ماريو ملكون

رسالة الترسيم: عَشْرُ خِدَع!

16 تشرين الأول 2022

15 : 37

تضمّنت الرسالة التي توجّه بها الرئيس ميشال عون للبنانيين مساء الخميس الفائت جملة من القطب التي احتوت على خِدَع محبوكة بطريقة احترافية قد تنطلي على الرأي العام، وذلك بناءً على عدد من تحليلات الخبراء ومضامين القراءات الهندسية والقانونية للاتفاقية.


أولاً، أعلن عون أنّ "موافقة لبنان على اعتماد الصيغة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية تأتي بعد إعلان الحكومة الاسرائيلية موافقتها"، وهو ما يتعارض مع موعد عرض اتفاق ترسيم الحدود على الحكومة الاسرائيلية للتصويت الحاسم في ٢٦ الجاري.


ثانياً، بدأ عون رسالته بالقول إنّ المفاوضات التي أطلقها لبنان لترسيم حدوده البحرية الجنوبية قد بدأت منذ عشر سنوات، حاصراً شكره بعدد من المسؤولين وعلى رأسهم النائب جبران باسيل في تجهيل تام لحقيقة مَن أطلق المفاوضات وواظب على عقد سلسلة من الجولات الاقليمية والدولية في هذا السياق، حيث أنّ الخطوات قد بدأت قبل أكثر من ١٥ عاماً وتحديداً في ١٧ كانون الثاني ٢٠٠٧ عندما حدّدت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قسماً من منطقة لبنان الاقتصادية الخالصة في خط الوسط مع قبرص، وأقدمت ما بين العامين ٢٠٠٨ و٢٠٠٩ على تحديد حدود لبنان الباقية مع قبرص وفلسطين جنوباً عند الخط ٢٣ من جهة وقبرص وسوريا شمالاً عند الخط ٧ وثُبّت ذلك في حكومة الرئيس السنيورة بتاريخ ١٣ أيار ٢٠٠٩ وسُجّلت على عهد حكومة الرئيس سعد الحريري في الامم المتحدة بتاريخ ١٤ تموز ٢٠١٠.


ثالثاً، إعتبر عون أنّ ما يحتاجه لبنان من استقرار وأمان سيتحقّق عبر استكمال الترسيم بعمليات التنقيب عن النفط والغاز، فيما الوقائع تُشير أنّ أزمات لبنان لم تنجم عن غياب الثروات النفطية بل بسبب وجود منظومة الفساد والسلاح التي نهشت كلّ الثروات والخيرات والارزاق على مدى عقود، كما أنّ التنقيب والاستخراج لن يحلّ مشاكل لبنان في ظلّ سلطة لا تترك مورداً للدولة والشعب إلا وتنقضّ عليه، وبالتالي المطلوب البدء الفوري بتطهير الحكم من الفاسدين حفاظاً على ثروات الاجيال القادمة.


رابعاً، إعتبر عون بأنّ المماحكات السياسية والحجج التي تذرّع بها البعض هي التي عرقلت المشاريع الحيوية، فيما الوقائع تُشير بأنّ أكثر مَن عرقل مسارات النهوض والمفاوضات ضمناً هو الفريق الموالي والمتحالف مع عون وعلى رأسه حزب الله، حيث مورست حملات من الجدل العقيم والمزايدات والتخوين خدمةً لمشروع "الحزب" وسياساته الاقليمية، وقد أفضت اليوم إلى ما أقرّته حكومتيّ السنيورة، الحريري ما بين عاميّ ٢٠٠٧ و٢٠١٠.


خامساً، أكّد عون أنّ لبنان حافظ على حقل قانا كاملاً وأنّ التعويضات التي طالبت بها اسرائيل ستنالها من شركة "توتال" كما أنّ لبنان لم يعترف بخط الطفافات الذي استحدثته اسرائيل عام ٢٠٠٠، وقد إلتفّ بذلك على حقيقة أنّ خط الترسيم ٢٣ يبدأ من البحر وليس من البر عند الناقورة ما يعني اعترافاً بخط الطفافات التي أرسته اسرائيل ويضمن ترتيباً أمنياً للاخيرة جنوب رأس الناقورة.


سادساً، إدّعى عون أنّ المفاوضات أفضت إلى استحصال لبنان على كامل حقل قانا وحماية شاملة لحقول ٨، ٩ و١٠ من دون تعويض يدفع لاسرائيل من قبل لبنان بل عبر شركة توتال دون أن يؤثّر على العقد الموقّع بين لبنان وتوتال، وهو يخفي حقيقة أنّ الاتفاقية منعت أيّ سيادة للبنان على حقل قانا (البلوك ٩) البالغة مساحته ٢٠ كلم مربع مقابل تكريس سيادة اسرائيلية كاملة على البلوك ٧٢ إضافةً إلى استباحة ما بعد خط "هوف" في اتجاه لبنان أيّ البلوكين ٨ و٩ معاً.


سابعاً، أكّد عون أنّ لبنان لم يقم أيّ تطبيع مع اسرائيل ولم تعقد أيّ محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها، وهو ما يتناقض مع مضمون الاتفاقية الذي ينصّ على وجوب تبادل البيانات بين لبنان واسرائيل حول كافة الموارد الموجودة في الجهة المقابلة لخط الحدود البحرية، إضافةً إلى إجبار لبنان على تقديم بيانات حوله لاسرائيل.


ثامناً، أكّد عون أنّ الاتفاق لم يمسّ حدود لبنان البرية، ولكن مضمون الاتفاقية ثبّت التخلّي عن رأس الناقورة.


تاسعاً، أكّد عون أنّ لبنان استعاد زمام المبادرة وأنّ على شركة توتال البدء بأعمال التنقيب في حقل قانا، فيما الاتفاقية تؤكّد أنّه لا امكانية لأيّ شركة أن تتحرّك في حقل قانا الا بالتفاهم مع اسرائيل وذلك بعد أن يبرم الطرفين مفاوضات مالية قد تطول مدّتها لأجل غير مسمّى، بينما تستطيع اسرائيل أن تبدأ العمل بحقل كاريش وقد بدأت بعمليات الضخ فيه.


عاشراً، إعتبر عون أنّ نصّ الاتفاق يُطمئن ويُضفي شعور بالاستقرار على طرفيّ الحدود كونه يتضمّن كيفيّة حلّ أيّ خلافات في المستقبل وكيفية مقاربة التعامل مع ظهور أيّ مكمن نفطي آخر مشترك مع اسرائيل، وهو بذلك لا يُعلن صراحة ما تضّمنه الاتفاق عن منع لبنان تقديم أيّ إحداثيات جديدة للأمم المتحدة والقضاء الدولي مستقبلاً إلا بالاتفاق مع اسرائيل، كما يغيب أيّ دور للقانون الدولي والامم المتحدة ويمنع لبنان من اللجوء إلى المحاكم الدولية لحلّ الخلافات والنزاعات.

MISS 3