خالد العزي

فرصة لدول آسيا الوسطى للتخلّص من قبضة موسكو

27 أيلول 2022

02 : 00

ما زالت "الكلفة الاستراتيجية" الباهظة للحرب الروسية على أوكرانيا تتكشّف تباعاً (أ ف ب)

مما لا شك فيه أن التحدّي الأكبر الذي يواجه جمهوريات آسيا الوسطى هو الخلاص من قبضة موسكو، فعلاقتها مع الكرملين غير متكافئة. كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان أعضاء في تحالف عسكري تقوده روسيا والمعروف بـ»منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، فيما كازاخستان وقرغيزستان عضوان أيضاً في الكتلة الاقتصادية التي تقودها روسيا التي تعرف باسم «الاتحاد الاقتصادي الأوراسي». لكن أوزبكستان ليست عضواً في أي منهما، ولا تركمانستان التي أعلنت نفسها رسميّاً دولة محايدة.

لقد سمحت موسكو حتى الآن للصينيين بالقيام بالأعمال التجارية المختلفة في المنطقة، وتغاضت عن الحضور التركي الطفيف طالما كان تحت السيطرة التامة. وهذا الوضع كان مناسباً لاستراتيجية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العامة بالحفاظ على الهيمنة الروسية في الفضاء السوفياتي السابق. وكان يعني أيضاً أن موسكو لا تزال قادرة على ممارسة سيطرتها على الموارد الطبيعية في المنطقة، وذلك بشكل أساسي من خلال التحكّم بخطوط أنابيب النقل وطرق التواصل الأخرى.

كانت الصين وتركيا تحومان حول المنطقة منذ عقود، وقد زادتا الآن من حضورهما. وقد حضر قادة دول آسيا الوسطى افتتاح أولمبياد بكين على الرغم من أنه- باستثناء كازاخستان- كان هناك لاعبان فقط يشاركان من الدول الأربع. وكذلك زار هذه الدول مسؤولون صينيون كبار، لطمأنة قادتها. وبالمثل كان للاتحاد الأوروبي منذ التسعينات طموح بالانخراط مع آسيا الوسطى، ولكنه فشل في ايجاد المعادلة الصحيحة لتحقيق طموحه. واليوم يجد الاتحاد نفسه يقرع أبواباً مفتوحة. وقد تحدّدت استراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة الخاصة بآسيا الوسطى للمضي قدماً، ولكن يجب ترجمة الكلمات إلى أفعال.

إذاً، لا بدّ من القول إن روسيا الاتحادية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي كانت تُسيطر على دول آسيا الوسطى وترعى خلافاتها وتُدير أمورها بواسطة الحاكم العسكري الموالي للكرملين من خلال جهاز الاستخبارات الذي يتولّى زمام السيطرة في هذه الدول، بالإضافة إلى الحماية التي كان يتمتع بها زعماء هذه الدول الذين كانوا قادة الحقبة الشيوعية، وقد حكموا هذه الدول بقبضة ديكتاتورية تراعي مصالح روسيا. لكن مع تطوّر الظروف والمتغيرات، لم تعد موسكو تستطيع إدارة هذه الجمهوريات، لأنّها لم تقتنع بالمشاركة السياسة بل كانت تعمل على تقويض الديموقراطيات الناشئة في هذه الدول والسيطرة على الموارد الأولية وإبقاء سكان هذه الدول في حالة فقر يُحاولون سد أزماتهم الاقتصادية من خلال التوسّل لموسكو والعمل لدى المؤسّسات الروسية.

لكن قمة شنغهاي الأخيرة التي عقدت في سمرقند منتصف الشهر الحالي، قد أبرزت مدى الهوة بين المجتمعين من خلال الخلافات الواضحة بين هذه الدول من خلال الأمثلة التي ترجمتها الصراعات العسكرية في كلّ من أرمينيا - أذربيجان، طاجيكستان - قيرغيزستان والخلافات غير البارزة مع كازاخستان والناتجة عن التغير في السياسة الداخلية للدولة والانفتاح المباشر على الصين، والتي توّجتها زيارة الرئيس الصيني إلى كازاخستان، والوعود التي أطلقها الرئيس الكازاخي قاسم جومارت توكاييف بعد الخوف الذي باتت تُعانيه بلاده من الأطماع التوسعية الروسية، والتي تخلقها حماية الأقلية الروسية في الدولة الآسيوية. فالهوة واضحة وقد تبلورت بتغيّب البطريرك الأرثوذكسي كيريل عن مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في العاصمة الكازاخية بحضور البابا فرانسيس منتصف الشهر الحالي.

لقد تسبّب الغزو الروسي لأوكرانيا في أزمة عالمية، وفي آسيا الوسطى أصبح صوت أجراس الإنذار مدوّياً. إن اعتماد دولها على روسيا لا يُعرّض استقلالها لأن يُداس بأهواء موسكو فحسب، بل أصبح خطراً وجودياً على اقتصاداتها. ومع خضوع روسيا لنظام عقوبات صارم، بدأت دول آسيا الوسطى تشعر بالازعاج، فضلاً عن أن روسيا ضعيفة ومشتّتة لن تستطيع الحفاظ على قبضتها القوية على آسيا الوسطى كما كانت. وقد بدأنا نشهد تدافعاً للبحث عن أصدقاء وشركاء جدد، صحيح أنه تدافع حذر، ولكنّه تدافع على كلّ حال، وهناك كثيرون مستعدّون لملء أي فراغ قد ينشأ.

لكن تبقى محاولات آسيا الوسطى للإفلات من قبضة موسكو هشة. وقد هدّد حدث واحد في العام الماضي بالإطاحة بهذه المحاولات حتى قبل أن تبدأ، إذ شعرت دول المنطقة بالذعر على إثر عودة «طالبان» إلى الحكم في كابول في الصيف الماضي. فالخطر الجهادي المحلّي تحت الرماد ويُهدّد بالتحوّل بين عشية وضحاها إلى أزمة خطرة. وقد شعرت كلّ من أوزبكستان وطاجيكستان بأنهما معرّضتان للتهديد الجهادي الذي تدعمه الجماعة الإسلامية في أفغانستان، نظراً لقربهما الجغرافي من أفغانستان. وقد نجحت الدولتان حتّى الآن في إبعاد هذا التهديد، ولكنه لم يختفِ. وفي ظلّ محاولة هذه الدول للخروج من قبضة روسيا، اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية التي جذبت أنظار العالم كلّه إليها.


MISS 3