تجارة غير مشروعة تدر 10 مليارات دولار

سوريا أكبر "مصدر" للكبتاغون في العالم

02 : 00

تُعد حبوب «الكبتاغون» أبرز الصادرات السورية وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية

مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها وسعر الحبة بين دولار و25 دولاراً

تتورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية عدة في تلك التجارة وقد تكون أبرزها الفرقة الرابعة في الجيش

مصدر قضائي لبناني: «منطقة وادي خالد المعروفة بتهريب السلاح باتت مليئة اليوم بمهربي الكبتاغون»

خلال عشر سنوات من حرب مدمرة، تغيّرت خارطة سوريا، فرُسمت خطوط جديدة ومعابر داخلية تفصل بين المناطق، لكن شيئاً واحداً بدا وكأنه عابر للتقسيم ولخطوط التماس فتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشرة مليارات دولار: الكبتاغون.

والمسألة أكثر تعقيداً من كون «الكبتاغون» مجرد حبوب سحرية ارتبط اسمها بتنظيم الدولة الإسلامية، فهذا المخدر يدرّ مدخولاً هائلاً على أطراف متنوعة في بلد أنهكت الحرب اقتصاده.

من شمال سوريا إلى جنوبها مروراً بباديتها وسواحلها، وبغض النظر عن القوى المسيطرة عليها، سواء أكانت قوات موالية للنظام أم معارضة له، تتخطّى حبوب الكبتاغون الانقسامات، لتحوّل سوريا الغارقة في نزاع دام منذ 2011، إلى دولة مخدرات. وتشمل دورة إنتاج وتهريب هذه الحبوب المخدرة لبنان المجاور الذي ينوء أيضاً تحت ثقل انهيار اقتصادي.

وتُعد حبوب «الكبتاغون» أبرز الصادرات السورية، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات مبنية على إحصاءات جمعتها وكالة «فرانس برس»، وتوثّق الحبوب المصادرة خلال العامين الماضيين.

وباتت سوريا مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج، مروراً بدول أفريقية وأوروبية. وتبين من مقابلات أجرتها «فرانس برس» مع أكثر من 30 شخصاً من مهربين ومسؤولين أمنيين حاليين وسابقين في سوريا ودول أخرى، فضلاً عن ناشطين ومسؤولين محليين على دراية بصناعة الكبتاغون، أن علاقات تجارية وعشائرية وقبلية ومصالح تتداخل بين خطوط تهريب وتجارة الكبتاغون.

%80 من تلك التجارة... مركزها سوريا

في العام 2021، ووفق بيانات رسمية، صادرت القوى الأمنية في دول عدة أكثر من 400 مليون حبة كبتاغون. وبحسب ما أظهرت مضبوطات من العام 2022، يبدو أن «صادرات» الكبتاغون ستفوق تلك التي تمّت في العام السابق. لكن هذا ليس سوى رقم بسيط جداً مقارنة مع ما لم يُضبط. ويقول مسؤولون أمنيون إنه، مقابل كل شحنة يتمّ ضبطها، تصل تسع شحنات أخرى إلى وجهتها. ويترواح سعر حبة الكبتاغون بين دولار و25 دولاراً.

واذا احتُسب سعر الحبة بخمسة دولارات، ووصلت أربع من أصل خمس شحنات الى وجهتها، تتخطّى قيمة تجارة الكبتاغون السنوية عشرة مليارات دولار، ويعدّ ذلك أقل تقدير لتلك التجارة الضخمة.

وبما أن نسبة 80 في المئة من تلك التجارة مركزها سوريا، وفق مسؤولين أمنيين، يكون الكبتاغون أبرز صادرات تلك الدولة، ويعود عليها بأرباح تفوق حجم ميزانيتها بثلاثة اضعاف. ويستفيد نظام الرئيس بشار الأسد ودائرون في فلكه وشبكة تجار الحرب بشكل هائل من تجارة الكبتاغون.

رفد الخزينة بدولارات

ويقول مستشار سابق للحكومة السورية للوكالة الفرنسية من خارج سوريا «لا توجد محرّمات في الحروب، والبلاد كانت ولا تزال في حاجة ماسة للنقد الأجنبي من أجل رفد اقتصاد الدولة». ويضيف: «استطاعت صناعة الكبتاغون أن ترفد الخزينة ولو بجزء من العملة الأجنبية من خلال اقتصاد ظل متكامل يبدأ من استيراد المواد الأولية، وصولاً للتصنيع وأخيراً التصدير».

وتتورّط أجهزة أمنية وعسكرية سورية عدة في تلك التجارة، قد تكون أبرزها الفرقة الرابعة التي تتبع ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، وفق ما أفادت مصادر عدة بينها أمنيون سابقون في سوريا ومهربون وخبراء.

دور حزب الله... والحدود السائبة

ويشير باحثون في الموضوع الى أن لـ»حزب الله» اللبناني دوراً مهماً في حماية صناعة الكبتاغون، وخصوصاً في المنطقة الحدودية. ويتهمه سكان في جنوب سوريا بالوقوف خلف انتشارها في مناطقهم، وينفي الحزب أي علاقة له بهذه الصناعة.

وتُعد الفرقة الرابعة أبرز الفرق العسكرية المنتشرة في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وتتمتع بنفوذ كبير في مرفأ اللاذقية في غرب البلاد.

ولطالما شكّلت الحدود اللبنانية السورية مساراً لتهريب البضائع على أنواعها. ولم تعد تقتصر عمليات تهريب الكبتاغون على الحدود الشرقية للبنان خصوصاً بعد حملة أمنية طالت التجار، فتحوّل كثر إلى الحدود الشمالية.

