عماد موسى

قاعة الوصول: تاكسي تاكسي

13 تشرين الأول 2022

02 : 00

خارج إدارات الدولة المهلهلة، وعيادات الأطباء ممّن لا يحترمون وقت مرضاهم، وخارج الصفوف الطويلة أمام فرن أو مصرف أو محطة وقود، أجد متعة في الإنتظار وتأمل وجوه الناس وسلوكهم ومشاعرهم. قاعة الوصول في مطار رفيق الحريري الدولي مختبر مشاعر.

الإثنين وصلت قبل ساعة من هبوط طائرة ألمانية تقلّ عطر عمري. أول ما اختبرته من أحاسيس آه كم أحب الجلوس في "كافيه ماتيك" وآخ كم أكره فواتيره. وأحسست كذلك أن النار تطلع من خدّيّ وأذنيّ بسبب الحرارة المرتفعة. التكييف في قاعة الوصول ذاتي. أو تأتي بمروحة من البيت أو تشتري جريدة وتستعملها كمهواة يدوية.

وجدتُ لنفسي مقعداً إلى جانب سيدة ممسكة بباقة ورد بِكلتا يديها. ورد أحمر. دزينة ورد أحمر. تنتظر حبيباً على الأرجح، أو زوجاً. قد يكون الزوج هو الحبيب. أو يكون الحبيب مشروع عريس مؤجل بانتظار بدء ضخ الغاز من حقل قانا. لم أشح بنظري عن الورود وتبيّن لي بعد التدقيق أنها ورود إصطناعية. وصل الحبيب. وجه ناشف لا يستأهل أن تقطف له وردة نديّة معطّرة بشوقها إليه.

على الحاجز الفاصل بين العائدين ومستقبليهم اصطفّت تشكيلة مواطنين من كل الطبقات الإجتماعية تتطلع بعيون مشتاقة إلى الركاب الوافدين... وإلى رفوف المضيفات الممشوقات العابسات الأنيقات الخارجات من المطار، عبر الممرّ الإجباري بخطى متساوقة كفرقة من جيش كيم جونغ أون، يتقدّمهم الكابتن ومعاونوه. انقطع التيار الكهربائي لثوانٍ قليلة وكأن شيئاً لم يكن. غصّة موتور.

اللبناني الوافد عاطفي جداً. يقبّل أيدي الأبوين. يحتضن الأطفال. يقبّل الزوجة بأسلوب الوحش الجميل. أحدهم، وكأنه تمرّن في الطائرة على ملاقاة أمّه. ما إن لمحها حتى دار لسانه على جملة واحدة: ممنوع تبكي. ممنوع تبكي. ممنوع تبكي. غمرت الأم ابنها الضخم ولم تبك فيما غرق العتعيت في نهر دموعه. قطّعلي قلبي.

لاحظت وأنا متكّئ على الحاجز المعدني وجود أربعة شباب مفتولي العضلات ضمن المنطقة المحظورة على المستقبلين ورجل أمن خلف "ديسكه" يحلم بأيام أفضل. ظننتهم أمن دولة أو أمن دويلة، ويحق لهم ما لا يحق لنا. أحدهم لحق بسيدة مسنّة معرّفاً عن نفسه: "تاكسي تاكسي". أشاحت بنظرها عنه فيما "عورض" زميل له أمام رجل تساوى طوله وعرضه فشكّل كرة أرضية متدحرجة. تاكسي تاكسي. تفاوضا. نجح الطويل في اصطياد المستدير.

تذكرت موقف الروكسي وساحة البرج يوم كانت الأصوات تتداخل في سمفونية نشاط. وفي وقفتي تلك شاهدت مرغماً، ولعشر مرات، فيلماً توجيهياً عن الأمن السهران وتفرجت على بوسترات أهلا بهالطلّة الصالحة لموسم سياحي جديد.

قاعة الإستقبال في المطار واحدة من واجهات البلد. إنقطع التيار الكهربائي مجدداً. الحرارة لا تُحتمل. تلفتّ شمالاً ويميناً علّني ألمح بائع كازوزا من الزمن الجميل وأسمع صوت فتّاحة القناني على قنينة تمر هندي جلّول.


MISS 3