باتريسيا جلاد

لبنان ينافس زيمبابواي على المركز الأول عالمياً

كلفة السلة الغذائية ارتفعت 1677% منذ بداية الأزمة

24 تشرين الأول 2022

02 : 00

حلّقت نسب التضخّم خلال العام الجاري، محقّقة ارقاماً قياسية في اسعار المواد الغذائية، ليس في لبنان فحسب بل في كل دول العالم. واستناداً الى مؤشّر إدارة الاحصاء المركزي فقد بلغت نسبة التضخّم الإسمية للمواد الغذائية في لبنان للأشهر التسعة حتى ايلول 208% مقارنة مع 198% في الإحصاء الشهري السابق (لفترة 8 أشهر)، والذي أعلن عنه البنك الدولي ليحتل لبنان المرتبة الثانية عالمياً بعد زيمبابواي التي بلغت نسبة التضخم فيها 340% للأشهر التسعة الأولى من العام. وكان لبنان احتل المركز الاول في احصائية سابقة للبنك الدولي. أما في منطقة آسيا، فاحتلّ لبنان المرتبة الأولى وتلته سريلانكا مسجّلة تضخماً بنسبة 94.9% ثم إيران بنسبة 81.2% وباكستان 31.17% وأفغانستان 24.88%.

كلفة السلّة

ارتفعت المواد الغذائية بنسب مختلفة، ويقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ»نداء الوطن» إن «كلفة السلة الغذائية والحاجات الضرورية للأسرة اللبنانية التي كانت تكلّف 450 ألف ليرة لبنانية قبل بدء الأزمة في نهاية 2019، باتت تكلّف اليوم 8 ملايين ليرة، وهذا الأمر يختلف بين سلعة وأخرى، مسجّلة زيادة وفق تلك المعادلة بنسبة 1677%». وهذه النسبة تشمل ارتفاع أسعار الألبان والأجبان واللّحوم والحبوب والمعلّبات».

وبذلك فإن متوسط حاجة الأسرة اللبنانية المؤلفة من 4 اشخاص يبلغ الآن 23 مليون ليرة شهرياً: 20 مليون ليرة اذا كانت تعيش في القرية و26 مليون ليرة في المدينة. وانطلاقاً من هنا فإن أكثر من 70% من اللبنانيين الذين لا تزال رواتبهم متدنية وبالليرة، لا يمكنهم أن يعيشوا حياة لائقة وكريمة وتأمين حاجاتهم الغذائية والإستهلاكية والمعيشية الأساسية، وتلك هي معاناة حقيقية يومياً».

الأسباب

وتعود نسبة التضخّم المرتفعة تلك الى أسباب ثلاثة: الى جائحة كورونا، الحرب الروسية الأوكرانية التي أدت الى زيادة كلفة النقل والشحن، وارتفاع أسعار المواد الغذائية وغيرها نتيجة زيادة اسعارالغاز عالمياً. فنسبة 80% من المواد الغذائية المحلية مستوردة، فضلاً عن انهيار العملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع بأرضها في لبنان نتيجة ارتفاع سعر صفيحة المازوت.

ويعود سبب تفاقم التضخّم الذي أصاب دول العالم بأسرها الى الحرب الروسية الأوكرانية التي غيّرت خريطة الصادرات والواردات للمواد الحيوية الأساسية، مثل المحروقات والطاقة والغاز... ورفعت أسعار معظم السلع الإستهلاكية لا سيما المواد الغذائية لتشكّل امتداداً لفترة تضخّمية كانت بدأت تتفشّى جرّاء جائحة «كورونا». ويرجّح تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد الذين وسيحتاجون إلى مساعدة عاجلة، إلى 222 مليون شخص في 53 دولة.

إن اكبر الدول الإقتصادية تأثرت بتلك الحرب ما فاقم نسب الفقر فيها، فكيف بالحري في بلد مثل لبنان الهشّ اقتصادياً ومالياً وإجتماعياً، والذي يعاني من انهيار العملة الوطنية وتداعيات تخبّطه بأكبر أزمة في تاريخه.

