كيلسانغ دولما

التيبتيون يحاربون للحفاظ على لغتهم الأم

28 أيلول 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

علم مكتوب عليه صلاة تيبتية في بيما أوسيل لينغ | كاليفورنيا
لطالما ركّز المدافعون عن حقوق الإنسان في التيبت على حقوق اللغة كونها تُعبّر عن الهوية الوطنية والعرقية. لكن زاد التركيز على هذه المسألة في السنوات الأخيرة تزامناً مع تصاعد الجهود التي يبذلها الحزب الشيوعي الصيني لمنع التيبتيين الخاضعين لسيطرته من ممارسة حقوقهم اللغوية. يُعتبر هذا التقييد اللغوي جزءاً من نزعة قديمة ترتكز على التطهير العرقي وقمع الأقليات، وهو يهدف إلى منع التيبتيين من الإطلاع على تراثهم وهويتهم عن طريق لغتهم.

في العاصمة لاسا اليوم، يُمنَع المعلمون التيبتيون من تعليم اللغة التيبتية بشكلٍ شبه كامل، ويتعلم معظم الطلاب التيبتيين مختلف المواد باللغة الصينية (باستثناء حصص اللغة التيبتية). كذلك، فُرِضت إيديولوجيا الحزب الشيوعي الصيني على المناهج الدراسية. بدل الاستفادة من تعليم يقدّر تراث التيبت ويحافظ عليه، يواجه التيبتيون اعتداءات نفسية تستهدف وجودهم بحد ذاته عن طريق المنهج التعليمي المفروض عليهم.

لهذه الأسباب، كُلّف الشتات بحمل شعلة هذه اللغة، لكن يسهل أن تتصاعد الضغوط على الأقليات في كل مكان. أصبح معدل معرفة القراءة والكتابة وسط اللاجئين التيبتيين أعلى مما هو عليه لدى التيبتيين المقيمين في التيبت المحتلة، وتُعلّم المدارس التيبتية في الهند آلاف الشباب التيبتي سنوياً. وبما أن أكبر عدد من اللاجئين التيبتيين يقيم في الهند (حوالى 100 ألف نسمة)، يستطيع الأولاد التيبتيون هناك أن يتعلموا لغتهم الأم بسهولة تفوق الخدمات التعليمية المتاحة في مجتمعات الشتات الأخرى.

أصبحت الجمعيات التيبتية أشبه بوطنٍ بعيد عن البلد الأم. لكنّ غياب التوجيهات المؤسسية يشكّل عائقاً أساسياً أمام الحفاظ على اللغة وسط الشتات التيبتي. كذلك، يؤدي غياب المساحات الدائمة إلى إضعاف فرص التعليم في صفوف مناسبة وإعاقة قدرة الطلاب على التعلّم. تتكل 14 جمعية تبيتية تقريباً على استئجار الصفوف في الولايات المتحدة، فهي لا تملك مركزاً اجتماعياً خاصاً بها، وتعجز الجماعات الصغيرة والفقيرة نسبياً عن تحمّل كلفة هذا النوع من المساحات في بعض الحالات. هكذا هو وضع "الرابطة التيبتية في فيلادلفيا"، تلك المدينة التي تشمل حوالى 160 تيبتياً. كانت هذه الرابطة تستأجر مساحات معينة عن طريق مركز "جمعية كالميك الأخوية"، لكن بيع ذلك المركز خلال فترة كورونا. تستطيع "الرابطة التيبتية في فيلادلفيا" أن تستأجر المساحات، لكنها تعجز عن تحمّل هذا النوع من التكاليف اليوم في معظم الأوقات.

يقول فونتسوك لاغيال، أمين عام "الرابطة التيبتية في فيلادلفيا": "من دون هذه المساحات الملموسة، لن يتمكن الأولاد من التواصل في ما بينهم باللغة التيبتية. من الأصعب أن نُعلّمهم الرقصات التيبتية التقليدية، ولا يمكن أن نقيم أي شكل من التواصل مع الطلاب من دون وجود مساحة مشتركة لجمعهم".

