جولي مراد

نعم أنتَ!

6 تموز 2019

10 : 13

أنتَ. نعم أنتَ. أنت يا مَن تقرأ أسطري هنا بحثاً عمّا يشفي غليلك أو يُرضي فضولك. يا مَن توزّع الاتهامات يمنةً ويسرةً. مَن لا يتوانى عن رفع اصبعه استنكاراً كلّما اشتدت الأزمات. أنت يا مَن لا يرى إلا "القشة" في عين سواه ولا يعتبر نفسه معنياً بأيّ شواذّ يُرتكب.
نعم أنتَ! لا تدَّعِ البراءة زيفاً. لا تدفن رأسك في الرمال. لا تتنصّل من مسؤوليتك جُبناً. أنتَ شريكٌ في الجرم بقدر مَن تحاول إصابتَه بنِصالك إن لم يكُن أكثر. أنتَ من يصوّت دوماً لطاقمٍ مِن الأيادي السود. من يغضّ الطرف عن أدلّةٍ دامغة كرمى لهواجسك الطائفية.


أنتَ مَن يستسهل العبور عند الأحمر ويمقت انتظار الأخضر. مَن يتواطأ مع وضعاء النفوس لنهب الدولة وإفلاس المؤسّسات. مَن يُطلق رصاصات الحبور احتفالاً بانتصارٍ أبله أو إنجازٍ "مُفتعل".
أنتَ من يرفض فرز قمامته في بيته ويرتضي أكواماً منها على قارعة الطرقات وامتداد الشواطئ. مَن يرفض النزول الى الساحات للمطالبة بحقوقٍ بديهية ويحرق الدواليب بإشارةٍ من زعيمٍ فاسد لِما هو "غير مستحَقّ". أنتَ مَن يرقص لقطع الطرقات بسواعد أبناءٍ من "قطيعه" ويرفض اختلاف الرأي ويمتهن الاستقواء والبلطجة. أنتَ من ينفث نرجيلته في وجه مَن حوله غير آبهٍ بطفلٍ أو مريض. مَن يركب أفخر السيارات ويرمي نفايته من نافذتها. من يُطلق العنان لمذياعه كي "يلعلع" في ساعات متأخّرة ليلاً مقلقاً الجيران والمحيط. أنت مَن يرفض لياقة القيادة ويختار بديلاً منطق "التطحيش" و"السلبطة"، مَن يرتضي أن "يُستهبَل" بتأكيداتٍ لا تنطلي على طفلٍ مِن شاكلة كلام رئيس بلدية بيروت: "أدخلتُ رأسي في داخون محرقة سويسرا وإذ بالهواء فيها أنقى ممّا هو خارجها" أو "نفائس" وزير البيئة: "روائح مطمر برج حمود الكريهة غير مؤذية ولا تضرّ بصحتك!".


لا، لم أنتهِ بعد. إسمعني حتى النهاية. أنتَ من يلهثُ وراء نجومٍ محليّين أو أجانب مُبتذلين بطبلٍ وزمرٍ مُتجاهلاً كبار مبدعيه وأكثرهم رُقيّاً ورفعةً في الأخلاق. أنتَ مَن يكره المنافسة الشريفة ويتفنّن في الغشّ والاحتيال، تارةً في المنتوجات المحلّية وطوراً في البضائع المستوردة. أنتَ مَن يستغني عن توظيف أخيك في الوطن للتهرّب من مستحقاتٍ تستوجِب عليك قانوناً. أنتَ مَن ينهش الجبال الخضراء. مَن يُفلت عليها الكسارات ويحوّلها إلى مساحاتٍ قاحلة مبقورة. أنتَ مَن يملأ بحره مِن فضلاته حتى بات الأبيض أخضرَ ثمّ أسود. أنت مَن يعلّم أولاده أن الشطارة في "الاحتيال" والغباء في "الاستقامة". أنتَ مَن بعتَ أخلاقَك وهويّتك وبلدَك بحفنةٍ ثم رحتَ تلوم القاصي والداني على مآسيك ومفاجعك، فرجاءً لا تبكِ أمامنا كالنساء مُلكاً لم تحافظ عليه كالرجال!


MISS 3