها تشكيل خلايا عصبية جديدة وزيادة مرونة نقاط الاشتباك العصبي، ما يسمح بتحسين قدرات التعلّم والذاكرة.

لهذه الأسباب، تُعتبر العضلات القوية أساسية للحفاظ على صحة الدماغ.

في العضلات الشابة، تُنَشّط نسبة صغيرة من التمارين الجسدية العمليات الجزيئية التي تحفّز العضلات على النمو. تتحمل الألياف العضلية الأضرار بسبب الإجهاد والضغط النفسي، ثم تصلح نفسها عبر الاندماج ببعضها البعض وزيادة حجمها وكتلتها. تزداد قوة العضلات من خلال تجاوز كل سلسلة من الأضرار البسيطة، ما يسمح لها بالتجدد واسترجاع النشاط واستئناف النمو. لكن مع التقدم في السن، تصبح الإشارات التي ترسلها التمارين الجسدية أكثر ضعفاً. من الأصعب على كبار السن أن يشكلوا كتلة عضلية ويحافظوا عليها، لكن يبقى هذا الهدف ممكناً وتكون صيانة العضلات أساسية لحماية صحة الدماغ.

حتى التمارين المعتدلة تستطيع أن تُحسّن الأيض في المناطق الدماغية المهمة للتعلّم وحماية الذاكرة لدى كبار السن. تبيّن أن الدماغ بحد ذاته يتجاوب مع التمارين بطرق جسدية لافتة. ينكمش الحصين (بنية دماغية لها تأثير كبير على التعلم والذاكرة) في مراحل متقدمة من سن الرشد، ما قد يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالخرف. لكن يبدو أن التدرّب على التمارين يزيد حجم الحصين، ولو في مرحلة متقدمة من الحياة، ما يسهم في حماية الناس من التراجع المرتبط بالسن وتحسين ذاكرتهم المكانية.

كذلك، تكشف أدلة أخرى أن بعض أنواع الميوكين يحمل خصائص تختلف بين الجنسَين لحماية الأعصاب. يتأثر الإيريسين (نوع من الميوكين) مثلاً بمستويات الأستروجين، وتكون المرأة بعد انقطاع الطمث أكثر عرضة للأمراض العصبية، ما يعني أن الإيريسين قد يؤدي دوراً مهماً في حماية الخلايا العصبية من التراجع المرتبط بالسن.

كشفت الدراسات أن النشاطات الجسدية المتزايدة والمهارات الحركية ترتبط بتحسّن الوظيفة المعرفية، حتى لدى المصابين بأمراض أو أضرار دماغية سابقة. يكون المصابون بالساركوبينيا (ضمور عضلي مرتبط بالسن) أكثر عرضة للتراجع المعرفي. وتزداد الأدلة التي تثبت أن خسارة كتلة العضلات الهيكلية ووظيفتها تجعل الدماغ أكثر عرضة للاختلالات والأمراض. في المقابل، تُحسّن التمارين الجسدية الذاكرة، وسرعة معالجة المعلومات، والوظيفة التنفيذية، لا سيما لدى كبار السن. (تُحسّن الرياضة هذه القدرات المعرفية لدى الأولاد أيضاً).

باختصار، ثمة لغة جزيئية قوية بين العضلات والدماغ، وتسهم التمارين الجسدية في الحفاظ على انسيابية هذه اللغة رغم التقدم في السن.

غالباً ما نعتبر العضلات مسألة منفصلة عن القدرات الفكرية، أو حتى نقيضاً لها، ما يعني أن أحدهما يحرم الآخر من موارده. لكن ثمة تواصل دائم بين الدماغ والعضلات، إذ تتلاحق الإشارات الكهروكيميائية ذهاباً وإياباً. عملياً، تتوقف صحة الدماغ الذي يرافقنا طوال حياتنا على إبقاء عضلاتنا ناشطة.


MISS 3