راكيل عتيّق

"الثنائي الشيعي": لا نريد "المثالثة" وهذا هدفنا

18 تشرين الأول 2022

01 : 59

أثبت الدستور اللبناني بعد التعديلات التي أدخلت إليه عام 1990 بموجب "اتفاق الطائف"، بالتجربة والممارسة، أنّه مشوبٌ بثغرات عدة استغلّها الأفرقاء السياسيون في التعطيل والعرقلة. لكنّ فتح باب تعديل الدستور في لبنان، حتى لو اقتصر على الثغرات التقنية والمهل، يعني بالنسبة الى الطوائف والأحزاب الرئيسية، المسّ بالتوازن الوطني وتوافقية العيش المشترك والمناصفة التي كرّسها "اتفاق الطائف"، والذي بموجبه توقفت الحروب اللبنانية، ما قد ينقل البلد الى مرحلة نزاعات جديدة تطاول النظام وبالتالي صلاحيات "الطوائف" ووجودها في الدولة وصولاً الى شكل الدولة، ما ليس من السهل تحقيقه على "البارد".

لذلك يتمسّك معظم الأفرقاء اللبنانيين بـ"اتفاق الطائف" راسمين "خطاً أحمر" أمام تعديله. وهذه الحماية لـ"اتفاق الطائف" سياسية وطائفية، داخلية وخارجية. لذلك عند "اشتمام" أي مسعى للمسّ به يُجابه برفض ومعارضة، خصوصاً من السُنة الذين يعتبرون أنفسهم حماة هذا الاتفاق، الذي تمّ التوصل إليه بعد مسعى إسلامي، تحديداً سنّي، منذ عهد الرئيس كميل شمعون، لتحقيق المناصفة بين المسلمين والمسيحيين والحد من صلاحيات رئيس الجمهورية وتحويل النظام من رئاسي الى برلماني، وهذا المسعى كان واحداً من أسباب الحرب. وإذ يرفض المسيحيون والسنة المسّ بالمناصفة و"اتفاق الطائف"، هبّت الأطراف المعنية الى "نسف" العشاء الذي كان سيجمع ممثّلين عن الأحزاب اللبنانية في منزل السفيرة السويسرية في بيروت مساء اليوم، على أن يليه مؤتمر في جنيف، وذلك بعد ما أشيع عن أنّه يرمي الى حوار وتسويات قد تصل الى نسج اتفاق لبناني - لبناني على تعديلات دستورية وبالتالي "نسف اتفاق الطائف".

"الهجمة الاستباقية" من حماة "اتفاق الطائف" ورعاته دفعت بالسفارة السويسرية الى إرجاء العشاء، على رغم أنّ الهدف منه كان "التحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار... وهذه المناقشات تأتي في ظلّ احترام تام لـ"اتفاق الطائف" والدستور اللبناني"، كما أعلنت السفارة أمس في بيان. وفي حين دحضت السفارة كلّ ما أشيع وحصل من تضخيم للعشاء، إلّا أنّ مجرد "جمع" الأفرقاء اللبنانيين للتناقش يثير المخاوف لدى البعض من المسّ بـ"اتفاق الطائف"، انطلاقاً من الاعتقاد بأنّ "حزب الله" يسعى الى المثالثة في النظام اللبناني بدلاً من المناصفة، لتعزيز وجود الطائفة الشيعية في الدولة على حساب المسيحيين خصوصاً. وهذا الخوف يتعزّز لدى تحقيق "حزب الله" أي "انتصار"، خصوصاً إذا كان مشبوكاً بتوافق دولي، إذ يمثّل فرصةً لـ"الحزب" لتسييله داخلياً، والفرصة سانحة الآن، بعد إنجاز اتفاق الترسيم البحري مع اسرائيل بتوافق داخلي – خارجي.

هذا الأمر ليس بهذه البساطة كما توضح مصادر سياسية، خصوصاً أنّ مقابل كلّ طرح هناك طرح آخر، وإذا طُرحت المثالثة يُمكن للمسيحيين أن يطرحوا اللامركزية السياسية الموسّعة. وترى مصادر مطّلعة أنّ أي "مكتسبات" قد يحصّلها "الحزب" لن تتعدّى حدود الدستور وستكون ضمن النظام القائم، فالظروف الداخلية والخارجية غير مؤاتية للبحث الجدّي في تعديل الدستور أو النظام، والإشارة الأبرز الى ذلك كانت عبر البيان الثلاثي الأميركي- الفرنسي- السعودي على هامش اجتماعات الدورة الـ77 للأمم المتحدة في أيلول الفائت، الذي أكّد "التزام "اتفاق الطائف" المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان".

وعلى رغم ربط علاقة "الحزب" والإيرانيين الجيدة بالسويسريين بأنّ "الحزب" وراء هذا العشاء التمهيدي لمؤتمر عام قد تُطرح خلاله كلّ "التابوهات"، إلّا أنّ مصادر معنية بالدعوة تؤكد أنّ "الحزب" ليس وراءه وأنّ "الإعلام ضخّم الموضوع"، فسويسرا وعبر مؤسسات غير حكومية لطالما دعت الى طاولات حوار تجمع الأفرقاء اللبنانيين حول مواضيع مختلفة، لا أبعاد دستورية لها، ومنها طاولة مستديرة منذ بضع سنوات حول ملف النازحين السوريين، شارك فيه ممثلون عن الأحزاب الرئيسية وشخصيات مستقلّة.

لكن مع كلّ التطمينات هناك شك في "نية" الثنائي الشيعي وتحديداً "حزب الله" حيال التزام "اتفاق الطائف"، خصوصاً أنّ "الحزب" كان من أبرز الرافضين له، فضلاً عن مطالبته العلنية بضرورة تطويره. لكن "الحزب" يؤكد، وفق عارفيه، أنّ لا حديث في المثالثة وضدّ أي "تنقيص" من وجود المسيحيين. وتشير مصادر قريبة منه الى أنّه سبق وحقّق انتصارات عدة، ومنها تحرير الجنوب، ولم يستغلّ ذلك أو يستثمره في مطالبات كالتي يُحكى عنها. من جهتها، تؤكد حركة "أمل" أنّها مع "الطائف ثمّ الطائف الى أبعد الحدود"، جازمةً بأنّ الطائفة الشيعية لا تريد لا الهيمنة ولا المثالثة وتحترم أي طائفة في لبنان، و"عيننا" ليست على المثالثة بل على دولة المواطنية والعدالة، فـ"تبديل الطرابيش الطائفية" ليس حلاً ولا نقبل به، بل نريد أن يتساوى المواطنون بين بعضهم البعض.