يقول لاغيال إن التيبتيين في فيلادلفيا يتألفون في معظمهم من أشخاص منتمين إلى الطبقة العاملة في مجالات البناء، والتدبير المنزلي، والتمريض، ولا يحمل إلا 10% من الراشدين شهادة جامعية أميركية. في السنوات القليلة الماضية، أخذت "الرابطة التيبتية في فيلادلفيا" على عاتقها مهمة جمع الأموال لإنشاء مركز اجتماعي دائم. في ظل غياب هذه المساحة، كانت الرابطة تتكل سابقاً على مكالمات الفيديو عبر تطبيق "زوم" لتعليم الأولاد في عطلة نهاية الأسبوع، لكن تبقى هذه الطريقة أقل فعالية من التعليم المباشر، ويؤثر هذا الوضع سلباً على الأولاد التيبتيين لأنهم يتكلون على هذا النوع من المدارس لتلقي شكل من التربية الثقافية.

حين سُئِل لاغيال عن التحديات الأخرى التي تُصعّب الحفاظ على اللغة التيبتية وسط الشتات، أجاب قائلاً: "نشأ الجيل الأصغر سناً كله مع الطلاب الأميركيين وقصد المدارس معهم، لذا من الطبيعي أن تُهمِل هذه الفئة الثقافة والتقاليد التيبتية. يتعلق عامل مؤثر آخر بعمل معظم الأهالي بدوام كامل، ما يعني أنهم لا يمضون وقتاً كافياً مع أولادهم لتعليمهم اللغة التيبتية".

يواجه التيبتيون المشاكل التي يتعامل معها مهاجرون آخرون، لا سيما صعوبة الاستفادة من التعليم بكلفة مقبولة. ينشأ التيبتيون اليوم في الولايات المتحدة، لكن لا تزال كتب الأطفال باللغة التيبتية حديثة العهد في هذه الفترة ولا وجود لأي كتب مدرسية تيبتية أميركية موحّدة. كذلك، قد تشكّل الرسوم التي تفرضها الجمعيات التيبتية عائقاً أمام بعض الأميركيين التيبتيين، مع أنها لا تكفي لتغطية تكاليف الجمعيات في الوقت نفسه.

على صعيد آخر، يعيش الشباب الأميركي التيبتي صراعاً فريداً من نوعه بين التطبيق العملي للغة، وقابلية استعمالها، والواجبات المكثفة التي ترافقها، نظراً إلى إصرار الحزب الشيوعي الصيني على محو اللغة التيبتية. ترتكز تلك الواجبات على إرادة الشباب التيبتي، لكن تعجز هذه الفئة واقعياً عن إتقان اللغة التيبتية من دون بذل جهود شاقة.

وفق استطلاع صغير حول التيبتيين في سن المراهقة أو في بداية العشرينات من عمرهم، يقول جميع المشاركين إنهم بدأوا يقصدون المدارس التيبتية في البداية انطلاقاً من واجبهم العائلي، ما يعني أنهم لم يتخذوا هذا القرار طوعاً. إنه وضع شائع وسط الجماعات التيبتية، لكن لا يُعبّر عنه الكثيرون علناً. يريد جزء كبير من الشتات التيبتي، بما في ذلك كبار السن والشباب، الحفاظ على لغتهم الأصلية، لكن تصطدم هذه الرغبة دوماً بالوقائع التي ترافق العيش في بلدٍ بعيد عن التيبت.

كذلك، يعترف جميع المشاركين في الاستطلاع بصعوبة تعلّم اللغة التيبتية في الولايات المتحدة. يقول كونسانغ دورجي، شاب من التيبت عمره 21 عاماً: "لم أشعر يوماً في صغري بوجود حاجة مُلحّة إلى الحفاظ على الثقافة التيبتية وسط الشباب الأميركي التيبتي. يعتبر الطلاب تعلّم اللغة التيبتية أشبه بواجب مفروض عليهم بدل أن يكون ضرورة ثقافية، لذا يصعب على الأساتذة أن يشجّعوهم على تعلم اللغة والتدرب عليها خارج الصفوف".

