بشارة شربل

ترميم الموقع... والكرسي

26 تشرين الأول 2022

02 : 00

كان أفضل لو أُلغي الأسبوع الحالي من روزنامة الرئاسة وكل اللبنانيين. فما شهدَته بعبدا في الأيام الأخيرة يدعو الى الشفقة، سواء على صعيد وفد الترسيم المُجهَض أو توزيع الأوسمة "على قفا مين يشيل". ذلك أن النهايات يُفترض أن تكون كبيرة ومحترمة لأنها تحفظ كرامة المَوقع والشخص وتحيل الحكم الى التاريخ.

لا نتسرع في اعتبار تقليد السفير السوري أمس وسام الأرز الوطني "كريما" تَوَّجت سيل الأوسمة التي أغدقها فخامة الرئيس على مستحقين قليلين ومناصرين عديدين. فقد يفاجئنا في هزيع ولايته الأخير بشخصيات أعسر على الهضم. لكن من حق الشعب الذي تُهدى باسمه الأوسمة أن يسأل عن "الأعمال الجليلة" التي قدمها هؤلاء للبنان، أو انتاجهم العلمي والفكري والفني الذي أثرى الفضاء المعرفي واستحق التكريم، أو الخدمة الدبلوماسية العظيمة التي قدمها سعادة السفير، باستثناء لغة خشبية تحاكي عقل جمهور "المنظومة" التي أصاب وبَالها كل اللبنانيين.

ما يحصل عملياً في القصر الجمهوري يجعل مهمة الرئيس العتيد، ليس إخراج البلاد من الحفرة فحسب، بل أيضاً استرداد كرامة الكرسي، وإعادة الاعتبار لممارسات تُشَرِّف المكان، ولا تَعتبر آخر أيام العهود سانحةً لتجنيس مشبوه، أو مماحكات تعطيل، أو تسخيف لمَسات جوهرُها عرفان الأمة بجميل منارات مضيئة منها أو أصدقاءٍ لهم باعٌ طويل في دفع لبنان باتجاه ثقافة السلم والعلم.

نعلم أن وسام السفير السوري ليس ابن ساعته. لكن تشاء المصادفات المهينة أن تتضافر على "العهد القوي". فغداة الصفعة المؤلمة التي تلقاها فريقُه من يد أصدقائه في "قصر المهاجرين" أثناء لهاثه وراء "إنجاز" ترسيمي إضافي، يخرج سفير دمشق ليتحدث عن مجرد "لَبْس" بدل تقديم اعتذار رسمي أو عذر "مهضوم" قابل للتصديق. وما استسهال هذا التفسير إلا استمرار لنهج قديم أساسُه قبول التابعين بالتحقير ما داموا استساغوا انتهاك سيادة بلدهم وحولوه نظرية تعزز "معاهدة الأخوة والتنسيق".

يكاد يَصْدُق الذين وصفوا "العهد القوي" بـ"العهد الغبي". فهو صدَّق فعلاً أن دمشق تريد ترسيم حدودها براً أو بحراً مع لبنان لمجرد أنه أمر بديهي بين الدول المستقلة المتجاورة، أو لأن مصلحة الطرفين تتطلب خطوة استراتيجية تعطي أملاً بالنهوض من كوارث الفقر والانهيار، أو لأن "سوق" الترسيم حامِِ... حصل مع الأعداء فلماذا لا يحصل مع الأشقاء؟

أكثر من ذلك، فإن أصغر مراهق في فهم السياسات السورية يعلم أنها رغم التبادل الدبلوماسي لا تعترف ضمناً باستقلال لبنان، ومتوافقة مع حليفها "حزب الله" على "سيولة" الحدود ووحدة "الساحات"، إضافة الى انها لم تتعود الإقدام على أي خطوة بلا ثمن سياسي أو مادي، وبالتالي فإنها لن "تبيع" الترسيم لرئيس مغادر خائباً أم مرفوع الرأس، أو حتى لأي طرف محلي.

كلنا ننتظر جلاء فخامة الرئيس عن القصر، ولم يبق من عهده أكثر مما مضى. شخص الرئيس الجديد مهمٌ بالتأكيد. لكن الموقع والكرسي يحتاجان الى ترميم كثير.