وليد شقير

الضجيج "القوي" والتمديد 5 أيام

4 تشرين الثاني 2022

02 : 00

ها قد انتهى أمس أحد فصول الضجيج الإعلامي والسياسي الذي يفتعله الفريق الرئاسي السابق، على خيبة أخرى لهذا الفريق الذي يعتقد أنّ الإكثار من اصطناع الأزمات والمشاكل على شاكلة الرسالة التي وجهها الرئيس السابق العماد ميشال عون إلى البرلمان قبل 24 ساعة من مغادرته القصر يطالبه فيها بسحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي.

فالبرلمان طلب من حكومة تصريف الأعمال أن تواصل تصريف الأعمال، ووجّه صفعة جديدة لهذا الفريق الذي بلعها واهماً نفسه كالعادة بأنه أثبت أنه محقّ لأن النواب قالوا بأن تصرّف الحكومة الأعمال في النطاق الضيق. وهو ما كان رئيسها نجيب ميقاتي يقوله قبل الجلسة وقبل رسالة لزوم ما لا يلزم. اعتبر صاحب الضجيج أنه انتصر بالنتيجة، فيما هو كان يعتبر الحكومة مغتصبة للسلطة بتواطؤ مع رئيس المجلس نبيه بري، الذي أفتى بما انتهت إليه جلسة الأمس. فما هذا الانتصار الباهر الذي حققه فريق الضجيج القوي الذي لا يتقن سوى القرقعة بلا طحين؟ وهو اعتبر أنه لا يحق لهذه الحكومة أن تتسلم صلاحيات الرئاسة، فيما البرلمان أكد حقها في تسلم تلك الصلاحيات.

طلبُ عون سحب التكليف من ميقاتي تحوّل إلى مهزلة نظراً إلى أنه لم يوجد من ينصح الرئيس السابق بأن يحجم عن المطالبة به، أولاً لأنه أمر غير دستوري ولا نص دستورياً يسمح بذلك، وثانياً لأنه حتى لو كان التكليف قد سقط بانتهاء الولاية الرئاسية فإنه يحول دون تأليف ميقاتي الحكومة لأنّ رئيس الجمهورية لم يعد موجوداً كي يوقّع مراسيمها معه. ثم إنّ انتخاب رئيس جديد سيتطلب إعادة تكليف من يؤلّف حكومة جديدة، سواء كان ميقاتي أو غيره.

جلّ ما حصل أمس هو أنّ رسالة عون للبرلمان مددت، افتراضياً، أو في الخيال، استمرار صهره في موقع الرئاسة 4 أيام أخرى بعد 31 تشرين الأول، إذ تليت الرسالة على أنها مرسلة من رئيس الجمهورية، بعد أن غادر القصر الرئاسي بخمسة أيام.

يعيش الفريق الرئاسي السابق ضجيج أوهام الاستمرار في السلطة، ويشحن نفسه بها لعلّه يتمكن من مبادلة ذلك الضجيج بمكاسب ما من الرئاسة المقبلة، يساعده «حزب الله» على تأمينها. فالنائب جبران باسيل ما زال يعتقد أن أختام الرئاسة ما زالت في يده وما زال بإمكانه أن يتحكم بتوقيعها، وأن تسليمها لخلف عمه له ثمن. ولذلك ينسب لنفسه الانتصارات والقدرة على فرض المشيئة الرئاسية رغم حصول العكس.

ثمة من ينقل عن قيادة «حزب الله» أنها كانت تعتقد بأن مغادرة عون الرئاسة ستغيّر من لهجة باسيل ومن نهجه الواهم ويصبح واقعياً أكثر، لكن لقاءه الأخير قبل أيام مع الأمين العام السيد حسن نصر الله أثبت أنّ الأمر يحتاج إلى المزيد من أيام وربما أسابيع وأشهر النقاهة، من مرض هذا الوهم. واضطر «الحزب» أن يكظم خيبته مرّة جديدة بعدما استمع نصر الله إلى باسيل يرفض ترشيح الرجل المفضّل لدى «الحزب» سليمان فرنجية.

إلى أن يأتي أوان انتخاب رئيس للجمهورية، لا يستبعد بعض النواب والسياسيين المخضرمين أن يفتعل الفريق الرئاسي السابق وباسيل ضجيجاً جديداً حول أمور أخرى، لإثبات الوجود.

وقد يكون باسيل نادماً لأن رفضه الحوار الذي كان الرئيس نبيه بري يعتزم الدعوة إليه ثم عدل عن الفكرة، كان ليسمح له بالقيام بالضجيج «القوي» الإعلامي والطائفي حول «مصادرة» مقام الرئاسة.

ومع أنّ التساؤلات التي سبقت إلغاء بري الدعوة كانت غير متفائلة بأنه يمكن أن يقرّب البلد من إنهاء الفراغ الرئاسي، فإنّ مبادرته كانت تتوخى أن يقود البحث ولو نظرياً، بالمواصفات الرئاسية، إلى تشاور بالأسماء في كواليس الحوار. والأوساط التي شككت بهذا الاحتمال اعتبرت أنّ رئيس البرلمان يعمل عبر هذه الخطوة على تقطيع الوقت بنوع من التواصل بين القوى المتخاصمة ليخفف من حدة الخطاب السياسي، في انتظار أن تنضج ظروف خارجية وداخلية لاختيار الرئيس.

وحسنو النية من بعض الفرقاء المحليين والخارجيين رأوا في مبادرة بري استجابة للإلحاح الدولي والعربي على تسريع انتخاب الرئيس، ومحاولة منه لإرضاء المرجعيات المسيحية القلقة من أنّ القيادات الإسلامية ومنها هو، باتت تستسهل حصول الفراغ الرئاسي، وخلو المنصب الأول للمسيحيين في الدولة من شاغله، في سياق التوجس من إضعاف دور الرئاسة في التركيبة اللبنانية. وبهذا المعنى يكون بري برأ ذمته والفريق السياسي الذي ينتمي إليه، من هذه التهمة، رغم أنه استخدم حجة رفض كتلتين مسيحيتين حضوره، بعدما كان باسيل أبلغه بنيته المشاركة في الحوار ثم عاد فرفضه.

وفي جلسة الأمس برأ بري نفسه ثانية، بأن دعا البرلمان الى مناقشة رسالة الرئيس رغم مغادرته الرئاسة، لكنه حرم باسيل من الاستعراضية بعدم نقل وقائع الجلسة تلفزيونياً، حتى لا يسترسل بالخطابات التعبوية، ويستدرج مقابلاً لها، كما فعل في جلسة مشابهة قبل أكثر من سنة حين طالب عون بسحب التكليف من الرئيس السابق سعد الحريري.


MISS 3