مصرف لبنان أدخل لبنان في متاهة لا خروج منها بـ"سلام"

توحيد أسعار الصرف... إستحقاق يحتاج معجزة!

02 : 00

ميقاتي والشامي يعدان صندوق النقد بما لا يستطيعان فعله

*صندوق النقد: تشوّهات كبيرة في النشاط الاقتصادي وفرص للفساد والسعي وراء الريع

*الحكيم: خاسرون ورابحون... ثروات انتقلت من المودعين إلى المقترضين لا سيما الكبار منهم

*تعددية أسعار الصرف تؤدي إلى ضغوط مفرطة على احتياطيات العملات الأجنبية في "المركزي"

*بلوز: تهريب وفوضى عارمة وتبييض أموال... والحل سياسي برئيس قوي مدعوم دولياً


1500 ليرة سعر الصرف الرسمي لبعض القروض وميزانيات المصارف ومصرف لبنان والرسم الجمركي والضرائب والرسوم المختلفة ورواتب القطاع العام ومستلزماته وأدوية الأمراض المستعصية وبعض الدعم المتبقي... 8000 ليرة سعر سحب ودائع الدولار وفقاً للتعميم 151، و12000 ليرة سعر السحب استناداً الى التعميم 158، 36000 ليرة سعر صرف الأموال المحوّلة من الخارج و37700 سعر السوق الموازية حالياً مقابل 29800 ليرة سعر التداول عبر منصّة "صيرفة".

وهناك اسعار أخرى مثل الدولار الاستشفائي، وسعر دولار خاص برواتب موظفي المصارف وغيرها من الاسعار المعتمدة عشوائياً في قطاعات وتعاملات مختلفة. فضلاً عن اسعار للشيكات بالدولار (لولار) وأخرى للشيكات بالليرة.



مسؤولية رياض سلامة وحكومات العبث

جزء أساسي من هذه التشوهات خلقها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن سابق اصرار وتصميم لغايات مختلفة. ابرزها عدم اعترافه مباشرة بخطيئة تثبيت سعر الصرف منذ 1997 حتى أيلول 2019.

اراد على سبيل المثال اخفاء خسائر المصارف حتى لا يقال انها افلست في عهده، وتحجج بالطلب الحكومي للدعم فلبى النداء لاسباب سياسية. ثم شرع في تذويب الودائع باسعار سحب وهمية وباقتطاع قسري (هيركات) بين 70و85% لتخفيف المطلوبات لديه ولدى المصارف. أما الحكومات المتعاقبة منذ بدء الانهيار فوقفت متفرجة لاعتقادها انه يفعل "الصح"، وانها تستفيد شعبوياً سواء من الدعم، او من الابقاء على الدولار الجمركي عند 1500 كي لا ترتفع الاسعار بينما هي ترتفع ويستفيد منها التجار وتحرم الخزينة العامة من ابسط حقوقها. كما انها ارادت الابقاء على سعر رسمي وهمي لتتمكن من الحصول على دولارات من مصرف لبنان لزوم مدفوعات حكومية ثابتة بالدولار. وحاولت الاستمرار في تأمين الدولارات المدعومة لزوم شراء الفيول لكهرباء لبنان، وعندما توقف ذلك دخلت البلاد في العتمة.

حوافز غير مشروعة وخسائر غير مستحقة

تلك التعددية سمحت بالتهريب عبر الحدود وبالتهرب الضريبي واعطت فرصاً ذهبية للمضاربين باستخدام "الأربيتراج" بين هذا السعر وذاك لتحقيق مكاسب على حساب المال العام واحتياطي مصرف لبنان والمستهلكين. الاضرار لا تعد ولا تحصى، فالتعددية تخلق حوافز غير مشروعة هنا وخسائر غير مستحقة هناك على نحو غير عادل البتة. وابرز الخسائر تجلى في نزيف احتياطي البنك المركزي ما خلق ويخلق ضغوطا اضافية على اسعار الصرف. ومن نتائج التشوهات المقصودة المتعمدة منها او الفارضة نفسها بقواعد السوق الحرة المتوحشة زيادة تضخيم حجم القطاع غير النظامي والتحول الى اقتصاد الكاش في موازاة تضخم متحفز للوثوب أكثر فاكثر منذراً بتضخم مفرط يدخل البلاد في متاهة فنزويلية تحتاج معجزة للخروج منها.

تعدّدت أسعار صرف الدولار الواحد في السنوات الثلاث الماضية والنتيجة كانت، تداعيات سلبية على القطاعات الإقتصادية والمالية ومزيد من التعميق للهوّة والفروقات بين القطاعات، وتفاقم التضخم، في ظل هبوط الليرة اللبنانية تهاوياً متواصلاً حتى فقدت من قيمتها نسبة 96 % اذا ما احتسبنا سعر الصرف على 38 ألف ليرة للدولار الواحد ارتفاعاً من 1500 ليرة سابقاً.

