جاد حداد

Athena... عن عنف الشرطة في الضواحي الفرنسية

29 أيلول 2022

02 : 00

يصعب أن نجد عملاً تطغى عليه أجواء الغضب المبررة بقدر فيلم Athena هذه السنة. تتلاحق الأحداث المحتدمة في هذه القصة التي تتناول مواضيع العنصرية، واللامساواة، وعنف الشرطة، وهي مظاهر مستفحلة في أوساط أصحاب البشرة الملونة في الضواحي الفرنسية. يعرض المخرج رومان غافراس هذه الأجواء عبر لقطة واحدة ومتواصلة، ما يثبت براعته التقنية المبهرة، ولو أن هذا الأسلوب يبدو صاخباً أكثر من اللزوم أحياناً.

نسمع في البداية صوت نشرة الأخبار في خلفية المكان، فندرك سريعاً أن حوادث عنف الشرطة بدأت تتوسع في الفترة الأخيرة. ثم نشاهد وجه "عبدل" (دالي بن صلاح) الذي يحمل علامات التحدي: عاد هذا الجندي الفرنسي للتو من خدمته العسكرية في مالي، وهو شقيق "إيدير" البالغ من العمر 13 عاماً. وقع هذا الأخير ضحية حادثة مماثلة وقُتِل على يد الشرطة. يشعر "عبدل" بحزن شديد ويريد تحقيق العدالة. لكن يحافظ الضابط العسكري المسؤول عن القضية على برودة أعصابه ويدعو جماعته في محيط مركز الشرطة إلى الاقتداء به. لا تقطع الكاميرا التصوير في هذا المشهد، وسرعان ما تعثر بين الحشود على "كريم" (سامي سليمان)، شقيق "عبدل". تتّضح معالم الغضب في نظراته، وتوحي حركاته بأنه قليل الصبر، وسرعان ما يشعل زجاجة مولوتوف ويرميها نحو الباب، فيطلق بذلك أعمال شغب مدروسة وسط الحشود الهائجة. في غضون ذلك، يسيطر "كريم" والمحتجون على المكان ويحصلون على كمية كبيرة من الأسلحة وتلاحق الكاميرا، تحت إشراف مدير التصوير ماتياس بوكار، تحركاتهم بأسلوب سلس وحيوي وصولاً إلى مشروعهم السكني "أثينا": يكنّ هؤلاء الثوار احتراماً كبيراً لهذا المكان الشامخ.

تبدو الموسيقى التصويرية النابضة في هذا المشهد ولقطات مبهرة أخرى قوية ومُتعِبة أحياناً. لكن باستثناء هذا الجانب الصاخب، يبقى العمل ممتعاً جداً عند التعامل معه كفيلم تشويق سياسي ودراما معاصرة، حيث تتسارع الأحداث وتتّضح المؤثرات السينمائية المبهرة والخبرات التقنية اللافتة.

يعرض الفيلم قصة أشقاء "إيدير" الثلاثة المختلفين، ويتّسم بجانب عاطفي مؤثر في اللحظات النادرة التي يُركّز فيها على الأحداث والتوجهات البسيطة والهادئة، بما في ذلك مشهد واقعي لجنازة إسلامية تطغى عليها مشاعر الألم والضغينة وسط عائلة الفتى المقتول. على صعيد آخر، يشمل الفيلم حبكة أكثر تعقيداً من الناحية السردية عند عرض قصة الشقيق الثالث "مختار" (واسيني مبارك). إنه الشقيق الذي يجد فرصة لجمع المال بطريقة غير قانونية رغم الظلم الذي تعرّضت له عائلته. هو يدير عملية لتجارة المخدرات خارج مجمع "أثينا"، وسرعان ما ندرك أن أكثر ما يهم "مختار" هو إنقاذ نفسه، حتى لو اضطر للجوء إلى وسائل مشبوهة لتحقيق غايته.

انطلاقاً من السيناريو الذكي والمؤثر، وهو من كتابة غافراس، والياس بلقدار، ولادج لي، يصبح الأشقاء الثلاثة أدوات فاعلة لتجسيد مختلف الطرق التي يستعملها المهاجرون والمهمشون للتعامل مع أنظمة السلطة التي لا تُسهّل عليهم تحقيق النجاح. يكون "عبدل" الشخص المعتدل الذي يؤمن بوجود حل يرضي جميع الأطراف. في المقابل، يكون "مختار" الشخص الانتهازي الذي يلاحظ المشكلة ويبحث عن الثغرات ليشق طريقه ويحقق المكاسب المالية والنفوذ. أما "كريم"، فهو الشاب المتطرف والعدائي والمقتنع بأن النظام القائم لن يصبح عادلاً مع أي طرف إذا لم يسقط ويعاد بناؤه بطريقة مختلفة.

تنحصر هذه الصراعات في معظمها وسط الجماعات الفرنسية التي يسلّط الفيلم الضوء عليها، لكنها تحمل طابعاً عالمياً أيضاً، وقد اتضحت معالمها حديثاً في الولايات المتحدة تحديداً. ورغم الغموض الذي يطبع الأفكار المطروحة من الناحية الأخلاقية، يعكس الفيلم حقيقة هذه المعارك رغم الأسلوب الصاخب الذي يطغى على الأحداث أحياناً.