ريتا ابراهيم فريد

بعدما زرع قلباً جديداً في إيطاليا

أحمد دلباني في اليوم العالمي للقلب: لا تفقدوا الأمل

29 أيلول 2022

02 : 01

أحمد تعافى وعاد إلى ممارسة حياته الطبيعيّة
يعيشون في قلقٍ مستمرّ من وعكةٍ صحّية مفاجئة، قد تتطوّر الى ذبحةٍ قلبية تؤدّي الى الوفاة. ممنوع عليهم القيام بأيّ نشاطٍ زائدٍ أو رياضة صعبة تحتاج الى جهد. هم مرضى القلب الذين اعتادوا على التعايش مع عددٍ كبير من الأدوية، وباتت آلة قياس ضغط الدم رفيقتهم اليومية. مأكولات عدّة عليهم تجنّبها، إضافة الى حرمانهم من عاداتٍ كثيرة. أما مرضى القلب في لبنان، فقد فُرض عليهم قلق إضافيّ في صعوبة تأمين أدويتهم، وارتفاع تكلفة العلاج في المستشفيات، تزامناً مع هجرة لعدد كبير من الأطبّاء. ناهيك عن التوتّر النفسي اليومي جراء الأزمات المعيشية المتلاحقة، ما من شأنه أن يشكّل خطورة مباشرة على صحّتهم.

القلب، هذه العضلة الصغيرة الموجودة داخل القفص الصدري التي تحوي بداخلها أعظم مشاعر الحب، هي العضلة التي تنبعث منها شرايين الحياة، هي فعلياً المؤشّر الأقوى على الحياة. لذلك، مهما عانت وضعفت وتعبت، إلّا أنّها تبقى مصدراً أساسياً للأمل الدائم بإمكانية تخطّي المرض والتعافي.

وفي اليوم العالمي للقلب الذي يصادف 29 أيلول من كلّ عام، تواصلت "نداء الوطن" مع الشاب أحمد دلباني الذي عاش تجربةً صعبة في صراعه مع مرض القلب، وأمضى ثلاث سنوات مع الألم والقلق والإنتظار. لكنّه تعافى أخيراً بعد أن أجرى عملية زراعة قلب في إيطاليا. أحمد روى تفاصيل تجربته والمعاناة الكبيرة التي مرّ بها قبل أن يتعافى، حيث باتت قصّته أشبه برسالة أمل لكلّ مريض قلبٍ، وتأكيدٍ على أنّ الشفاء ممكن بالصبر والإيمان والثقة بالله.

حامل قلبي ع إيدي!


في العام 2018، كان أحمد يعاني من ضعفٍ شديدٍ في القلب، حتى باتت عضلة قلبه تعمل بنسبة لا تزيد عن الـ5 بالمئة! اضطرّ الى الإستعانة بقلب إصطناعيّ كان يحمله بيده، وهو عبارة عن جهاز داخل حقيبة ترافقه أينما ذهب، حتى جسّد فيها العبارة العامية التي تقول: "أنا حامل قلبي ع إيدي".

تدهور وضعه الصحّي بسرعة كبيرة. فحُرم من القيام بنشاطاته المعتادة والرياضة التي كان يقوم بها، ومُنع عليه أي جهدٍ أو حركة زائدة. حتى الأطعمة التي كان يتناولها، كانت محصورة بأنواع معيّنة.

أحمد الذي توفّي والده حين كان صغيراً، يشدّد على أهمية الدور الذي لعبته والدته خلال فترة المرض الصعبة. ويقول: "لولا وقوف والدتي الى جانبي في تلك المرحلة، لما استطعتُ أن أواجه كل هذه الصعوبات. الدعم النفسي الذي قدّمته لي كان هائلاً، كما أنّها رافقتني في كلّ خطوة وكانت سنداً حقيقياً في كل المراحل".

صلاة ودعاء مستمرّ


في العام 2019، وتحت عنوان "كلنا قلبك يا أحمد"، أطلق رواد مواقع التواصل الإجتماعي بالتعاون مع جمعية بنين الخيرية وعدد من الوسائل الإعلامية حملةً ضخمة لجمع التبرّعات. المبلغ تأمّن بسرعة، وسافر أحمد مع والدته لإجراء العملية الجراحية في إيطاليا.

هذه الفترة كانت شديدة الصعوبة. إذ تزامن وجوده في إيطاليا مع بداية تفشّي فيروس "كورونا". لا سيّما أنّ إيطاليا كانت من أكثر البلدان التي عانت من هذا الوباء، حيث اكتظّت المستشفيات بأعداد هائلة من المرضى، فيما كان الضحايا يسقطون يومياً بالآلاف. فاضطرّ دلباني الى مضاعفة إجراءات الوقاية الصحية، حتى كان ممنوعاً عليه لمس أيّ غرض أو مجرّد الخروج من المنزل، إلا لزيارة المستشفى.

بين العلاج والمراقبة المستمرّة، أمضى أحمد سنة كاملة وهو يرزح تحت ضغط نفسيّ هائل، تزامن من القلق في فترة الإنتظار لتأمين قلبٍ جديد تتناسب مواصفاته مع طبيعة جسمه، خصوصاً لناحية الطول والوزن وحجم القلب. وكان الأطباء قد صارحوه بأنّ فترة الإنتظار قد تطول قبل العثور على قلب مناسب. وطلبوا منه تخفيف وزنه مع عدد من الإجراءات الوقائية والاستعدادات.

"أنا بطبعي شخصٌ صبور"، يؤكّد أحمد في هذا الإطار، ويضيف: "كنتُ مؤمناً بأنّ يوم الفرج سيأتي. فحاولتُ أن أواسي نفسي بهذه الطريقة، وبالأمل الدائم. ورغم صعوبة هذه المرحلة وكل ما ترافق معها من ضغط نفسي وخوف وإحباط، لكنّي لم أفقد إيماني بالله وبرحمته لحظةً واحدة. وتخطّيتُ هذه الفترة بالصلاة والدعاء المستمرّ على نية شفائي وشفاء جميع المرضى".

وُلدتُ من جديد


اليوم, بعد كل هذه المعاناة، أحمد تعافى، وعاد الى الحياة بقلبٍ جديد. محمولاً على الأكتاف استقبله عدد من الأصدقاء والمحبّين في مطار بيروت قادماً من إيطاليا. ويقول في هذا الإطار: "بعد أن وفّقنا الله وأجرينا العملية بنجاح، شعرتُ كأنّي ولدتُ من جديد. بتّ قادراً على القيام بنشاطات كنتُ محروماً منها في السابق. وبدأتُ بالفعل أختبر كيف يمكن للإنسان أن يعيش حياةً طبيعية". هذا ويشير الى أنّ هذه التجربة أتاحت له أن ينظر الى الحياة بشكلٍ مختلف، وبات متسامحاً ومنفتحاً أكثر.


وفي اليوم العالمي للقلب، وجّه أحمد رسالةً الى مرضى القلب، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالإحباط، وقال: "أطلب منهم أن يصبروا وألّا يفقدوا الأمل أبداً. فالرب الذي وضع الإنسان في هذه المحنة، سيشفيه كما شفاني. على الإنسان أن يرضى بحكم الله ويسلّم أمره له وأن يثق دوماً برحمته".