سناء الجاك

بلطجة بقناع المعارضة

5 تشرين الثاني 2022

02 : 00

هستيريا أم بلطجة؟ أم الاثنان معا؟ ولماذا؟

هل المطلوب أن يستفيق اللبنانيون كلّ صباح ويهرعون إلى صلاة شكر لله على أنهم عاشوا في زمن إنجازات ميشال عون؟ أو أنّ الشكر الزامي، ولا يصح شرعاً إلّا إذا كانت نهاية الولاية بداية لولاية الصهر جبران باسيل؟

وفق أي قانون أو دستور أو منطق يجب أن يخلف باسيل عمه... وإلّا لن يسمح لهذا البلد بالاستمرار على قيد مأساته الحالية؟ أو أن جبران باسيل يعمل ليدفع اللبنانيين إلى الترحم على عهد ميشال عون. ولأن لا شيء سيدفعهم إلى ذلك إلا فتنة طائفية بشعة تعيدنا إلى الحرب الأهلية؟ أو أنّ كلّ هذه الأفكار السوداء محض تشاؤم لا مبرر له. وكل ما في الأمر أنّ «الجناح الباسيلي» الذي بات يسيطر على «التيار العوني» يرفض الإقرار بالخسارة، ويصر على استنباط وسائل قد تؤدي إلى الربح مهما كان الثمن ومهما استغرق من زمن.

لذا كان لا بد من حمل لواء المعارضة.

لحظة... لا يتعلق الأمر بمعارضة كما تُعَرِّف عنها العلوم السياسية، أي تلك التي تتعلق بأفراد وجماعات وفق حيثيات مرتبطة بالشأن العام، مرتكزها قضية ما أو تشريع ما أو اقتراح سياسة مختلفة عن سياسات الحكومة، ويفترض أن تواجهها. وغالباً ما تمارس المعارضة في الإطار الشرعي وضمن المؤسسات الثابتة. ولكن، نحن اليوم حيال معارضة بالمطلق... بالمجرد والغرائبي... تماماً كما الفن التجريدي... أو الفن للفن... لا أكثر ولا أقل.

معارضة للمعارضة... وليس للسلطة المركزية أو للإطار الشرعي القائم وضمن المؤسسات الثابتة، ولكن ضمن الشغور والفراغ ومن أجل مزيد من الفراغ، هي معارضة لاستحضار العدم. أو بصحيح العبارة هي بلطجة قانونية ودستورية تحت قناع المعارضة، وهدف صاحب القناع الحصول على المبتغى. أي لا قضية، ولا مبادئ، ولا مشروع، ولا أي أمر آخر يمكن مناقشته.

بمعنى آخر: هناك معارض لا يواجه حكومة مكتملة الصلاحيات، لأنها حكومة تصريف أعمال، وبالحدود الضيقة، أي أنّه لا سياسات لديها ليعارضها وينتقدها على أساس ثابت. عدا أنّه لطالما كان يحصل على حصته، ولطالما عرقل حتى يحصل على حصته.

بالتالي، هو يعارض للاستحواذ على ما تبقى من هياكل الدولة الشكلية بعد تطيير كل سعي لإعادة تكوين سلطة في إطار الدولة يمكن لأفراد ما أو لأحزاب ما معارضتها. وأيضا، للانتقام الذي يحركه بركان من الحقد يبحث عن موضع تفجير يحدث أكبر ترددات زلزالية، ليخمد ويهدأ. ولن يهدأ على ما يبدو.

فالأطراف التي تُوَجَّه إليها حمم الحقد، لا جريمة لها إلا أنها ترفض تلبية المطالب. لا يهم فسادها أو احتكارها للسلطة أو عرقلتها العهد القوي، كما هو الادعاء الذي تحول بدوره قناعاً يحجب رؤية صاحبه، ولا يحجب عن الخصوم رؤية الهستيريا الكامنة خلف القناع.

والخصوم ليسوا منزهين بدورهم، فهم الشركاء في القضاء على الدولة، وهم مفلسون سياسياً، لكن بعضهم يجتمع في توافق مريح، ما يسمح لهم بضبط إيقاع اللعب في البرلمان، وبعضهم الآخر له الأهداف ذاتها لصاحب القناع، ولكن لا ثنائية ولا توافق مريحاً بالرغم من ذلك.

لذا كان العنف على الشاشة. ولذا نزل العنف إلى الشارع. لكن إلى أي مدى؟؟ هذا هو السؤال...

هل يجد هذا العنف الطالع من الخيبة من يستثمر فيه؟ وهل تتحول البلطجة في الخطاب وفي الشارع إلى فتنة كفيلة بتوليد قتال أهلي يفرض أجندة المستثمر؟ أم سوف تقتصر مظاهر البلطجة على «فشة الخلق» بفعل الخروج من السلطة لأن كل هذا المجد المصطنع للعهد القوي ذهب إلى غير رجعة؟

الآتي من الأيام وربما الشهور سيحمل الجواب. وكالعادة اللبنانيون سيتكبدون ثمن هذا الجواب.