رأي الصندوق حاسم بلا هوادة

ويعتبر صندوق النقد الدولي في البيان الأخير، الذي أصدره يوم الأربعاء الماضي بعيد اختتام بعثته التي يرأسها إرنستو راميريز جولتها على المسؤولين اللبنانيين للاطلاع على النقاط العالقة والتي أدت الى تباطؤ إجراء الإصلاحات، أن وجود أسعار صرف متعددة يؤدّي إلى حدوث تشوهات كبيرة في النشاط الاقتصادي، ويقوّض عمليات القطاع العام، ويخلق فرصاً للفساد والسعي وراء الريع، ما يؤدي إلى ضغوط مفرطة على احتياطيات العملات الأجنبية لدى البنك المركزي".

ورأى ان اعتماد قانون الكابيتال كونترول وتقنين سحوبات الودائع الذي تم تقديمه إلى البرلمان أمر بالغ الأهمية لمعالجة هذه القضايا وتقليل الضغوط على احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية. في السياق الحالي، تبين أن التدخل في سوق أسعار الصرف لتحقيق الاستقرار في النقد غير فعال في ظل غياب الإصلاحات المطلوبة".



نيكول بلوز بايكر



تحكم التطبيقات و"الحزب"

لِتعدّد اسعار الصرف تداعيات جمّة كما أوضحت الأستاذة الجامعية والباحثة في السياسات الإقتصادية نيكول بلّوز بايكر لـ"نداء الوطن"، اولها الفوضى العارمة بسبب عدم وجود مرجع نقدي في البلاد، وسيطرة أو تحكّم التطبيقات الإلكترونية والحزب على السعر، ودخول وخروج الأموال من البلاد في حقائب، وتفاقم التهريب على المعابر الشرعية وغير الشرعية. وبدا ذلك جلياً في الموازنة التي تفاوتت أسعار الصرف المعتمدة في مندرجات بنودها، بسبب عدم توفّر أرقام ومعلومات دقيقة معتمدة وواضحة، للتمكن من إدارة البلاد لناحية النفقات والواردات.

واعتبرت بلّوز بشأن جوازية توحيد سعر الصرف، أن هذا الإجراء ليس وجهة نظر بل يتطلب تدابير عدة وهي: الإستناد الى العرض والطلب على الدولار وبالتالي ميزان المدفوعات، وضبط التهريب على الحدود الشرعية وغير الشرعية والعمليات الإرهابية التي تحصل.

وفي ما يتعلّق بميزان المدفوعات، تُحدّد القيمة الفعلية لعمليات الإستيراد والتصدير، والتحويلات التي تصل الى البلد، والمداخيل وقيمة الإستثمارات، مقابل قيمة الأموال التي تخرج من البلاد من خلال النظام المصرفي...".

ولفتت الى أنه "خارج هذا الإطار لا يمكن توحيد سعر الصرف، علماً أن صندوق النقد والبنك الدولي أعدا معادلة حسابية erreur et omission (خطأ وإغفال) تبيّن كل ما يتعلق بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب للتمكن من ضبط سعر صرف الدولار وتوحيده".

ووسط صعوبة إمكانية ضبط الحدود مع توفير الحماية من منظومات سياسية وحزبية لاستمرار التهريب، وبالتالي عدم وجود حلول في الأمد المنظور، اعتبرت بلّوز أن "الحلّ سياسي ويكمن بانتخاب رئيس قويّ قادر على فرض هيمنة الدولة وضبط الحدود ووقف التهريب وفرض حياد لبنان، فالصيغة التوافقية لم تعد تنفع. من هنا ليس أمامنا سوى أن نستجدي العالم لمؤازرتنا في فرض الدولة سلطتها واعتمادها سياسة الحياد بدلاً من إقحامها في الصراعات الإقليمية".



جهاد الحكيّم



أي دواء بعد 3 سنوات من المرض حتى الشلل؟

بدوره أوضح الخبير الإقتصادي جهاد الحكيّم في حديث مع "نداء الوطن"، أن تدهور قيمة العملة الوطنية وعدم توحيد سعر الصرف لهما سلبيات عدة وكانت نتائجه كالتالي:

- خلق اسعار صرف إصطناعية، ما ساهم بوجود رابحين وخاسرين وأبرزهم صغار المودعين وخزينة الدولة.

- عدم وجود مساواة بين الناس والمتعاملين.

- تأخير مسيرة الاصلاح.

- بدعة الدولار الجمركي في الوقت الذي يطالب فيه صندوق النقد بتوحيد سعر الصرف.

وأوضح أن "الدولار الجمركي على سبيل المثال والبالغ 1515 ليرة لبنانية ألحق خسائر بخزينة الدولة بسبب تقاضي الرسوم والضرائب وفق تلك التسعيرة. ولا يعني ذلك أنه يجدر رفعه كما يتداول هذه الايام في ما يتعلق بالدولار الجمركي".

