حسان الزين

نجوى قاسم... فطرت قلبنا

3 كانون الثاني 2020

02 : 00

رحلت نجوى قاسم. هكذا، فجأة.

تخفيفاً من الصدمة ومراوغة لها، يمكن أن نتخيّل أن هذه الإعلامية الجميلة غادرت الحياة، كواحدة من بطلات قصص الأطفال، وهي نائمة في سريرها، من دون ألم. تعيننا في ذلك الصناعةُ التلفزيونيّة التي وهبت لها حياتها.

لكنَّ من يعرفها يتوقّع أن تشاكس، أن تمزح قليلاً، بتلك النباهة الجريئة التي تجعل اللحظة كلمة أو ابتسامة عابثة.

ومن يعرف هذه الإنسانة الحرّة، يتوقّع ألا تغالب التجربة، وألا تتردد أمام جديد.

وهي كذلك. الصبيّة الوافدة إلى المدينة من الريف، تراها وهي تعانق الحياة تلهو مع ابني بلدتها الشوفية جون، نصري شمس الدين وحسن علاء الدين (شوشو). تفعل ذلك بكرم حافظت عليه حتى الأخير.

وهي كذلك، طالبة جامعية تدرس الهندسة، فإذا بها تُقدم بحماسة على الإعلام. كما لو أنّها، وهي التي تتعلم من كل صغيرة وكبيرة، ترفس سنوات من الدرس والاستعداد من أجل تجربة جديدة، غريبة.

كان ذلك، في 1992، حين كان لبنان كله يبحث عن حياة جديدة بعد الحرب.

راقتها آنذاك إطلالتها برقبتها الطويلة وشعرها القصير على الشاشة الزرقاء. حملت معها أحلام الفتاة اليساريّة الواثقة بالسحر وتزوّدت بتقنيّات الأداء والإلقاء واللغة العربية من المعلّم عمر زين. فهي من جيل قَبل أن يتدرّب ويُخفي ارتجافه وكل نقص أمام الكاميرا.

ولم تكتفِ بذلك. لعل دراسة الهندسة، أو لعل لأنها لم تدرس الإعلام، أو لعل هي شخصيّتها، ما جعلها لا تكتفي بالظهور على الشاشة، أي مذيعة فحسب. أرادت أن تكون صحافية لا تقرأ ما يُكتب لها فحسب، إنّما تكتب ما تذيعه، وتقرأ وتعرف ما يؤسس لما تكتبه، وما تنهل منه.

أعدت التقرير والتحقيق التلفزيونيين. وشاركت في برامج حوارية اجتماعية وسياسيّة. وغطت مباشرة أحداثاً، في لبنان والخارج. ومع انتعاش الفضاء التلفزيوني العربي، خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية وسقوط نظام صدام حسين، كانت قد باتت مؤهّلة لخوض تجربة أوسع من لبنان ومحطاته المحليّة. انتقلت، في 2003، إلى قناة "العربية" الفضائية في المدينة الإعلامية في دبي. كان في إمكانها أن تتوج تجربتها، 11 عاماً، بتقديم برنامج، لكنّها انحازت إلى الصحافية. خاضت تجربة المراسلة الميدانيّة التي نجت منها في تفجير مكتب القناة في بغداد (2004). وتوقفت بين حين وآخر في محطات الحوارات الخاصّة. وأكثر ما أتقنته، ووضعها في الصف الأول من المذيعين، هو تغطية الأحداث وإجراء الحوارات على الهواء مباشرة ولفترات طويلة مفتوحة. وهذه المهمّة تستوجب، إضافة إلى القدرة على إدارة الهواء، الإعداد والإلمام بالملفات والأشخاص الضيوف.

حصّلت نجوى قاسم، بشغفها بالمهنة ومتابعتها الدؤوبة للأحداث، تجربة غنية. فكان أداؤها مجبولاً بماء شخصيّتها. والنتيجة أمام الكاميرا وعلى الشاشة تمكّنٌ وثقةٌ لا تنافسهما إلا روح النكتة والقدرة على الارتجال وإدارة اللحظات الحرجة والانفعال والمشاعر.

أمّا خلف الكاميرا، فقدرة على العمل تحت الضغط وتجاوز المطبّات الهوائيّة بروح العمل الجماعي، واللهو أحياناً، والحوار مع الزميل القدير والأخذ بيد الوافد السائل الجديد.

الحريري: نجمة متألقة

وغرّد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري عبر تويتر بالآتي: "صدمة حقيقية ومحزنة، أن ترحل #نجوى_قاسم في عز العطاء والشباب. رافقت مشوار تلفزيون المستقبل منذ تأسيسه وسطعت على شاشته نجمة متألقة، قبل أن تنتقل إلى دبي حيث تابعت التفوق والنجاح. خسارة لنا وللإعلام اللبناني والعربي. رحم الله نجوى قاسم وأحر التعازي لأسرتها وأسرة العربية - الحدث".


MISS 3