المبيعات تنخفض في السوبرماركات

وفي هذا السياق أوضح رئيس نقابة اصحاب السوبرماركات نبيل فهد لـ»نداء الوطن» أن انهيار سعر صرف الليرة أمام الدولار والوتيرة التصاعدية المستمرة للدولار مشكلة اساسية، ومحفّز لتفاقم التضخّم. باعتبار أن أكلاف الصناعة المحلّية بالدولار، إذ تعتمد على المواد الأولية المستوردة، مثل البلاستيك وعلب التوضيب...فضلاً عن كلفة النقل المرتفعة. فأسعار النفط ارتفعت عالمياً بنسبة 50% عن العام الماضي، وأسعار السلع الغذائية شهدت زيادات خصوصاً المنتوجات التي تتأثّر بسعر البترول. واضاف فهد «إن تكاليف الكهرباء مرتفعة على المنتجين اللبنانيين، اذ ينتجون على أساس أسعار المازوت والتي تكلّف بين 50 و 60 سنتاً لكل كيلواط ساعة، بينما كلفة معامل الكهرباء هي 9 أو 10 سنتات، واذا ما تمّ اعتماد الطاقة المتجددة تصبح الكلفة بين بـ2 أو 3 سنتات لكل كيلواط ساعة. وبالتالي تلك المصاريف المرتفعة تدخل في تكاليف إنتاج السلع المحلية، أو المحلات في نقاط البيع التي تترتب عليها فواتير مازوت مرتفعة لتوفير الكهرباء، ما يزيد من نسبة التضخم.

عوامل داخلية وخارجية تؤثّر في أسعار السلع، وفي كل مرة ارتفعت فيها أسعار السلع يتراجع حجم الإستهلاك نتيجة انخفاض القدرة الشرائية حتى للمواد الغذائية الأساسية، أما المواد الثانوية للمواد الغذائية، فبات استهلاكها ضئيلا مثل الشوكولا والأجبان المستوردة وانواع من العصائر... بالنسبة الى المواد الإستهلاكية الأخرى، شهدت تراجعاً كبيراً لا سيما مستحضرات الترطيب والإسفنج وفوط التنظيف، والأكسسوارات المتعلقة بالحيوانات والكبايات والصحون...

باختصار قال فهد، إن مبيعات المواد الإستهلاكية الغذائية، تراجعت بنسبة تتراوح بين 50 و 60% عن المبيعات التي كانت مسجّلة قبل بداية الأزمة اللبنانية في نهاية العام 2019.

قطاع الدواجن

في ما يتعلق بأسعار الدجاج التي ارتفعت مقارنة مع فترة ما قبل الأزمة، قال رئيس النقابة اللبنانية للدواجن وليام بطرس لـ»نداء الوطن» إن تكلفة سعر طن الذرة قبل الأزمة كان 160 دولاراً، زاد بعد بدء الحرب الأوكرانية الى 450 دولاراً قبل أن ينخفض مجدّداً الى 350 دولاراً. كما ان الكلفة تضاعفت جراء ارتفاع أسعار المحروقات.

من هنا يتكبّد أصحاب المزارع خسائر، فانخفض الإنتاج من 120 الى 80 مليون طير. ما أدى الى إقفال مئات المزارع بسبب إرتفاع التكلفة وضعف القدرة الشرائية. فسعر كيلو صدر الدجاج على سبيل المثال يباع بقيمة 200 أو 170 ألف ليرة حسب المسلخ والمنطقة مقارنة مع 130 ألف ليرة لصدر الدجاج المجلد الذي يباع في السوق على اساس أنه طازج، ما يعود بالفائدة على المطعم والوسيط وليس المستهلك، وبذلك يبقى المتضرّر الوحيد هو المزارع اللبناني.



ما السبيل للجم تضخم الاسعار؟



الخضار

أما في ما يتعلق بأسعار الخضار فهي بدورها تسجّل ارتفاعاً نظراً لارتفاع كلفة الشحن ونقل تلك البضائع من مناطق بعيدة، وشراء الأسمدة، واضطرار المزارع الى تبريد بعض المنتجات في برادات تتطلب توفير الكهرباء فتزيد الكلفة.

اللحوم

إرتفع معدّل سعر مبيع اللحوم ومشتقاتها بنسبة 127%، كما بين التقرير الأسبوعي لجدول أسعار السلة الغذائية الصادر عن وزارة الإقتصاد في 3 تشرين الأول الجاري، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2021.