يقسم الشباب الأميركي التيبتي وقته بين مدرسة أساسها اللغة الإنكليزية ومدرسة تيبتية يقصدها الطلاب مرة في الأسبوع. ونظراً إلى ضيق الوقت، يضطر هؤلاء الشبان لتقييم أهمية دراسة كل لغة: تبقى اللغة الإنكليزية لغة الثقافة والسياسة والأعمال في الولايات المتحدة، بينما لم يسمع أحد خارج بلدهم الأصلي بلغتهم الأم. يستعمل جميع المشاركين في الاستطلاع مهاراتهم في اللغة التيبتية للتكلم مع أفراد عائلاتهم، لا سيما كبار السن التيبتيين الذين لا يتقنون اللغة الإنكليزية بما يكفي.

لكن لا أهميـــة لإتقان اللغة التيبتية في معظم الوظائف المتاحة في الولايات المتحدة، لذا يميل الشباب التيبتي إلى إعطاء الأولوية للغة الإنكليزية. عبّر عدد كبير من المشاركين في الاستطلاع عن امتعاضه من مدرسة نهاية الأسبوع، حيث يتولى متطوعون تقليديون تعليم اللغة التيبتية مع أنهم يفتقرون إلى الخبرة في مجال التعليم. يستفيد الناطقون بالإنكليزية من تعليم عام ومنظّم ومجتمع يفرض على الجميع إتقان هذه اللغة، بينما يضطر كل من يتعلم التيبتية للبحث عن من يُعلّمه هذه اللغة ويجب أن يتكيّف مع ظروف غير مثالية في معظم الأوقات.

كـــيـــلـــســـانـــغ دولـــمـــا

تفرض سياسة اللغات ضغوطاً ملموسة وتؤثر على تشجيع الطلاب التيبتيين أو إحباطهم. ذكر عدد كبير من المشاركين في الاستطلاع أنه شعر بضغطٍ هائل لدراسة اللغة التيبتية نظراً إلى قمع الحقوق اللغوية في التيبت. في هذا السياق، يقول تنزين رابغا شومبهيل، وهو أميركي تيبتي عمره 23 عاماً: "قد يشعر بعض التيبتيين في الشتات بضغوط إضافية أو بالذنب، ما يدفعهم إلى تعلّم لغتهم الأم لمجرد أنها مقموعة في بلدهم الأصلي". نشأ عدد كبير من الشباب التيبتي في أُسَر يشتكي فيها كبار السن من خسارة التيبت وحقوق التيبتيين. وحتى لو لم يبلغ إتقان اللغة التيبتية وسط الشباب الأميركي التيبتي المستوى المطلوب، تبقى الجماعات التيبتية الحيوية موجودة في مدن أميركية مثل نيويورك ومينيابوليس. قد يجد الشباب التيبتي صعوبة في تكلم لغته الأم بطلاقة، لكن تتفاعل الجماعات التيبتية في ما بينها باستمرار وتشارك في نشاطات ثقافية وسياسية سنوياً.

رغم المشاكل التي يواجهها الشتات التيبتي للحفاظ على جذوره، تبقى قصة هذه الجماعة قوية ومُلهِمة. يعترف معظم المشاركين في الاستطلاع بأنهم تعلّموا أن يقدّروا قيمة اللغة التيبتية في مرحلة لاحقة من حياتهم. قد لا تكون جهود الحفاظ على الثقافة التيبتية مثالية، لكن تشكّل هذه الحركة مصدر إلهام لجماعات تعيش الظروف نفسها. في هذا السياق، يقول الناشط جيفري نغو من هونغ كونغ: "إذا كنا نسعى إلى الحفاظ على هوية هونغ كونغ، سيكون هدفنا ثقافياً بطبيعته أكثر مما هو سياسي".

يعمل المعلمون المتطوعون وقادة الجمعيات التيبتية مقابل مبلغ زهيد أو بلا مقابل. بالنسبة إلى شريحة واسعة منهم، يرمز هذا العمل إلى حبهم لشعبهم وللتبت. قد لا يزور جزء كبير من الشباب الذي يقصد المدارس التبتية في عطلة نهاية الأسبوع التيبت يوماً، لكن يستطيع هؤلاء الطلاب أن يختبروا حقيقة التيبت عبر سماع القصص عنها أو مشاهدة الفيديوهات على يوتيوب. تسمح لهم المدارس التيبتية بتعلّم لغتهم الأم، وهم يغوصون في تلك اللحظات في عالمٍ قيّم ولو أنه غير ملموس.


MISS 3