ويشبّه الحكيّم وضع البلاد اليوم بالمريض الذي بدأ يتلقى علاجه متأخّراً بعد مضي 3 سنوات على إصابته بالمرض، وبالتالي لن يشفيه الدواء الذي سيتناوله من الداء الذي يشلّه.

تحرير وتوحيد سعر الصرف

وبرأيه إن "الهدف من خطوة تحرير سعر الصرف، تكمن في توحيده وليس تثبيته مقابل سعر صرف الدولار كما يعتقد البعض، وكما كان معتمداً قبل بدء الأزمة وفق سعر صرف محدّد. اذ يتم بعد تحريره العمل على خلق نمو يترجم في مرحلة لاحقة بتحسّن في سعر الصرف وبالقدرة الشرائية للمواطن ويتحسّن عندها سعر الصرف".

وحول كيفية تحرير سعر الصرف وارتفاعه في وقت لا تزال الرواتب بالليرة اللبنانية وفق سعر الـ1515 ليرة وتداعيات ذلك على الطبقة الفقيرة، قال "لو تمّ ذلك قبلاً أي بعيد بدء الأزمة عندما كان سعر الصرف بقيمة 3000 ليرة لبنانية، على سبيل المثال، لكان وقتها ارتفع سعر الصرف بشكل كبير ويسمى ذلك overshooting، ثم انخفض ليستقرّ على سعر معين، ولما كان وصل الى السعر الذي هو عليه اليوم، ولكانت السوق تأقلمت مع تحركات سعر الصرف، ولما كانت تعدّدت الأسعار الإصطناعية وأوجدت خاسرين ورابحين".

ولفت الى أن "تسديد الودائع من قبل البنوك وفق سعر صرف بقيمة 3900 ليرة لبنانية قبل ان يرتفع الرقم الى 8000 ليرة تسبّب بخسائر فادحة للمودعين. اذ تبدّدت ودائعهم بأبخس الأثمان، مقابل ذلك حقّق كبار المقترضين وأصحاب النفوذ أرباحاً بملايين الدولارات بعد تسديد قروضهم وفق سعر صرف بقيمة 1515 ليرة على حساب سائر المودعين.

إجراء "التحرير" متأخّر!

في ظلّ تلك المعمعة، يشير الحكيّم الى أن "تحرير سعر صرف الدولار وتوحيده اليوم هو إجراء متأخر أقله سنتين ونصف، يأتي بعد تبديد احتياطات المصرف المركزي بالعملة الأجنبية والودائع. ولو اتخذ هذا الإجراء بعد قرار التخلف عن الدفع وفي ظلّ خطة اقتصادية ومالية شاملة، لكانت اليوم ودائع صغار المودعين بشكل خاص مصانة وموجودة وسعر الصرف أدنى بكثير مما هو عليه اليوم، وبالتالي صفيحة البنزين وتكلفة المعيشة بشكل عام أقلّ بأضعاف".

مجلس النقد والدولرة الشاملة... فكرتان وهميتان للحل

أما عن نظرية بعض الإقتصاديين التي تقول بضرورة اعتماد مجلس النقد أو الدولرة الشاملة والغاء التداول بالليرة اللبنانية، فأشار جهاد الحكيّم الى أنه "لا يمكن السير بها في لبنان، اذ كيف يمكن تحويل رواتب القطاع العام مثلاً الى دولار بدلاً من تقاضيها بالليرة اللبنانية، ومن أين سنأتي بتلك الدولارات؟ فلبنان ليس بلداً مصدّراً للبترول من أجل استقطاب الدولارات بكميات كبيرة لنحقّق فائضاً في الميزان التجاري أم في ميزان المدفوعات".

كما أن شروط اعتماد مجلس النقد لا تتوفّر في ظروف لبنان الإقتصادية الحالية، أولاً،لأنه ليس لدينا إحتياطيات كبيرة بالعملات الأجنبية، ثانياً، لأن من شأن ذلك أن يسبب تضخّماً مفرطاً Hyperinflation، وثالثاً، لا يمكننا أن ننشئ نظاماً نقدياً شبيهاً بذلك الذي كان معتمداً سابقاً والقائم على تثبيت سعر الصرف.

وحول النظرية التي تجد أن الحلّ باعتماد الدولرة كحلّ لمعضلة النقد في لبنان، والغاء المصرف المركزي وتحويل الرواتب الى دولار، سألت نيكول بلّوز وفق أي سعر صرف سيحتسب الراتب؟ وهل الراتب بالليرة اللبنانية الذي كان يعادل 4000 دولار على سبيل المثال سيحتسب على سعر 200 دولار شهرياً هو الحلّ ويكفي لتأمين قوت عائلة؟


MISS 3