وجاء ذلك نتيجة إرتفاع معدل سعر مبيع مشتقات الفروج محلياً بنسبة 232% والفروج الكامل ارتفع محلياً بنسبة 146%، بينما ارتفع سعره عالمياً بنسبة 49%، وزيادة سعر لحم البقر الطازج محلياً بنسبة 25%. وزاد أيضاً سعر مبيع لحم البقر المستورد محلياً بنسبة 95% مقابل 5% عالمياً، ولحم الغنم الطازج زاد محلياً بنسبة 95% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

كيف يرتفع التضخم؟

تعود اسباب التضخم التي تصيب الدول عادة الى زيادة الطلب على السلع والخدمات كنتيجة لزيادة السكان مثلاً، من دون أن يقابلها زيادة في إنتاج السلع والخدمات التي تلبي ما يزيد عن الطلب، كما إن زيادة السيولة النقدية بشكل يفوق زيادة السلع والخدمات أيضاً تؤدي إلى التضخم. حيث إن زيادة الطلب على السلع والخدمات مع ثبات العرض أو زيادة السيولة النقدية بشكل أكبر من الزيادة في انتاج السلع والخدمات، تؤدي إلى ارتفاع أسعار تلك السلع والخدمات، والارتفاع بالمستوى العام للأسعار يعني انخفاض قيمة العملة المحلية وانخفاض قيمة العملة المحلية يعني انخفاض القوة الشرائية.

في لبنان، إن ارتفاع نسب التضخّم ناجم عن الإنهيار المالي والنقدي والإقتصادي والإجتماعي نتيجة تفاقم الديون على الدولة والسياسات الخاطئة المعتمدة. فانهارت العملة الوطنية وارتفع المستوى العام للأسعار، ما ترك آثاراً كبيرة وعديدة على جميع أفراد المجتمع من منتجين ومستهلكين ومستوردين ومصدرين. وجاء جزء كبير من ارتفاع أسعار السلع انعكاساً لأسعار عوامل الإنتاج، ما يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الأرباح، فانخفض عامل التشجيع لدى المنتجين على الإنتاج وهو الربح، فانخفض الإنتاج وهذا ما يزيد الأمر سوءاً.

تطورات التضخم في العالم

لا يزال تضخم أسعار الغذاء مرتفعاً في مختلف أنحاء العالم. وتبيّن الأرقام بين أيار وأيلول 2022 ارتفاع معدلات التضخم في جميع البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تقريباً. إذ سجل 88.9% في البلدان منخفضة الدخل، و91.1% في الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، و96% في الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل. وارتفع عدد البلدان المرتفعة الدخل التي شهدت ارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية إلى 85.7%. و للمثال، ارتفع متوسط أسعار القمح والذرة والأرز 18% و27% و10% في تشرين الأول 2022 عما كان عليه في أيلول 2021. وسبق للحرب في أوكرانيا أن غيّرت الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك للسلع الأولية على نحو من شأنه أن يبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى نهاية العام 2024، مما يؤدي إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي وارتفاع التضخم. وتسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أزمة عالمية دفعت بملايين إلى الفقر المدقع، مما يفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية. ووفقا لتقرير للبنك الدولي، تسببت جائحة فيروس كورونا في انتكاسة كبيرة في جهود الحد من الفقر في العالم. والآن، أدى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة بسبب الصدمات المناخية والصراعات إلى توقف الانتعاش.

من 5 إلى 50 ملياراً

وفقا لوثيقة صادرة عن صندوق النقد الدولي، هناك حاجة إلى إنفاق ما يتراوح بين 5 و7 مليارات دولار أخرى لمساعدة الأسر الأكثر احتياجا في 48 بلداً هي الأكثر تضرراً من ارتفاع أسعار واردات المواد الغذائية والأسمدة. وثمة حاجة إلى مبلغ إضافي قدره 50 مليار دولار للقضاء على انعدام الأمن الغذائي الحاد على مدى الاثني عشر شهراً المقبلة.

فقر يهدد الأمن

إن سرعة ارتفاع تضخم أسعار السلع الغذائية تنعكس على كافة جوانب الحياة، «ولاسيما على نسبة الفقر المرتفعة أصلا في لبنان خلال السنوات الماضية والتي تتعدّى 80% وتهدد بشكل مباشر الأمن القومي للبلاد، بكونه يمثل مؤشراً اجتماعيا وليس اقتصادياً فقط. وبحسب الخبراء إن انعدام الأمن الغذائي سينعكس على نسب الجرائم والسرقات والسلوك الاجتماعي للسكان، وبالتالي هذا مؤشر مخيف جداً في الواقع اللبناني».

إلى انخفاض؟

من المتوقّع أن تشهد نسب التضخّم في لبنان تراجعاً في المرحلة المقبلة. ويتوقع مؤشّر «إقتصاديات التجارة» العالمي أن يتراجع هبوط إجمالي الناتج المحلي في لبنان من -20% حالياً الى -2% في العام 2023 وأن تتراجع نسب التضخم من 162.47% لفترة 9 أشهر الى 35% في العام 2023، وأن تتراجع نسبة الدين الى الناتج المحلي من 171.570% الى 165%.




MISS 3