طوني أبي نجم

هل يحدّ الحريري من خسائره؟!

19 كانون الأول 2019

02 : 00

أخطأ الرئيس سعد الحريري كثيراً في الأيام الأخيرة حين علّق كل آماله على الثنائي الشيعي ليحصل على تكليفه برئاسة الحكومة من جديد، بعيداً من الغطاء الميثاقي مسيحياً، وشكل هذا الرهان خطيئة وطنية قبل أن تكون سياسية.

وطنياً حاول الرئيس الحريري أن يتناسى، كما مضيفه الرئيس نبيه بري، أن رئيس المجلس امتنع عن عقد جلسات نيابية عامة يوم قاطعتها الأحزاب المسيحية الأساسية، وتحديداً "التيار الوطني الحر" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب اللبنانية"، فإذا كان مجرّد عقد جلسة نيابية في غياب هؤلاء يشكل خرقاً للميثاقية، فهل يجوز تكليف رئيس جديد للحكومة في ظل امتناع هؤلاء عن تسميته؟

رُبّ قائل إن الحريري كان بإمكانه أن يحظى بأصوات نحو 20 نائباً مسيحياً، وثمة من سرّب أن تيار المردة يمكن أن يؤمن الميثاقية، وهنا لبّ الخطورة الوطنية لأن في هذا القول محاولة لاستعادة حقبة التسعينات من القرن الماضي، يوم غيّب نظام الاحتلال السوري ممثلي المسيحيين الفعليين واستعاض عنهم بشخصيات متفرقة لتأمين غطاء شكلي لاستمرار احتلاله ووصايته على المنظومة السياسية اللبنانية الموالية له. والثابت أن استعادة تلك الحقبة مستحيلة وتشكل ضرباً خطراً للميثاقية وللتوازنات الوطنية...

في السياسة لا يمكن على الإطلاق فهم كيف يكون الحريري على خصام مع حليفه الأول منذ "ثورة الأرز"، أي "القوات اللبنانية"، وأيضاً مع "شريكه" الأول في التسوية الرئاسية. فهل يُعقل ألا يتمكن الحريري من التفاهم مع الدكتور سمير جعجع أو مع الوزير جبران باسيل في الوقت نفسه على اسم لرئاسة الحكومة؟

وفي السياسة أيضاً كان على الحريري أن يلجأ إلى سياسة الحد من الخسائر، تماماً كما فعل "صديقه" الوزير جبران باسيل، وذلك من خلال الانسحاب من السباق وتبني مرشح يحصل على الحد المطلوب من التوافق الوطني مع الشارع اللبناني ورضى المجتمعين العربي والدولي. فالحريري الذي عجز عن إقناع السعوديين بالمشاركة في اجتماع باريس الأخير كما عجز عن إقناع الرياض وأبو ظبي في تقديم أي دعم للبنان، والذي فشل في إقناع الأميركيين بمساره ليساعدوه في الضغط لتأمين متنفس مالي واقتصادي، كان سيجد نفسه في وضع أسوأ بكثير في حال قرر ركوب قارب "حزب الله" للعبور مجدداً إلى السراي.

الجميع سيكون بانتظار قرار سعد الحريري صباح اليوم بتسمية شخصية موثوقة لرئاسة الحكومة الجديدة بما يحفظ التوازنات الوطنية، فلا يفوّت الفرصة على نفسه وعلى البلد، وخصوصاً أنه ظهر "على الكتف أكثر من حمّال" في ظلّ مكابرته، وخصوصاً بعد التراجع الواضح لدار الفتوى عن منحه البركة الحصرية.

تبقى العقدة الأساسية متمثلة في ضرورة امتناع "حزب الله" عن فرض أي "فيتو" على أي اسم يطرحه رئيس تيار المستقبل، لأنه وإن كان مطلوباً من سعد الحريري أن يخلي الساحة استجابة للمطالب الشعبية، فإن على "الحزب" أن يرضخ لقاعدة الميثاقية فيحفظ التوازنات التي اعترف بها الجميع والتي تنص على أرجحية الحريري في تزكية شخصية من التكنوقراط من المقربين منه والتي تنال ثقة الشارع، بما يفسح الطريق أمام تكليفها لتشكيل حكومة جديدة من المتخصصين وأصحاب الكف النظيف على أمل تحقيق صدمة إيجابية للبدء بعملية الإنقاذ الوطني المطلوبة مالياً واقتصادياً واجتماعياً.


MISS 3