ويقول مصدر قضائي لبناني يلاحق قضايا الكبتاغون، إن منطقة وادي خالد المعروفة بالتهريب وخصوصاً السلاح خلال أعنف سنوات النزاع السوري، «باتت مليئة اليوم بمهربي» الكبتاغون.

ومع التشديد الذي حصل خلال السنة الأخيرة في لبنان على صعيد ضبط عمليات صناعة وتجارة الكبتاغون، تراجعت أعداد المختبرات في منطقة البقاع، وانتقل تجار إلى المنطقة الحدودية داخل الأراضي السورية، وساعدتهم في ذلك إعادة فتح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن فتوسّعت اليه طرق التهريب، عدا عن المعابر غير الشرعية.

السويداء ودرعا بين معاقل التهريب

ويعد جنوب سوريا، وتحديداً محافظتا السويداء ودرعا، معقل طرق تهريب أساسية لحبوب الكبتاغون نحو الأردن ودول الخليج، وفق ناشطين وأمنيين سابقين من المنطقة.

في السويداء، دفع التردي الاقتصادي بشبان كثر إلى الانضمام إلى عصابات محلية تعمل في تخزين وتهريب البضائع، وعلى رأسها الكبتاغون.

ويقول المتحدث باسم «حركة رجال الكرامة» المعارضة أبو تيمور «هناك استغلال للوضع المعيشي للسكان»، فضلاً عن فوضى انتشار السلاح في المحافظة. ويضيف: «السويداء منطقة تهريب وتخزين» للحبوب، مشيراً إلى أن أفراد عشائر في البادية المجاورة ينقلون البضائع إلى السويداء حيث يجري تخزينها ثم تهريبها غالباً عبر الحدود الأردنية بالتعاون مع «أكثر من مئة عصابة مسلحة».

الى تركيا... بالتنسيق بين الفصائل

ويقول مهرّب في تلك المناطق لـ»فرانس برس»: «أعمل مع أشخاص في حمص ودمشق يأتون بالحبوب من مستودعات الفرقة الرابعة»، مضيفاً: «نوزّع الحبوب هنا أو نرسلها إلى تركيا بالتنسيق مع الفصائل، السوق التركي يعتمد علينا كثيراً، نحن بوابة لهم».

ويبيع المهرب، وفق قوله، أيضاً الحبوب لمسؤولين في هيئة تحرير الشام التي تسيطر على حوالى نصف محافظة إدلب المجاورة.

ويعتمد المهرّب في تجارته على حبوب يأتي بها من مناطق سيطرة النظام أو مصنعة محلياً. ويشير إلى أن الفصائل تحتكر تصنيع الكبتاغون في مناطق سيطرتها «ولا يتجرأ أحد آخر» على الأمر.

كما تعدّ تركيا مصدراً لمواد أساسية في تصنيع المخدّر، وفق ما يقول المصدر القضائي اللبناني، مشيراً إلى أن «ديثيل الأثير، أحد أنواع الكلوروفورم، مكوّن أساسي في صناعة الكبتاغون، ومعظمه يدخل من تركيا». (المصدر: أ ف ب)

لبنان... وحسن دقو

في منطقة نائية في البقاع، يقول شخص لديه علاقات مع عدد من التجار مكنته من الاطلاع والتوسّط في صفقات كبيرة، عن تجارة الكبتاغون، «رأسمالها خفيف وأرباحها كبيرة». ويتقاسم 4 أو 5 تجار كبار، وفق هذا الوسيط، شحنة واحدة ميزانيتها عشرة ملايين دولار تغطّي المواد الأولية وطرق التهريب التي تُعرف بـ»السكة»، و»الرشاوى»، وتعود بربح بقيمة 180 مليون دولار.

ويوضح «إذا خسروا أول عشرة ملايين، وثاني عشرة ملايين، وحتى ثالث عشرة، بمجرّد أن تنجح شحنة واحدة في المرور، يكون التاجر رابحا».

ويؤكد الوسيط ومصادر أمنية في المنطقة أن العشيرة الأكثر نفوذاً هي بني خالد التي تعدّ الأكبر.

ويتمّ إجمالاً تهريب الكبتاغون في أكياس بلاستيكية صغيرة، ويطلق على كل كيس من 200 حبة عبارة «الشدّ»، ويوضع أحياناً خمسة من أكياس «الشد» في كيس أكبر.

في لبنان، وعلى وقع عمليات ملاحقة صناعة وتهريب الكبتاغون في شرق البلاد، بات بعض التجار يعتمدون على مختبرات صغيرة موجودة على ظهر شاحنات، ما يجعل من الصعب ضبطها.

وأطلقت وسائل اعلام محلية لقب «ملك الكبتاغون» على رجل الأعمال حسن دقو المتهم بإدارة امبراطورية ضخمة من منطقة البقاع في شرق لبنان، مستفيداً من علاقات جيدة مع مسؤولين لبنانيين وسوريين.

واعتقلت القوى الأمنية اللبنانية دقو في نيسان من العام الماضي بتهمة تهريب حبوب الكبتاغون، الأمر الذي نفاه تماماً، مؤكداً أنه يعمل لصالح الأمن العسكري السوري والفرقة الرابعة، وفق مستندات قضائية اطلعت عليها «فرانس برس».

وتُعد بعض الأعمال التجارية التي يملكها دقو، وفق مسؤولين أمنيين، غطاء لتجار المخدرات، وبينها معمل مبيدات زراعية في الأردن وشركة سيارات في سوريا وأسطول صهاريج. ويقول مسؤول أمني إن نفوذ دقو تراجع، مقابل صعود أسماء أخرى في المنطقة.


MISS 3